محمد ويلكان نموذج:

ترقيع الملابس القديمة... صنعة تأبى الزوال

ترقيع الملابس القديمة... صنعة تأبى الزوال
محمد ويلكان - بلدية الجزائر الوسطى رشيدة بلال
  • 2974
❊  رشيدة بلال ❊ رشيدة بلال

تعد صنعة ترقيع الملابس القديمة من الأنشطة التقليدية التي كان يمتهنها الرجال حتى قبل الحقبة الاستعمارية، حيث كانت تعد من بين المهن الأكثر انتشارا، اقتصرت في أول الأمر على ترقيع الملابس القديمة فقط، لتمتد بعدها إلى الخياطة وحتى التفصيل، ورغم التطورات الحاصلة في مجال صناعة الألبسة الجاهزة وتوفرها بالمحلات التجارية وبأسعار مختلفة، غير أن هذه الصنعة لا زالت محافظة على مكانتها وتأبى الزوال، خاصة في الأحياء الشعبية، حيث تنتشر بكثرة محلات صغيرة تخصصت في ترقيع كل أنواع الألبسة القديمة والجديدة، محترفوها شباب وكهول ظلوا أوفياء لها رغم قلة العائد المادي منها.

اقتربت المساء من أحد هؤلاء الصناع، واستفسرتهم عن سر بقاء البعض متمسّكا بهذه الحرفة التقليدية. تحدثنا إلى محمد ويلكان المشهور في بلدية الجزائر الوسطى بترقيع كل ما هو قديم وعريق وبأسعار جد رمزية تراعي الحالة الاجتماعية لكل زبون.

أولى الملاحظات التي رصدناها لدى ولوجنا محل محمد (47 سنة)، هي أن محله صغير جدا وبالكاد يمكن الحركة بداخله، حيث كان يجلس منهمكا في ترقيع قميص قديم على ماكنة الخياطة الكهربائية، محاطا بمجموعة من الألبسة وقطع القماش والكثير من الخيوط الملونة الملقاة بصورة عشوائية هنا وهناك، وعلامة الرضا والارتياح بادية على ملامحه.

حدثنا وهو منهمك في ترقيع القميص بالقول، إنه مارس هذه المهنة وسنه لم يتجاوز 14 سنة، حيث التحق في سنوات الثمانينات بمصنع للألبسة الجاهزة، وبعد أن احترف مهنة الخياطة قرر ممارسة النشاط في محل خاص به، غير أن المفارقة التي حدثت أن تواجده في محله لم يكن لتفصيل وخياطة ملابس جديدة، إنما نزل عند رغبة الزبائن الذين توافدوا عليه طلبا لترقيع ملابسهم التي تباينت بين القديمة والجديدة، يعلق فوجدتني أتخصص في الترقيع قبل الخياطة”.

ولعل سر بقاء محدثنا طيلة هذه السنوات محبا لهذه الصنعة، رغم قلة العائد المادي فيها، حيث لا يكاد يسد حاجاته اليومية، يعود إلى حاجة الزبائن إلى وجود مثل هذه الحرفة، بالنظر إلى الخدمات التي تقدّمها لمختلف شرائح المجتمع، يقول يقصدني من يرغب في تصغير أو تكبير لباس ما، أو ترقيع قطعة قديمة بقت ذكرى عن شخص عزيز أو تصليح بعض العيوب الظاهرة في بعض الألبسة، مشيرا إلى أن مهنة الترقيع في أول الأمر كانت مرتبطة بفئة معينة من الناس، وهي الشريحة الفقيرة، لكن اليوم تغير الوضع، حيث يطلبها الميسور والفقير تبعا للقطعة المراد ترقيعها.

لا يرتبط الإقبال على الترقيع بمناسبة معينة، إنما هو مستمر على مدار السنة، حسب محمد، مرجعا الأمر إلى خروج المرأة للعمل من جهة، وعدم اهتمام النساء بالخياطة كصنعة، مما يجعل أغلب زبائنه من النساء، طلبا لترقيع ملابس الأزواج أو الأبناء،  ويضيف كما أن التاريخ يثبت أن الترقيع والخياطة كان من المهن التي احترفها الرجال منذ القدم، ولعل هذا ما جعلنا نتمسك بها ولا نشعر بالخجل من ممارستها”.

تتطلب مهنة الترقيع والخياطة الكثير من الصبر والجهد، ورغم التعب الكبير الذي ينال من محمد، إلا أنه يأبى التخلي عنها، لأن زبائنه تعودوا على نشاطه والتزامه بأداء عمله وتسليمه في موعده، يقول لعل هذا ما جعلني لا أفكر مطلقا في التخلي عنها،  مؤكدا أن هذه الصنعة فيها بركة كبيرة، ربما نظير الجهد الذي يبذله في عملية الترقيع لإرضاء زبائنه، خاصة من الفقراء الذين يتعذر عليهم شراء لباس جديد، فترقيع الملابس من الحرف السهلة التي يمكن لأي كان ممارستها. بالمناسبة، يدعو محدثنا الشباب البطال إلى التقرب من الصناع وتعلم الحرف أيا كان نوعها، لأنها ـ حسبه ـ تحولت في عصرنا إلى ثروة تحمي صاحبها من الفقر والحاجة”.