المرأة التندوفية تفرض نفسها اجتماعيا
ترويض الطبيعة القاسية وفق متطلبات الأسرة
- 486
استطاعت المرأة الريفية، خلال السنوات الأخيرة، أن تحقق مكانة مرموقة داخل النسيج الاجتماعي، وتفرض نفسها تنمويا، كرافعة قوية من روافع الاقتصاد الوطني، ولم تعد تلك المرأة الراكنة في أحد زوايا البيوت، مستكينة للفراغ والخمول، ونظرا لأهمية الموضوع، حاولنا التغلغل داخل المجتمع، باحثين عن تلك المرأة التي قهرت الطبيعة بإمكانياتها البسيطة المتواضعة، وسعت بأفكارها إلى رسم خريطة تترجم تحدياتها وتحدد مجال طموحاتها.
وقبل الإحاطة بجوانب الموضوع محليا، لابد من الإشارة إلى أن المرأة الريفية في البلدان النامية، تنتج ما يصل إلى 80 بالمائة من نصف إنتاج الغذاء في العالم، وتهتم بالمحافظة على البيئة والتعامل مع المناخ والتكيف معه، من خلال ممارسة الزراعة المستدامة في انسجام مع الطبيعة، أو التحول إلى البذور المقاومة للجفاف واستخدام تقنيات منخفضة أو قيادة جهود إعادة التشجير والترميم على مستوى المجتمع المحلي. وفي ولاية تندوف، استطاعت المرأة الريفية ترويض الطبيعة القاسية، وتكييفها مع متطلبات حياة أسرتها، وتحقيق الاكتفاء الذاتي الناتج عن زراعة الحقول والمساحات الزراعية بطرق تقليدية بحتة.
وقد تعددت النماذج في ولاية تندوف، وبرزت تجارب لنشاط المرأة الريفية، تمثلت في إنشاء مشاريع قروية واقتحام عالم الفلاحة والرعي وتربية الماشية واستخلاص زيوتها وألبانها. من بين النماذج الحية لنشاط المرأة الريفية بتندوف، نذكر السيدة مناسي فاطمة، التي قالت إنها اقتحمت الفلاحة بإرادة قوية في المحيط الفلاحي "محيط وادي أمهيه"، على بعد 20 كلم من بلدية تندوف، على الطريق الوطني رقم 50، حيث صرحت بأنها تعمل بنفسها في المزرعة، وقد أنتجت الكثير من المزروعات، كالبطيخ الأحمر، الذي يكثر عليه الطلب في فصل الصيف، وبجودة عالية، وكذا الطماطم التي نزلت إلى السوق المحلية بأثمان معقولة، وفي متناول الجميع.
تحدي رغم نقص الإمكانيات
يمكن القول إن المرأة بتندوف، حققت نشاطا وتحد كبير للطبيعة، رغم قلة الإمكانيات، ناهيك عن مساهمتها الفعالة في حماية التراث الثقافي وعادات وتقاليد الأجداد، من خلال ممارسة حرفة الصناعة التقليدية وزخرفة الجلود وإنشاء التحف، العينة تتلخص في الحرفية "ظ. ز«، التي ظلت محافظة على حرفة اليدين، من خلال زخرفة الجلود وتصميم التحف الفنية من جلود الماعز والإبل، وعملت على نشرها والتعريف بها عن طريق المشاركة في العديد من المعارض داخل الوطن وخارجه كما سعت المرأة الريفية في تندوف، إلى اكتساب المهارات واقتحام عالم التكوين في تخصص استخلاص زيت الأرقان وصناعة أجبان الماعز والنوق، فضلا عن نشاطها المستدام في صناعة الحلي والزخرفة على الجلود، وتصميم التحف الجلدية بأناملها الساحرة، كما هو الحال عند الحرفية "ط. ز"، التي أصبحت سفيرة التراث الشعبي التندوفي خارج الولاية، بمعارضها ووسائلها التقليدية العريقة، وقد كشفت الحرفية المختصة في استخلاص زيت الأرقان بطرق تقليدية، في حديثها لـ«المساء"، بأن طريقة استخلاص زيت الأرغان ليست سهلة، بحكم أنه عمل شاق، يبدأ بجني الثمار وتجفيفها تحت أشعة الشمس، ثم تقشير الطبقة الخارجية لثمارها يدويا، باستعمال حجرين أملسين لاستخراج النواة الداخلية التي تطحن لاستخلاص الزيت منها، باستخدام حجر الرحى التقليدي، والحصول على عجين يدلك على مدى ساعات، ويخلط بإضافة الماء الساخن لإخراج، الزيت.
أما الحاجة شكيريدة لعريبي، القاطنة بمنطقة طويرف بوعام، التي تكثر فيها أشجار الأرقان، فتقول بأن لها تجربة فريدة في استخلاص زيت الأرقان بطريقة تقليدية، وطالبت شكيريدة من السلطات المحلية إنشاء مؤسسات مصغرة وتعاونيات لإنتاج زيت الأرقان غالي الثمن عالميا.
وخلال زياراتها المتتالية لولاية تندوف، أبرزت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، السابقة، كوثر كريكو، أهمية تبني مقاربة تشاركية، تهدف إلى تعزيز ودعم قدرات النساء وتمكينهن اقتصاديا، بانتهاج أساليب عمل تتصف بالتكامل والتنسيق القطاعي المشترك، مع الاهتمام بالسعي للرفع من نوعية التواصل حول آليات التكوين والدعم لإنشاء مشاريع مدرة للدخل. وتشمل الأنشطة الريفية التي اقتحمتها المرأة بتندوف، المنتجات الطبيعية للتجميل والمنتجات الموطنة، المشروبات والمأكولات التقليدية، إضافة إلى وحدات تربية الإبل والماعز.
دعم وتكوين مرافقة للدولة
من جهتها، كشفت السيدة تركي، مديرة غرفة الصناعة التقليدية والحرف بتندوف، في تصريح لـ«المساء"، عن وضعية المرأة الريفية بالولاية، وأهم الأنشطة التنموية التي انشغلت فيها، ثم مدى مساهمتها في توفير مناصب عمل للنساء بتندوف والأرياف والتجمعات السكانية، وتدخل القطاع في دعمها والرفع من معنوياتها لمواصلة نشاطها الريفي.
وأوضحت المسؤولة، أن غرفة الصناعة التقليدية والحرف بتندوف، تحصي 600 امرأة ريفية حرفية على مستوى بلدية تندوف، و31 أخرى على مستوى بلدية أم العسل، واعتبرت نشاطهن مسألة مهمة في ابراز دورهن الفعال في التنمية المحلية، من خلال المعارض التقليدية، وأشارت إلى تجارب عديدة بتندوف، أبدعت فيها المرأة الريفية بشكل كبير، منها صناعة الأفرشة التقليدية والطهي الشعبي وممارسة الزراعة وصناعة الحلويات بمختلف أشكالها.
وتشدد الجهات المعنية على أهمية "تحسيس المرأة الريفية، للتقرب من مختلف صناديق الدعم والمرافقة، بغية الاستفادة من المزايا التي تقدمها الدولة لهذه الفئة القادرة على تحقيق الاستقلالية المالية، والمساهمة في الرقي بالإنتاج والاقتصاد الوطني، وأضافت مديرة غرفة الصناعة التقليدية والحرف بتندوف، أن دعم الدولة لها تمثل في تنظيم ورش للتكوين والرسكلة والمرافقة الدائمة لها، من طرف المصالح المعنية بطبيعة نشاطها، خاصة في استخراج زيت الأرقان وألبان النوق والماعز واستغلال الصوف ونسجه.
كما يبقى الدور الأساسي منوطا بفعاليات المجتمع المدني، للعمل على تأطير الجمعيات الناشطة في الميدان على المستوى الوطني، من أجل تشجيعهم على مرافقة مؤسسات الدولة في توعية المرأة الريفية، بأهميتها في مجال المساهمة في ترقية الاقتصاد المحلي، ومنه الاقتصاد الوطني.