يحتفظ به المجتمع التندوفي رغم رياح التطور
تراث محلي يختزل التشبّث بالأصالة

- 309

يحتفظ المجتمع التندوفي منذ القدم، بعدة أصناف تراثية مازالت ترافقه في حله وترحاله الى يومنا هذا، ولم تفارقه رغم التحول العمراني الذي واكب المنطقة ودخول أجهزة إلكترونية في حياته اليومية مع ما يصاحبها من تحول في التفكير والذهنية؛ من خلال ممارسة وسائل الاتصال الحديثة التي غزت البيوت قبل العقول. ورغم هذا التغير في سلوكات الكثيرين إلا أن معظم سكان تندوف مايزالون يحتفظون برموز تراثية أصيلة، مزجت بين أدوات تُستعمل في الحياة اليومية وأكلات شعبية، وبين ألعاب تعود إلى عهود خلت.
اِرتأت "المساء" تسليط الضوء على جزء من هذا التراث المحلي الذي يقاوم الزوال، من بين ما سجلت حضوره "القربة"، التي رغم اختفائها أحيانا من الذاكرة الجماعية للمجتمع التندوفي، إلا أن بعض الأسر مازالت تعلق القربة في إحدى زوايا المنزل، أو في باحة الدار المعروفة بـ: "الحوش" أو "السقيفة" . وهي مكان للاستراحة مهوّى من كل الجهات. والقربة وسيلة لحفظ الماء وتبريده بطريقة تقليدية. تُصنع من جلد الماعز أو الخرفان بعد أن تقوم الحرفيات بدبغها، وتجفيفها، وتنظيفها. ويفضل الكثيرون من سكان تندوف هذه الأيام خاصة مع ارتفاع الحرارة، استعمال القربة بدل الثلاجة التي ارتفع ثمنها، ولم يعد المواطن البسيط قادرا على اقتنائها رغم فرص البيع بالتقسيط.
لحم الجمل الأكلة المفضَّلة
يكثر الإقبال على أكل لحم الجمل من سكان تندوف، خاصة بعد أن انخفض سعره؛ إذ وصل عند بعض الجزارين إلى ألف دج للكلغ الواحد. ويمثل لحم الإبل لا سيما "سنمان" أي الذروة، وهي الشحمة الموجودة على ظهر البعير، إذ صرح لنا بعض مستهلكي لحوم البعير، بأنها مفيدة للتداوي من عدة أمراض؛ على غرار الروماتيزم وآلام المفاصل وغيرهما. كما يفضّل كثير من السكان تناول وجبة مفضلة تسمى "بنافة"، وهي خليط من الكبد واللحم والذروة، تُقطع أليافا صغيرة، ثم تُطهى على نار هادئة، وهي أحسن ما يقدَّم لضيوف تندوف، الذين أصبحوا يتحدثون عنها في كل مكان.
لعبة "ظاما" هواية متأصلة في أذهان الكبار
لعبة "ظاما" من الألعاب التقليدية التي لم يطلها الزمن ولم تشخ، ماتزال في ذاكرة سكان تندوف. ويمارسها الى يومنا هذا الشيوخ تحت ظلال الطلح، وأمام المنازل في الصباح والمساء. وهي لعبة توطّد العلاقات بين أفراد المجتمع، وتساهم في تقوية الذاكرة والمؤانسة؛ حيث يتم خلال ممارستها تجاذب أطراف الحديث، وتبادل الأخبار عما يحدث بالمدينة من وفيات ومواعيد الوعدات والولائم. ورغم ما جاءت به رياح الحداثة من تطور في الألعاب وتنوعها، تبقى لعبة "ظاما" السيدة المتربعة على عرش العادات والتقاليد الى يومنا هذا.
الزخرفة على الجلود والنقش على الفضة حرفتان لم تَزولا
رغم ما لحق بالعديد من الحرف من حداثة وعصرنة تبقى الزخرفة على الجلود أهم هوايات المرأة التندوفية التي تشتهر في زخرفة الجلود بأنواع متعددة من الصباغة، وتصميم أشكال متنوعة ترمز الى الأمل، والسعادة، والتمسك بالأصالة. ويمثل "أصرمي" أهم إنتاج المرأة الحرفية بتندوف. وهو عبارة عن وسادة جلدية مزخرفة بأشكال تعجز الآلة عن تصميمها، لتبقى الحنكة والذكاء التقليدي أهم محرك لهذا الإنتاج الزاخرفي الباهر والساحر. كما أنتجت المرأة الحرفية رغم محدودية إمكانياتها، العديد من المنتوجات الجلدية مثل "تاسوفرة " ، وهي حقيبة جلدية كبيرة يحفظ فيها البدوي متاعه من لباس ومؤونة وشاي وسكر وأواني الشاي، التي لم تفارق الإنسان التندوفي القديم، ولا تفارق المعاصر.