بعد رقمنة قطاع الصناعات التقليدية والحرف
امتيازات تمنحها بطاقة الحرفيّ ومساعٍ لإحياء حِرف اندثرت
- 673
واكبت الصناعة التقليدية والحرف في السنوات الأخيرة، التطورات التكنولوجية الحاصلة من خلال تحوُّل الحرفّيين للترويج والبيع عبر الفضاء الإلكتروني. فبعدما كان الحرفي يبحث عن أسواق لتصريف منتجاته ومشغولاته اليدوية، أصبح هاجسه الوحيد كيفية التحكم في التكنولوجيا وتقنيات التسويق الإلكتروني. ومن العوامل الهامة التي ساهمت، هي الأخرى، في النهوض بهذا النشاط اليدوي على اختلاف أنواعه والذي يعوّل عليه قطاع السياحة، الرقمنةُ، التي مكّنت الحرفيين من البطاقة البيومترية، وفتحت آفاقا جديدة لضبط النشاط. كما سمحت بإعطاء صورة إحصائية واضحة، عن كل المنخرطين في هذا القطاع.
"المساء" ومن خلال هذا الربورتاج، احتكّت بعدد من الحرفيين لجسّ نبضهم، والوقوف على أهم المكاسب المحققة بعد رقمنة أنشطتهم، مع تسليط الضوء، تزامنا واليوم الوطني للحرفيّ، على أهم التحديات التي تواجه هذا القطاع.
تحصي ولاية البليدة أكثر 12 ألف حرفي في مختلف ميادين النشاط الحرفي الذي يجمع بين ثلاثة ميادين، هي: الصناعة الفنية؛ مثل التحف والألبسة التقليدية التي تحظى باهتمام كبير، وميدان الصناعة التقليدية لإنتاج المواد؛ مثل النجارة، واستخلاص الزيوت النباتية، وصناعة الصابون؛ ما استقطب الفئة الشابة. وميدان الخدمات مثل البناء، والحلاقة والتجميل؛ إذ تحمل لائحة الحِرف 339 نشاط وحرفة.
ويأتي الاحتفال باليوم الوطني للحرفيّ المصادف للتاسع نوفمبر من كل سنة، ليعطي فرصة للحرفيين والناشطين في مجال الصناعة التقليدية، للتقرب من الزبائن، والتعريف بمنتجاتهم وتجاربهم، وقصص نجاحهم التي بدأت صغيرة، وخرجت إلى العالمية بفعل التكنولوجيا من جهة، ومساعي الدولة، الرامية إلى رقمنة كل القطاعات، بما فيها قطاع الصناعة التقليدية الذي يسجل تزايدا في عدد المسجلين بنسبة 10 ٪.
حرفيات أخرجتهم التكنولوجيا إلى العالمية
احتكت "المساء" بعدد من الحرفيات المشاركات بمعرض الصناعة التقليدية الذي أقيم بغرفة الصناعات التقليدية لبلدية أولاد يعيش. وعن نشاطهم والتحديات التي تواجههم في عصر التكنولوجيا قالت آسيا بيو مختصة في صناعة الصابون وكل المواد المتعلقة بترطيب وتنعيم البشرة والعناية بها، بأنّ ولوجها عالم الصناعات التقليدية والحرف، كان من خلال التكنولوجيا التي فتحت لهم باب التواصل، وعرض منتجاتهم عبر مختلف ولايات الوطن، مشيرة إلى أن الانطلاقة كانت في فترة "وباء كورونا" ، الذي حرم البليديين من الخروج من منازلهم؛ الأمر الذي دفعها هي وأختها، إلى التفكير في ما يمكن القيام به في المنزل لشغل وقت الفراغ. وقالت بحكم أنها تميل إلى كل ما له علاقة بالتجميل والعناية بالبشرة، قررت تعلُّم صناعة بعض المواد الطبيعية من خلال المشاركة في دورات تكوينية عن بعد".
وبعد تجريب منتجاتها ومحاولة تسويقها عبر الفضاء الأزرق تمكنت من استقطاب زبائن من المهتمين بكل ما هو منتَج من مواد طبيعية، معلّقة: "نحن كما يُصطلح على تسميتنا، مبدعات كورونا. تكونّا، ونتطلع للحصول على بطاقة حرفيّ رقمية؛ حيث خضعنا لتكوين تأهيلي، وحصلنا على شهادة تمكّننا من ممارسة النشاط ".
وتتطلع الحرفية آسيا وشقيقتها كنزة، من خلال منصات التواصل الاجتماعي، لأن تصل منتجاتهم الطبيعية إلى كل ولايات الوطن. وحسبها، فإن التحدي الذي تفرضه التكنولوجيا هو كيفية الوصول إلى استغلالها في نشاط حرفي، وإخراجه إلى العالمية، والتباهي بصناعة يدوية بعلامة جزائرية.
واختصت الحرفية زهور حلوة، في صناعة مواد التجميل والشموع. وتؤكد في معرض حديثها إلـى "المساء" ، هي الأخرى، أن التكنولوجيا فتحت لها باب التسويق، والتعريف بمنتجها. وكانت الانطلاقة من خلال تعلّم أسرار صنع مواد التجميل الطبيعية بعد رواج ذهنية الابتعاد عن المنتجات الكيماوية، والبحث عن كل ما هو طبيعي. بعدها خضعت لتكوينات ودورات ساعدتها في التحكم في فن صناعة مواد التجميل والشموع المعطرة، التي تلقى، حسبها، إقبالا كبيرا عليها في المواسم والأفراح. وقالت مع أنها لا تملك بطاقة حرفي لعدم امتلاكها محلا تزاول فيه النشاط، إلا أن غرفة الصناعات التقليدية منحتهم إمكانية المشاركة في المعارض، والتعريف بالمنتج. وفي المقابل، تسعى إلى التعريف بمنتجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال تعلُّم كل ما هو تسويق إلكتروني.
وإلى جانب مواد التجميل والعناية بالبشرة التي تحظى اليوم بحصة الأسد من اهتمام الحرفيات، فإن صناعة الحلويات والعجائن واللباس التقليدي، هي الأخرى، كان لها نصيب، وهو ما وقفت عليه "المساء" خلال التواجد في المعرض؛ حيث أكدت أغلب المستجوَبات اعتمادهن على التكنولوجيا للتسويق، والتي لعبت فيه الغرفة دورا هاما في تعليمهن تقنيات التسويق، والترويج الإلكتروني، وكيفية عرض المنتج من خلال تنظيم دورات تكوينية بصورة دورية.
غرفة الصناعات التقليدية بوابة الحرفي النظاميّ
تُعد غرف الصناعات التقليدية، حسبما أكد سعدي آيت زروق، مدير غرفة الصناعات التقليدية بولاية البليدة، في تصريحه لـ "المساء"، بمثابة همزة الوصل بين الحرفي والسوق؛ حيث تفتح له آفاق التمتع بمقاييس الحرفي النظامي النوعي؛ من خلال دعوته للمشاركة في مختلف المعارض التي يجري تنظيمها عبر إقليم الولاية، أو في المعارض الوطنية، وحتى الدولية.
ويردف المتحدث: "تنظيم بعض التظاهرات يسمح بخلق نوع من المنافسة بين الحرفيّين؛ مثل تنظيم مسابقات تسمح بتقييم منتجه، إلى جانب تمكينه من دورات تكوينية، لا سيما في مجال تسويق المنتجات الحرفية، خاصة أن التسويق، اليوم، أصبح رقميا، إلى جانب التسويق التقليدي الذي يُعد فرصة لاحتكاك الحرفي بالزبون مباشرة. وتظهر الحاجة ملحّة لأن يتحكم الحرفي في التسويق الإلكتروني؛ من خلال تعليمه كيفية إنشاء صفحات احترافية، وطرق استعمال مختلف الوسائط المتاحة".
وبالمناسبة، كشف المسؤول عن أن غرفة الصناعات التقليدية لولاية البليدة، أنشأت متاجر إلكترونية للحرفيّين، انطلق العمل بها في الفاتح مارس المنصرم. وتضم، اليوم، 60 حرفيا منخرطين في المتجر؛ إذ تسمح المنصة التي تم إنشاؤها للحرفي الذي لديه متجر يحتوي على معلوماته الشخصية وحرفته بالصور، لأيِّ شخص يلجها عبر موقع غرفة الصناعات التقليدية، بالتسوّق في المتجر الخاص بالصناعات التقليدية، والتواصل مع أيِّ حرفي يبحث عنه.
وحسب المتحدث، فإن المتجر الإلكتروني إلى جانب أنه يسمح للحرفي بعرض منتجه، في المقابل، أيضا، يمكّنه من الاستفادة من دورات تكوينية في كيفية التسويق، وتحيين منتَجه المعروض في المتجر، مؤكدا أن هذه المتاجر لعبت دورا هاما في التعريف بمنتج الحرفيّ، والترويج له.
ومن بين التكوينات التي لقيت اهتمام الحرفيين، الدورات الخاصة بتسيير المؤسسة؛ لكون الحرفي يشرف على مؤسسة الطبيعي؛ كمؤسسة صناعة الصابون، وبالتالي أصبح يتحكم في عدد من الجوانب؛ مثل كيفية الشراء، والبيع، والعلامات التي يجب احترامها، وكيفية حماية المنتج، والتأسيس للعلامة التجارية.
وأوضح المدير الغرفة، أن غرفة الصناعات التقليدية تنظم أيضا دورات تكوينية لتعلُّم بعض الحرف على مدار السنة في التجميل، وصناعة الأجبان، والحلاقة وغيرها، تؤهله للحصول على شهادة، ومنها بطاقة حرفي، وصولا إلى التمتع بالامتيازات التي تمنحها البطاقة؛ مثل: الحصول على قروض، والمشاركة في مختلف التظاهرات والمعارض؛ يقول: " وبالمناسبة، فإن ولاية البليدة لديها حرفيون مشاركون في معارض بدولتي النيجر وإيطاليا ".
مفاهيم خاطئة حول بطاقة الحرفيّ
عرض بعض الحرفيين الذين تحدثت إليهم "المساء"، انشغالهم حول بطاقة الحرفي التي يجري ربطها بضرورة امتلاك محل لمزاولة النشاط؛ الأمر الذي حرمهم من التمتع بالامتيازات التي تؤمّنها البطاقة، لا سيما بعدما تم رقمنتها. وقد ارتأى مدير الغرفة توضيحها، مرجعا إياها إلى عدم فهم بعض الحرفيين الذين لا يتواصلون مع الغرفة. وقال إن المشرِّع الجزائري تبعا لقانون 96/01، وضع قوانين تحكم بطاقة الحرفي؛ فميَّز بين الحرف التي يمكن مزاولتها دون الحاجة إلى وجود محل؛ إذ يمكن ممارستها في المنزل مثل الخياطة اليدوية التقليدية، والطرز، وصناعة التحف. أما بعض الحرف الأخرى فتتطلب وجود محل؛ مثل خياطة الملابس الجاهزة، وصناعة الصابون ومواد التجميل، وغيرها من الصناعات؛ لأنها تستخدم بعض المواد التي تعرّض صاحبها للخطر، وبالتالي فالقوانين جاءت لحماية الحرفي"، مشيرا إلى أن الحرفة هي التي تفرض حتمية وجود محل من عدمه، والتي على أساسها يحوز على بطاقة الحرفي.
وحسب مدير الغرفة، فإن التحدي ليس محلا لممارسة النشاط؛ لأن الدولة الجزائرية فتحت المجال واسعا للاستفادة من محلات بطرق مختلفة؛ فمثلا على مستوى الغرفة هناك عدد معتبر من الحرفيين الذين يمارسون نشاطهم بمحلات تابعة للغرفة مقابل مبالغ رمزية، وكذا إمكانية الاستفادة من محلات البلدية؛ فعلى مستوى كل بلدية هناك 100 محل تابعة لها، يمكن الحرفيَّ استئجاره، وكذا استرجاع محلات الرئيس لفائدة الحرفيين، لافتا إلى أنه إلى جانب هذه الحلول المقترحة، تقدم غرفة الصناعات التقليدية بعض البدائل للتسويق؛ مثل المعارض الدورية.
الحرفيُّ، حسب مدير الغرفة، أصبح واعيا في السنوات الأخيرة؛ حيث يقبل على التسجيل للاستفادة من بطاقة الحرفي التي تمنحه الكثير من الامتيازات، يكفي ذكر بعضها على سبيل المثال، التأمين، وضمان التقاعد، والتمتع ببطاقة الشفاء، والمشاركة في المعارض، والصالونات، والمسابقات الوطنية، والدورات التكوينية.
رقمنة القطاع جاءت استجابة لسياسة الدولة
قطعت غرفة الصناعات التقليدية بولاية البليدة، شوطا هاما في مجال رقمنة قطاع الصناعات التقليدية؛ حيث شُرع في العملية، حسب مدير الغرفة آيت سعدي، على مستوى الإدارات والمصالح الداخلية للغرفة. ثم بوشرت رقمنة الملفات وبطاقة الحرفي، التي لاتزال الغرفة تسعى من خلال الحملات التحسيسية، إلى توعية الحرفيين بأهمية الاستفادة من هذه الآلية.
وبلغ عدد الحرفيين الحائزين على بطاقة الحرفي البيومترية منذ انطلاق العملية في ديسمبر 2023 إلى غاية الفاتح نوفمبر 2024، ما يعادل 1843 مستفيد من البطاقة البيومترية، مشيرا بالمناسبة، إلى أن الرقمنة تمكّن الحرفي من الدخول إلى السجل الوطني والحصول على رقمه الخاص به، وتجعله معروفا على الصعيد الوطني. كما تتيح له فرصة التواجد خارج الوطن، لافتا إلى أن البطاقة البيومترية تعطي أيضا، صورة واضحة عن قطاع الصناعة التقليدية في الجزائر من الناحية الإحصائية.
مساعٍ جادة لإحياء حِرف في طريق الاندثار
على الرغم من جهود الدولة الحثيثة من خلال إقرار تحفيزات وتسهيلات تساعد الحرفي على التمسك بحرفته، إلا أن الواقع يكشف عن زوال بعض الحرف؛ بسبب تخلي أصحابها عنها نتيجة تقدمهم في السن، أو لضعف الإيرادات المحصلة منها، وأخرى لعدم وجود من يتعلمها بسبب عزوف الشباب عن تعلُّم بعض الحرف التقليدية.
وحسب مدير الغرفة، فإن من أهم الأسباب التي جعلت بعض الحرف تسير في طريق الاندثار، عدم تواصل
الحرفيين بغرفة الصناعات التقليدية؛ للاطلاع على المزايا والتكوينات والتحفيزات التي تساعد في إنعاش الصناعة التقليدية من جهة، وبسبب تقدم بعض الحرفيين في العمر، وتوجههم نحو التقاعد.
ولعل من بين الحرف التقليدية التي تسير في طريق الاندثار على مستوى ولاية البليدة، حرفة "السلالة التقليدية اليدوية"، التي كانت مشهورة بغرب ولاية البليدة، وتحديدا بمنطقتي العفرون ووادي جر، وامتهنها سكان المناطق الجبلية والريفية، غير أن ممارستها بطريقة عشوائية من طرف حرفيّي المنطقة، جعلها تسير في طريق الاندثار؛ الأمر الذي دفع بالغرفة، حسب مديرها، إلى وضع استراتيجية من أجل استرجاع بعض الحرف التي تسير في طريق الاندثار؛ من خلال التواصل مع الحرفيين، وتمكينهم من دورات تكوينية، وإطلاعهم على مزايا بطاقة الحرفي البيوميترية، لافتا في السياق، إلى أن المساعي جارية لإعادة إحياء بعض الحرف؛ بتعليمها، وحماية الممارسين. ويوضح :«ما يجب التأكيد عليه، أن عدد الملتحقين بالحرف في ارتفاع، وهو ما تكشف عنه الأرقام التي أشارت في 2023، إلى تسجيل 1115 حرفي مسجلين بالبليدة، بينما انتقل العدد إلى غاية نوفمبر 2024، إلى 12353 حرفي مسجل. والعدد مرشح للارتفاع تزامنا ورقمنة القطاع".