الموضة الغربية تضرب أطنابها
تلاميذ يتسابقون لشراء الملابس الممزقة
- 3124
تعتبر المدرسة البيت الثاني للطفل، والمكان الذي يقضي فيه وقتا طويلا رفقة أترابه. كما تعد المصدر الأساسي لتربية وبناء الأجيال، غير أن بعض التلاميذ، خاصة في الطورين المتوسط والثانوي، يعتبرونها منصة لعرض ما جادت به الموضة، في صورة تشير إلى التقليد الأعمى للغرب، تترجمه السراويل الممزقة والفساتين القصيرة جدا وقصات الشعر الغريبة لدى الجنسين، خاصة منها القزع الذي نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عنه.
خلال الجولة التي قادت ”المساء” إلى بعض الأماكن، على غرار بن عكنون، دالي إبراهيم والأبيار، التي تضم متوسطات وثانويات متنوعة، لاحظنا أن أغلبية التلاميذ من الجنسين يرتدون ملابس لا تليق بالهيكل المدرسي، أقمصة ممزقة من الكتف أو الصدر والظهر عليها كتابات مختلفة وصور، على غرار جسد امرأة عارية في الظل، قبلة كبيرة، أو كلمة” عانقني” أو ”المسني” ، ”أنا عسل” بالإنجليزية، وأخرى ممزقة يلفها حزام على مستوى السرة خاصة بالفتيات، ولمعرفة سر تعلق المراهقين بهذه الألبسة التي غزت السوق، خاصة تلك التي تحمل مدلولات الموت، وحتى تلك الخاصة بعبدة الشيطان، تحدّثنا مع بنات وصبيان وجدوا الأمر جد عادي، خاصة أن الكثير من زملائهم يقاسمونهم تلك الموضة. حدثنا أمين (16 سنة) كان جالسا مع زملائه قائلا ”نورمال”، فكل زملائي يرتدون مثلي وأكثر، هذه موضة العصر يجب أن نعيش وفق زماننا وجيلنا”. أضافت مريم (15 سنة) بلغة كلها ثقة وسرور قائلة ”لا أستطيع العيش كما عاشت أمي أو جدتي، فنحن في عصر التجديد، وكل يوم ننام ونصبح على موضة جديدة يتوجب علينا تتبعها”. في نفس السياق، أكدت تلميذة أخرى ببلدية بن عكنون، أن الموضة لا تشكّل عائقا أمام الدراسة، قائلة ”أنا تربيت في عائلة متفتحة ولا نقيم الإنسان انطلاقا من ملابسه، وإنما من فكره، هكذا علمني والداي”. وقالت أخرى في الثانوي على عتبة اجتياز البكالوريا ”لا أستطيع الذهاب إلى المدرسة بدون ارتداء آخر صيحات الموضة، مع مسحة من أحمر الشفاه التي تشعرني بثقة أكثر، وتحمسني على الدراسة”.
أولياء تقبلوا الموضة وآخرون يرفضونها
يعد الأولياء المصدر الأول في تربية الأبناء وتشبعهم بمجموع الأخلاق والمبادئ التي يجابهون بها الحياة من كل النواحي، ولأن لهم دور كبير في اختيار ملابس الأبناء، تقرّبنا من بعض الأولياء الذين كانوا بالقرب من ثانوية ”إسياخم” ينتظرون خروج أولادهم، للحصول على إجابة ”هل تختارون ملابس أبنائكم”؟، حيث صرحت سيدة قائلة ”لدي طفلان، بنت وولد أمنحهما الحرية الكاملة في انتقاء ملابسهم وتصفيف شعرهم، فأنا تربيت على هذا النحو ولا أرى أي إشكال في الأمر”، وقالت أخرى ”أفضل أن تلبس ابنتي ملابس ممزقة أمام عيني، على أن تخفيها عني”.
من جهة أخرى، قالت السيدة فضيلة ”في بعض الأحيان ألوم نفسي عند رؤية ابنتي تلبس لباسا قصيرا وتذهب به إلى المدرسة، فأنا من عوّدها منذ الصغر على ذلك، وعند كبرها طلبت منها أن تغير طريقة لبسها، لكنها رفضت، وظلت على هذا النحو إلى يومنا هذا، وليست بيدي حيلة سوى أن أوافق”.
أشارت مواطنة مقيمة أمام ثانوية ”مقراني 1” قائلة ”ليست ظاهرة جديدة علينا، فقد اعتدنا رؤية التلاميذ بالأقمصة والسراويل الممزقة، لقد بات الأمر عاديا بالنسبة لنا، فمنذ حوالي سنتين أو أكثر أصبحت المدارس عبارة عن منصة لعرض الأزياء، حيث تجدين الألبسة التي لا علاقة لها باللباس المدرسي. أضف إلى ذلك ارتداؤهم نظارات شمسية وقبعات وحقائب يدوية لا تليق لا بأعمارهم ولا بهدف تواجدهم في المدرسة”.
أشار السيد إبراهيم الذي كان رأيه مغايرا ومنافيا لهذه الموضة التي اعتبرها تقليدا أعمى للغرب، قائلا ”أنا من عائلة محافظة ولا أؤمن بالموضة مطلقا، لأنها وهم بعثه الغرب لضرب عقيدتنا، فلابد أن لا نتّبع هذه السخافات، فإذا أردنا اتباعهم، فإن ذلك سيكون في أشياء صالحة، كتفوّقهم العلمي وعملهم مثلا”.
وللمدرسة دور..
هذا الواقع لا ينطبق فقط على المدارس العمومية، لكنه يمتد إلى المجمعات المدرسية الخاصة. ففي هذا الشأن، تنقلنا إلى إحدى المدارس الخاصة للإجابة على بعض الأسئلة المتعلّقة بهذه الظاهرة، حيث أجابت السيدة المراقبة ”م.س” قائلة ”هناك قانون خاص تتمتع به المدرسة يمنع منعا باتا القدوم بلباس غير محتشم والتصفيفات الغريبة للشعر، غير أن الأولياء يفرضون قانونهم الخاص في بعض الأحيان”.
الدكتور أحمد بوخاري: توحيد الزي المدرسي حل إيجابي
أكد الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية الدكتور أحمد بوخاري لـ«المساء”، أنه يتوجب على وزارة التربية والمؤسسات التعليمية سن قوانين من أجل توحيد اللباس في المدارس، كما هو الحال في مصر واليابان وغيرهما من البلدان، حتى لا يحس التلاميذ بالفوارق الطبقية من جهة. وللحد من تفشي ظاهرة اللباس غير المحتشم، وأن تكون المساواة في التعامل معهم من جهة أخرى، مشيرا في السياق إلى الترابط السوسيو ثقافي للمجتمع الجزائري بفرنسا، التي تعد من المجتمعات الغربية التي تركت الكثير من الرواسب الثقافية التي اعتنقتها شريحة معينة من الجزائريين بعد فترة الاستعمار. كما يجب التذكير بأنّها بقيت 132 سنة في الجزائر، أضف إلى ذلك القنوات العربية التي تبث برامج ومسلسلات تحمل طريقة لباس وثقافة معينة، هدفها ترسيخها في ذهن المشاهد ودفعه إلى القيام بنفس الخطوات التي قام بها الممثل.
في الأخير، أكد محدثنا ”أن التلميذ أو التلميذة عند ارتدائهم للباس الفاتن، فإنهم يريدون أن يبرزوا للناس أنهم مثقفون ومرتبطون بثقافة غربية، لفرض أنفسهم كي يبينوا أنهم كبروا وأصبحوا شبابا يستطيعون فرض أنفسهم في المجتمع”.