قرية «الدوزن» تحي «زردة»
انطلاق موسم جني الزيتون
- 2623
عاشت قرية «الدوزن» الجبلية المتاخمة لبلدية بني زيد غرب سكيكدة، بالمصيف القلي مؤخرا، وككل سنة أجواء مميزة بمناسبة إحيائها لزردة انطلاق موسم جني الزيتون، شارك فيها كل سكان القرية بما فيهم الوافدون إليها من القل، أولاد أعطية، أم الطوب والحروش وغيرها من البلديات المجاورة، إضافة إلى بعض المدعوين من خارج الولاية في أجواء احتفالية تعبر بصدق عن مدى تمسك العديد من العائلات القاطنة بالقرى والمداشر المتواجدة بأعالي الجبال في المصيف القلي، غرب سكيكدة، منذ أزمنة بالعديد من العادات والتقاليد المتوارثة التي تجسد في بعدها الإنساني أسمى مظاهر التضامن والتآزر والتعاون العفوي بين كل أطياف العائلات القلية، فلكل «زردة» بقرى المناطق الجبلية في المصيف القلي ألف قصة وقصة، ولكل قصة حكاية عن طقوسٍ ترفض الذاكرة الجماعية للأهالي التخلي عنها، لأنها ببساطة وكما يعتقدون، بأنها مجلبة للخير والبركة.
وعن الطقوس الاحتفالية التي شهدتها هذه القرية المتواجدة بأعالي جبال بني زيد، فقد تميزت ومنذ الساعات الأولى، بتوافد عدد كبير من المحتفلين والمدعوين للمشاركة وأجواء عيد الزيتون، كما يحلو لأهالي المنطقة تسميته، لتنطلق «الزردة» بشروع أعيان القرية في ذبح عدد من رؤوس العجول تحت أشجار الزيتون، وهي العادة التي تسمى «الدمنة»، إيذانا بانطلاق العرس في أجواء احتفالية جد مميزة، يصنعها الأطفال بحركاتهم وتحركاتهم وضجيجهم وصراخهم ولعبهم، وبعد الانتهاء من الذبح والسلخ الذي يتم وسط الأهازيج والأدعية، يُشرع في عملية تقطيع اللحم وتقسيمه بأعداد متساوية، وتسمى العملية، بـ«المصباح»، ثم يتم توزيعه على العائلات بالخصوص الفقيرة منها، ليشرع بعدها الحضور في تناول أطباق تقليدية من كسكسي أو شخشوخة تقوم بإعدادها النسوة تحت أشجار الزيتون، ولا يتخلف أحد من أهالي القرى والمداشر عن الوليمة، وبعد الانتهاء من الأكل تُعقد حلقات للذكر والدعاء والتضرع إلى الله بأن يطرح البركات، وأن يجعل من موسم جني الزيتون موسم خير. وبعيدا عن تلك الطقوس المتميزة بكل ما تشكله من أبعاد روحية واجتماعية، فإنها تُعد فرصة سانحة للمّ شمل المتخاصمين، وإعادة المياه إلى مجراها الطبيعي، فالاحتفال بعيد الزيتون هو احتفال بالخير والبركة والتآلف والتآزر.
لا بد أن نشير هنا، حسب الروايات المتطابقة التي جمعناها، والتي تبقى ـ مهما تكن ـ من الأساطير التي لا تزال الذاكرة الجماعية لسكان المنطقة تؤمن بها، إلى أنّ عملية الجني يجب أن تتم جماعيا ومباشرة بعد المشاركة الإجبارية في طقوس الزردة، وأن أي مخالف للجماعة قد يتعرض للعنة، فيصاب بما لا يُحمد عقباه، وقد تصل الإصابة إلى حد الإعاقة الأبدية التي قد تمنعه مستقبلا من المشاركة في عملية الجني، وبين الحقيقة وما تنسجه الذاكرة الجماعية من قصص وحكايات وأساطير، تبقى لعملية جني الزيتون بمناطق الدوزن نكهة خاصة، تعكس بصدق التضامن الجماعي والعفوي الذي تجسّده العملية بهذه المناطق الجميلة والطيبة كطيبة سكانها.