رمضان في مدينة الزيانيين

تقاليد مطبخ تأبى الزوال

تقاليد مطبخ تأبى الزوال
  • القراءات: 731
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

لا تزال العائلات التلمسانية منذ عصور، تتمسك بالعديد من عاداتها القديمة خلال الشهر الفضيل، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالمطبخ، إذ تحاول السيدات إبقاءه بالنكهة التي كانت تبدع فيها الجدات، حيث يشتهر هذا المطبخ الذي كثيرا ما تنافست فيه بعض الوصفات مع جارتها المغربية في أصل الطبق، والذي لا يزال قائما للظفر بانتسابه، لكن يبقى الأهم، تحضيره ضمن لائحة الشهر الفضيل، وهو أمر محتوم ولا مفر من لذته.

تعطي العائلات التلمسانية خلال الشهر الفضيل، أكثر الصور التي توحي بتمسكها بعادات الطبخ المحلي، إذ يشتهر المطبخ التلمساني بوصفات متنوعة ولذيذة تحافظ عليها التلمسانيات على مر العصور، لا تأبه مطبقا بالتغيرات الحاصلة في هذا المجال، وكأنها على قناعة تامة، إذ لا منازع لبعض الوصفات لاكتمال "سفرة" رمضان، حيث يتميز هذا الشهر الفضيل في مدينة أقصى الغرب الجزائري، بنكهة خاصة، خصوصا تلك المنبعثة من مطبخها، من خلال الحرص الشديد على تحضير الأطباق الموروثة أبا عن جد، وتعطيرها بتوابل تزيدها لذة.

حيث أن لائحة الطعام يتم تحضيرها مسبقا في الشهر الفضيل، ككل بيت جزائري، لمعرفة ما سيتم إعداده خلال اليوم، ولا يكون ذلك إلا بحضور طبق "الحريرة" في كل مرة، وهو نوع من الشوربة المحضر بتشكيلة من الخضار ولحم الخروف، الذي تكتمل لمسته بخلطة "حريرة" التي تم منه تسمية الطبق، وهو خليط من الماء والدقيق الأبيض والخميرة الفورية، التي يتم تحضيره مسبقا لإضافتها في المرحلة النهائية من تحضير الوصفة، مما يجعل الطبق كثيف القوام مثل الحساء، ويتبل بعدد من التوابل، أهمها الكروية والكزبرة.

إلى جانب ذلك، عادة ما ترفق أطباقها الرمضانية معجنات "البوراك"، لكن في مدينة تلمسان، يعشق سكانها المزج بين عاداتها وعادات جارتها، فتارة يُحضر "بوراك" جزائري، وتارة "بسطيلة" مغربية تحتوي تقريبا على نفس المكونات، إلا أن تحضيرها وترتيب المكونات يختلف من حيث الوصفة، حيث يطغى عليها اللوز المطحون والقرفة والسكر الناعم، فتعطي بذلك مزيجا رائعا بين المذاق الحلو والمالح لعشاق ذلك النوع من المأكولات التي تشتهر بها تلمسان، خصوصا خلال الشهر الفضيل، إذ تعرف أنواع أخرى من هذه الأطباق، يتم تحضيرها كذلك خلال رمضان، على غرار المحمر، وهو كذلك لحم الخروف المطبوخ على نار هادئة بقليل من البصل والزعفران فقط، تضاف إليه في الأخير، حبات البرقوق الجافة والزبيب وحبات اللوز، ويقدم كطبق جانبي خلال الشهر الفضيل.

كما لا تكاد تخلو أية مائدة رمضانية في تلمسان من بعض الأطباق التي تسجل حضورها تقريبا يوميا على مائدة الإفطار، كالفلفل الحلو المشوي  والمطهو مع القليل من الطماطم، أو "المعقودة" التي يكاد يميل لونها إلى الأخضر الفاتح لنسبة المعدنوس والبصل الأخضر المتواجد بها، فضلا على طبق "السفة بالعسل" التي تقدم كطبق للسحور وتزين بالبيض والتمر والمكسرات والقرفة، يرافقه كوب اللبن، ليفضل البعض الاستمتاع به مباشرة بعد صلاة التراويح كتحلية وسحور متقدم قبل الخلود للنوم.