القدرة الشرائية تتهاوى أمام جنون الأسعار

ترشيد الاستهلاك وترتيب الأولويات معادلة يصعب حلها

ترشيد الاستهلاك وترتيب الأولويات معادلة يصعب حلها
  • 609
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

أكد الخبير الاقتصادي، مراد سماح، وأستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر، أن الأسر الجزائرية حديثة التكوين، عامة، تغيب لديها الثقافة الاستهلاكية، وخص بذلك الحديث على جيل اليوم، الذي لا يدرك كيفية التوفيق بين مداخيلهم وحاجياتهم، موضحا أن كبار السن أكثر حكمة ورشدا فيما يخص الثقافة الاستهلاكية، والتي لابد أن يكون هؤلاء مرجعا لحسن تسيير ميزانية المنزل، في ظل الغلاء المعيشي وتراجع القدرة الشرائية للعائلات متوسطة الدخل. 

أوضح المتحدث أن الأزمة الصحية "كورونا"، غيرت الكثير من المفاهيم حول العالم، لاسيما الاقتصادية، وأثرت على الكثير من السلوكيات المجتمعية، وغيرت موازين القوى، فأصبح الغني أقل غنى والفقير أكثر فقرا. مؤكدا أن تلك التغيرات التي حدثت في فترة ثلاث سنوات، أثرت بشكل كبير على السلوكيات المجتمعية للفرد، يقول الخبير الاقتصادي، ورغم ذلك، أعاد الرشد للكثيرين من حيث ترتيب أولوياتهم الاستهلاكية، إلا أن آخرين لم يكن لهم نصيب من تلك الحكمة.

أضاف الخبير الاقتصادي، أن العائلات حديثة التكوين، أي الشباب، هم أكثر الأسر التي تغيب لديها الثقافة الاستهلاكية، نظرا لحداثتها في تسيير الميزانية، وتقسيمها على أسرة كاملة، لنجد البعض لا يحسنون إنفاقها وفق تاريخ استحقاقها، إلى حين قبض أجر الشهر الموالي، وهذا ما يدفع بهؤلاء إلى التدين من الأصدقاء أو الأقارب، وهذا من أكثر الأخطاء التي يقع فيها أرباب العائلات، في أن ينفقون أكثر مما يجنونه من أجر خلال الشهر الواحد.

يضيف سماح: "أكثر المستهلكين رشدا؛ الفرد الذي يقسم أجره بين ما ينفقه وما يدخره، وأن يحسن إنفاق ما لديه في حدود ميزانيته ليس أكثر من ذلك، مع ترتيب أولوياته، بين مثلا مصاريف المسكن أو ما يليها من دفع مستحقات الكهرباء والغاز والماء، وبين الأكل والشرب وتعليم الأطفال والرعاية الصحية، والتي تدخل ضمن الأساسيات، ثم بعض الكماليات، وفق حاجة كل فرد، وكذلك ضروريات الحياة الكريمة، وبطبيعة الحال الرفاهية".

بسبب الغلاء... عائلات تخلت عن ملابس العيد

على صعيد آخر، قال المختص، إنه بالرغم من أن لكبار السن حكمة تسيير ميزانيتهم، غير أنه اليوم، وفي ظل الغلاء الفاحش في بعض الأساسيات في الأسواق، وتراجع القوى الشرائية بحالات غير مسبوقة، أصبح من الصعب الحديث عن ترشيد الاستهلاك، بل هناك اليوم، حديث عن التخلي تماما عن بعض الكماليات، وتغيير العادات الاستهلاكية، عبر الاستغناء عن الكثير من السلع الكمالية وحتى الضرورية منها بالنسبة للبعض، حيث يقتصر تسوق البعض عن طعامهم اليومي، خصوصا بعدما قفزت أسعار بعض السلع إلى مستويات كبيرة، على غرار السيارات والأدوات الكهرومنزلية، وحتى الملابس الجاهزة، والدليل على ذلك، تخلي بعض الأسر مثلا، عن اقتناء ملابس العيد لأطفالهم، كعادة كانت قبل سنوات راسخة لديهم.

أضاف المختص، أن ارتفاع الأسعار تحول من مسبب في تغير النمط الاستهلاكي للمواطنين، إلى مسبب في تغير الحياة الاجتماعية وسلوكيات الناس، فلا يمكن التأثير كثيرا على سلوكيات الفرد الاستهلاكية، لاسيما أن متوسط دخل الفرد في الجزائر يبلغ نحو 30 ألف دينار شهريا، في حين ارتفعت أسعار بعض السلع إلى ستة أضعاف أسعارها، منذ بداية الأزمة الاقتصادية حتى قبل "كوفيد 19"، أي منذ انهيار عائدات النفط سنة 2014.