نقعُ وتخمير البقوليات والحبوب
تقنية اعتمدتها الجدات وتخلَّت عنها نساء اليوم
- 75
يتقن كثير من النساء تلميذات المدرسة القديمة، الطبخَ، واللواتي تعلَّمن عن أمهاتهن وجداتهن مهارته، وحافظن على الكثير من أسرار هذا العالم؛ حيث يدركن تماما، ما يجب وما لا يجب القيام به عند الطبخ. أسرار وقواعد عديدة، أثبت العلم بعد عدة سنوات، الهدف منها، ومخاطر بعضها، ونفع اعتماد البعض منها؛ إذ إن نفس "المقادير" التي يتم تحضير الغذاء بها، قد تكون أقل نفعا أو أكثر نفعا وفق طريقة طبخها وتحضيرها، والتي تجعلها تحافظ على الفيتامينات والمعادن، أو على العكس، تفقدها تماما عند الطبخ. كل تلك الأسرار لايزال العالم يتساءل كيف استطاع الجيل القديم الحصول عليها في غياب التواصل الموجود حاليا.
ومن عادات الطبخ التي تقوم بها الأمهات والجدات، طريقة نقع "البقوليات" والحبوب ليلة كاملة قبل طبخها في اليوم الموالي. عادة لاتزال الكثيرات يعتمدن عليها، في حين تخلت عنها أخريات، واستبدلنها بالاعتماد على طنجرة الضغط للطهو. ولأسباب عديدة تُرجع معتمدات الطريقة الأولى، السببَ إلى قيامهن بنقع الحبوب قبل تحضيرها؛ سواء لتسهيل طبخها، أو لتقليل نسبة الغازات التي تسببها، أو حتى لإزالة رائحة "النشاء" التي تطرحها الحبوب؛ بسبب الألياف التي تحملها.
وفي هذا الصدد تحدثت سهام دحماني، خبيرة التغذية قائلة: "إن نقع الحبوب والبقوليات أمر ضروري جدا، وبالغ الأهمية لأكل صحي أكثر"، مشيرة إلى أن تلك الأغذية تحتوي على مادة تُعرف بـ"الفيتات". وهي مركَّب طبيعي يوجد في العديد من البقوليات، والحبوب الكاملة، وبعض البذور. ويتكون من أحماض "كالفيتيك" . وهو المخزن الرئيس للفسفور للنباتات الخاصة بتلك البقوليات، والتي تساعد في نمو النبتة. ويبقى في البذرة حتى بعد تحصيلها، وتجفيف بذورها.
وأكدت المختصة أن لتلك المادة تأثيرات كثيرة على جسم الإنسان إذا تناولها بنفس النسبة التي يمكن أن تحتويها، وهي طبيعية، وحتى إن كانت أساسية؛ باعتبارها مضادات أكسدة، وتساعد في حماية الخلايا من التلف، إلا أن نسبا كبيرة منها يمكن أن تكون مضرة؛ إذ إن الفيتات يرتبط بالمعادن في الجسم؛ كالحديد والزنك والفوسفور، وبالتالي يمنع امتصاصها من الجسم، وهذا يجعلها ضعيفة في الجسم؛ فيعاني الجسم من نقص تلك المعادن على المدى الطويل.
وأشارت المتحدثة إلى أن الجدات قديما وبحكمتهن، كانت لديهن عادة نقع تلك البقوليات في الماء لليلة كاملة؛ ما يجعلها صحية أكثر، ويقلّل نسبة تلك التركيبة فيها. كما إن لبعض الشعوب الأخرى كالآسيويين لا سيما الصينيون، عادةً أخرى للتخلص من تلك المادة، وهي عملية التخمير، التي تجعل الأكل صحيا أكثر، وترفع من تركيز المعادن والفيتامينات فيه. وعليه دعت الخبيرة في التغذية إلى تبنّي بعض تلك القواعد عند تحضير الأكل. ولا يجب أبدا التركيز على "الحداثة" من أجل توفير الوقت؛ كاستعمال طنجرة الضغط، أو "الار فراير" الحديثة، التي تعتمد على الهواء بضغط عال كذلك، وغيرها من التقنيات التي توفر الوقت من جهة، لكن تعرّض الصحة لمشاكل كثيرة.
ونبهت المتحدثة إلى أن اعتماد أساليب الجدات بالرغم من محدودية الثقافة التي كانت لديهن، أكثر حكمة وسلامة للصحة، مشيرة إلى أن العلم الحديث جاء اليوم، للبحث، ودراسة الكثير من سلوكات الطبخ القديمة، لتحديد مدى سلامتها على الصحة، وأمنها على الجسم. والدليل على ذلك عدم معاناتهم من كثير من الأمراض التي لم تكن تُعرف آنذاك، بل أصبحت تظهر اليوم، وعُرفت بالأمراض الحديثة.