اللباس التقليدي في أعراس الجزائريين..

ثابت الفخر ومتلازمة الانتماء

ثابت الفخر ومتلازمة الانتماء
  • القراءات: 445
  رشيدة بلال رشيدة بلال

❊ لا تستغني عنه العروس رغم ارتفاع تكاليفه 

❊ تزايد الطلب مع اقتراب الصيف

❊  جمال وأناقة الأعراس الجزائرية تكتمل بحضور اللباس التقليدي

تشكل الأعراس الجزائرية، رغم موجة العصرنة التي عصفت بها في السنوات الأخيرة، محطة هامة لاستعراض الموروث الجزائري؛ سواء من حيث الأطباق، أو الحلويات، أو اللباس التقليدي الذي تحرص العروس في المقام الأول، على جعله قطعة رئيسة في جهازها، بل ويكون أول قطعة تدخل بها إلى قاعة الحفلات ممثلا في البرنوس. وبعدما كانت تبرز من خلال بعض القطع التقليدية انتماءها كالكراكو إن كانت عاصمية، أو القندورة إن كانت من الشرق، أو البلوزة الوهرانية، أو الملحفة الشاوية، أصبحت تنوّع بين مختلف الطبوع؛ وكأنها تقدّم عرضا للأزياء التقليدية الجزائرية، بينما تحاول المدعوات سواء من المسنّات أو حتى الشابات، ارتداء بعض القطع التقليدية، بعضها بلمسة عصرية. غير أن المؤكد حضور الطابع التقليدي وبقوّة.. "المساء" حاولت من خلال هذا الموضوع مع مختصين في الخياطة ومهتمين بالتراث، البحث عن سر التمسّك باللباس التقليدي في الأعراس. وحملت سؤال: هل يمكن العروسَ أن تتخلى عن اللباس التقليدي في جهازها؟ وإلى أيّ مدى لايزال اللباس التقليدي مطلوبا في الأعراس؟

يبدو أن الحديث عن اللباس التقليدي الجزائري في أيّ منطقة من ولايات الوطن، من الخطوط الحمراء؛ فلا مجال، مطلقا، لاستبعاده أو تغييره بما يروَّج له اليوم في المحلات من لباس عصري للأفراح والمناسبات. ومن يرغب في التأكّد من ذلك ما عليه إلا حضور عرس من الأعراس الجزائرية في أيّ ولاية كانت، ليقف على التنوع الكبير الذي يجعلك تشعر وكأنّ كل ولايات الوطن حاضرة في مكان واحد.
وفي هذا الصدد، قالت سيدة من البليدة تحدّثت معها "المساء"، إن "جمال ورونق وأناقة الأعراس الجزائرية يكتمل بحضور اللباس التقليدي، الذي يتنوّع ويختلف من منطقة لأخرى" . وأردفت: "أتذكر عندما كنت أستعد لعرسي، أني حرصت على جعل اللباس التقليدي من كل ولايات الوطن، حاضرا في جهازي. وبحكم أنني من ولاية بالشرق الجزائري، وتحديدا من سطيف، جعلت البينوار جزءا لا يتجزأ من التصديرة بكل أكسيسواراته. وصاحبته حتى بالأغنية المناسبة له من التراث القديم"، مشيرة إلى أنها لم تستثن باقي القطع؛ مثل الجبة القبائلية بكلّ حليها الفضية، وجبة الفرقاني بالسخاب، واللباس الوهراني، وحتى الملحفة الشاوية، والشدة التلمسانية. وعلّقت بالقول إنها لم تكتف بذلك، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك؛ حيث ألزمت المشرفة على الغناء في قاعة الحفلات، ببرمجة الأغاني بناء على لباسها التقليدي، فكانت كل الطبوع حاضرة. ورقصت على الإيقاع، كلٌّ حسب اللون الغنائي المناسب، مؤكدة أنه لا يمكن أيّ عروس أن تغفل اللباس التقليدي من جهازها. " وأكثر من هذا، أصبحت العروس وحتى أخواتها في السنوات الأخيرة، يلبسن بنفس الطريقة؛ سواء أكان لباسا تقليديا أم عصريا".
ومن جهتها، أشارت سيدة أخرى في معرض حديثها، إلى أنّ المرأة الجزائرية لا يمكنها أبدا أن تستغني عن اللباس التقليدي الذي يعكس هويتها وانتماءها. وقالت: "أنا، مثلا، من ولاية البليدة، أحبّ عند حضور الأعراس أن أعكس انتمائي لولايتي، فأرتدي الكراكو. وكل الأعراس التي أقمتها في بيتي أو حضرتها، كان فيها اللباس التقليدي سيد المناسبة، وترتديه حتى الفتيات الصغيرات". أما بالنسبة للعروس فتوضّح: "لا يمكن على الإطلاق أن لا يكون حاضرا في تصديرتها".
وعلّقت أخرى بالقول إنها لا تتخيل مطلقا عرسا جزائريا من دون اللباس التقليدي! وتابعت: " حتى بالنسبة لبعض الفتيات اللواتي لا يستهويهن ارتداء كلّ ما هو تقليدي، فإنّهن عند التواجد في عرس نجدهن يخترن اللباس التقليدي. وأكثر من هذا، بكل أكسيسواراته؛ كالملحفة الشاوية، أو جبة الفرقاني، أو البلوزة الوهرانية ".

لأهل الاختصاص رأي..

إن كنت ترغب في التأكد من مكانة اللباس التقليدي الجزائري ومدى حضوره في المناسبات والأفراح خاصة الأعراس، ما عليك إلاّ بالقيام بزيارة خاطفة إلى خيّاطة أو حرفية متخصصة في اللباس التقليدي، وهو ما قامت به "المساء" ؛ حيث كانت لنا دردشة مع الحرفية نوال بوزيدة مختصة في الخياطة والطرز من ولاية البليدة، التي ردت على سؤالنا حول ما إذا كانت تسجل طلبيات لخياطة اللباس التقليدي للعروس ولغير العروس؛ إذ قالت إن الطلب على خياطة اللباس التقليدي لايزال كبيرا جدا، خاصة عند اقتراب موعد الأعراس؛ إذ تضطر في بعض الأحيان للاعتذار عن تلبية بعض الطلبات، خاصة أن اللباس التقليدي يحتاج إلى بعض الوقت لتجهيزه. أما إن كان موجّها للعروس فتقول: "نضطر لرفض باقي الطلبيات، والاهتمام بجهاز العروس فقط" ، مشيرة إلى أنه بناء على خبرتها الطويلة في مجال الخياطة، فإن كل جهاز عروس لا بد أن يتوفر فيه أكثر من قطعة واحدة. وعادة، فإن أغلب العرائس يحاولن إبراز انتمائهم إلى منطقة معيّنة من خلال اللباس. وتوضّح المتحدثة: " فمثلا العروس البليدية، لا يمكن أن لا يكون القفطان أو الكراكو حاضرا في جهازها وبلمسة تقليدية " . وحسبها، فمنذ حلول موسم الربيع وهي تحضّر طلبيات خاصة بالكراكو الذي يكثر عليه الطلب بشكل ملفت للانتباه في أعراس ولاية البليدة.
ومن جهة أخرى، أشارت المتحدثة إلى أن اللباس التقليدي الجزائري، رغم بعض الروتوشات العصرية التي ترغب بعض الزبونات وحتى العرائس في إضافتها رغبة منهن في التميّز عن غيرهن، إلاّ أنهن يحرصن على الإبقاء على اللون التقليدي؛ سواء من حيث التصميم، أو التزيين. وأضافت أن اللباس التقليدي، ورغم ارتفاع تكاليفه؛ حيث يتراوح بين 4 ملايين و30 مليون سنتيم، إلاّ أن الطلبيات عليه كبيرة؛ كون اللباس التقليدي يُصنع باليد، ويتطلب وقتا طويلا، ولا يقدَّر بثمن.

محلات الكراء.. وجهة ثانية

كان لـ "المساء" وقفة ببلدية العفرون في محل لكراء اللباس التقليدي، اختص صاحبه منذ سنوات في هذا النشاط؛ حيث قال لـ "المساء" إن اللباس التقليدي الجزائري في مختلف الطبوع، مطلوب بشكل كبير في فترة الأعراس؛ سواء من المدعوات أو العرائس؛ حيث ينتعش نشاط كراء اللباس التقليدي طيلة فترة الصيف. ويردف: "لعلّ من الأسباب التي ساهمت في الترويج لمثل هذا النشاط التجاري، الإقبال الكبير على اللباس التقليدي في الأعراس من جهة، وبسبب غلاء بعض القطع التقليدية، وعدم قدرة البعض على الشراء؛ إذ يفضّلن الاستنجاد بالكراء؛ إذ يتراوح سعر الكراء بين 2000 و2500 دينار لليوم الواحد ".
ولفت صاحب المحل إلى أن اللباس التقليدي الجزائري في مختلف الطبوع، ليس مطلوبا فقط من الكبار، بل حتى بالنسبة للأطفال؛ حيث تخصَّص بعض القطع الصغيرة للبنات اللواتي تختار لهن أمهاتهن بعض الألوان، خاصة في الزي القبائلي والشاوي. ويتم كراؤها بأسعار رمزية لا تتجاوز 1500 دينار.
ومن جهة أخرى، أشار المتحدّث إلى أن أهم ما يجب التأكيد عليه في الأعراس الجزائرية والتي لاتزال أغلب العائلات متمسّكة به، حرصها على أن يكون اللباس التقليدي حاضرا حتى ولو بقطعة واحدة، موضحا أن لا وجود لفرق بين أنواع الألبسة التقليدية، وأن ما يتحكم إليه في الاختيار هو الذوق، فبعهن يرغب في اقتناء نوعين والبعض الآخر ثلاثة وأخريات يرغبن في كراء كلّ الأنواع التي تعكس كلّ الطبوع"،  ولفت إلى أنّ أجمل ما في اللباس التقليدي الجزائري التنوّع في طريقة التصميم والمجوهرات المرافقة له، وقال "هو ما نحاول تأمينه للزبونات وبأسعار جد معقولة".

التنوّع وتمسّك الجزائرية به جعله محط أطماع

من جهتها، أكّدت رئيسة جمعية "مزغنة شان وهمة" سيدة التراث سعاد مسعودي ميخالدي في معرض حديثها عن أهمية اللباس التقليدي كموروث في المناسبات والأعراس، أنّ اللباس التقليدي الجزائري ورغم ارتفاع تكاليفه إلاّ أنّه يظلّ مطلوبا وحاضرا بقوّة سواء في جهاز العروس، وحتى من كلّ العائلات التي تحرص على ارتدائه وإبراز جماله في مختلف المناسبات والأفراح، وقالت "إنّ كلّ ما هو تقليدي عريق لا يقدّر بثمن فمثلا الكراكو ورغم كونه من أقدم الألبسة التقليدية الجزائرية يعود إلى العهد العثماني إلاّ أنّه يعتبر من بين القطع الثمينة التي لا تستغني عنها العروس في جهازها"، لافتة في السياق إلى أنّ المراة الجزائرية وفي 58 ولاية لا تزال متمسّكة بزيّها التقليدي وهو ما تعكسه الأعراس التي تحاول كلّ امرأة فيها من خلال لباسها التقليدي إبراز جماله، بكلّ اكسسواراته المختلفة ".
من جهة اخرى، أشارت المتحدّثة إلى أنّه فيما مضى كانت العروس تحاول أن تبرز فقط لباس المنطقة التي تنتمي إليها، فمثلا بالشرق الجزائري نجد أنّ العروس تحرص على إظهار جمالية القندورة وما يصاحبها من  حلي، وكذلك هو الحال بالنسبة للعروس القبائلية أو الوهرانية والصحراوية، لكن في السنوات الأخيرة أصبحنا نجد كلّ القطع حاضرة في عرس واحد بعضها بلمسة عصرية وأخرى بالطريقة التقليدية، بل أكثر من هذا نلمس الحرص على استحضار اللباس التقليدي، ما جعل العرائس ورغم ارتفاع تكاليفه متمسّكة به واكسسواراته التي تباينت بين الفضية والذهبية، الأمر الذي يجعل "أعراسنا خير سفير لموروثنا التقليدي سواء أكان لباسا أو أطباق تقليدية أو حلويات ".
واحدة من التحديات التي تواجه اللباس التقليدي، حسب رئيسة "مزغنة شان وهمة"، عمليات السرقة التي طالته في السنوات الأخيرة من بعض دول الجوار وتحديدا "المغرب"، والمفارقة، حسبها، أنّ الجهل باللباس التقليدي فضح سرقاتهم، وتفصّل بالقول إنّ آخر سرقة طالت القندورة القسنطينية عرضها دون محزمة، في الوقت الذي نعرف فيه أنّ القندورة القسنطينية تصاحبها اكسيسوارت مثل السخاب ولا تلبس من دون محزمة اللويز، مشيرة في السياق إلى أنّ عمليات البحث والتحري، فضحت خلفية السرقة التي تبيّن أنّها كانت تجمع القندورة التقليدية القديمة لإظهارها على أنّها من تراثهم، وبالتالي تختم المتحدثة بالقول إنّ العائلات الجزائرية مدعوة للتمسّك أكثر فأكثر بلباسها التقليدي لحمايته من أيّ شكل من أشكال التعدي خاصة وأنّه يمثّل هويتها وانتماءها وتراثها الذي تفخر به .