توحي بوجود خلل في العمل الجمعوي
ثقافة التطوع تتراجع
- 242
تراجع العمل التطوعي وسط المجتمع الجزائري بشكل ملحوظ، حيث باتت تختفي الكثير من العمليات "الخيرية"، التي يبادر إليها شباب من باب التطوع، دون انتظار أي مقابل، حيث كانت تلك الأعمال المختلفة تتجه خدمة للمجتمع وفئاته الهشة، من أطفال ومرضى ومعاقين ويتامى وغيرهم، إلى جانب مساعدة الحيوانات، أو الحفاظ على البيئة والطبيعة، من خلال تنظيم مجموعات والانطلاق في رحلة تطوعية ذات منفعة عامة، سواء بالالتحاق ضمن عمل جمعيات مؤطرة، أو فقط خلق برنامج محكم ضمن مجموعات شبابية، يمكن للجميع الانضمام إليها.
يرتكز العمل الخيري والعمل التطوعي في الدول الإسلامية، على تاريخ وثقافة متوارثة، إذ يرقى هذا العمل إلى مرتبة الواجب بالنسبة للمسلمين، ويقوم به كل مسلم متى ما دعت إليه الضرورة، دون السؤال أو البحث عمن سيستفيد من ذلك العمل، فيكفي أن يكون العمل خيريا، ليتسارع الجميع إلى مد يد المساعدة، وقد تنامت تلك الثقافة في الجزائر في مرحلة معينة، قبل أزمة "كورونا"، وزاد العمل التطوعي بشكل لافت للانتباه، إذ تجند خلالها العديد من الشباب ومواطنين من مختلف الفئات العمرية، رجالا ونساء، لتنظيم حملات تطوعية، في مجالات معينة، تهدف إلى منفعة عامة، في مساعدة كل من يحتاج إلى ذلك؛ إنسان، حيوان، طبيعة بشكل عام، حملات تنظيف، غرس الأشجار، توزيع حاجيات على المحتاجين، وغيرها من الأنشطة، التي يبدو أنها تختفي تدريجيا في الوسط، ونكاد لا نلاحظ حملة مماثلة، إلا من خلال حملات "رقمية"، تحث على ضرورة القيام بذلك دون أي عمل فعلي في الميدان، ليبقى الكثير منها مجرد نصائح وإرشادات مقدمة بشكل عام، دون شيء ملموس.
تراجُع تلك الثقافة في الجزائر، كغيرها من دول عربية أخرى، جعل من الأمة المسلمة "قدوة الفعل الخيري التطوعي"، تقبع ضمن آخر الدول الرائدة في هذه الأعمال، والمفعلة للعمل التطوعي، الهادف إلى التنمية البشرية، رغم الضرورة القصوى لهذه الثقافة من أجل التنمية المستدامة.
وقد حاولت الحكومة الجزائرية جاهدة قبل سنوات، تفعيل العمل الخيري والتطوعي، من خلال تشجيع الحركة الجمعوية، الهادفة إلى تنظيم حملات مماثلة، تعمل بدورها على استقطاب الشباب الراغبين في المشاركة، من خلال أعمال تطوعية دون مقابل، إذ كانت تلك الأعمال ينشط فيها جامعيون، وأحيانا أطفال، يساعدهم ذلك في أوقات فراغهم، على تنمية قدراتهم المعرفية وتوطيد علاقتهم بمجتمعهم، وكسب خبرات في مجالات عديدة.
وبمناسبة اليوم العالمي للتطوع، كان لـ«المساء"، حديث مع يونس واعلي، ناشط جمعوي، وعضو جمعية "شباب الخير"، الذي أكد أن تراجع الثقافة التطوعية في الجزائر، ينبئ عن خلل في البنية الجمعوية عامة، التي من دورها استقطاب الشباب وحثهم على المشاركة في مثل هكذا أعمال، إلى جانب تراجع دور المؤسسات في التنشئة وفي ترسيخ هذه الثقافة لدى الأطفال، مشيرا إلى أنه في السنوات الأخيرة، يعزف الكثير من الشباب من المعتادين على هذه الأعمال، للالتحاق بالأعمال التطوعية، مشددا على أن جزءا من ذلك العزوف راجع إلى واقع البطالة التي يعيشها الشباب، ففي رحلتهم عن العمل، لا يجد جهدا لتوجيه طاقة نحو العمل التطوعي، ويفضل بدل ذلك إيجاد عمل لتسطير المستقبل.
وأضاف واعلي، أن غياب سياسات وإدارة استراتيجية لتوجيه العمل التطوعي وراء تراجع هذه الثقافة في الجزائر، مشيرا إلى أن هذا العمل لابد أن يكون منظما ضمن خطط عمل تساعد الشباب على المشاركة فيها، وتمنحهم فرصة اكتساب معارف وتعزيز تجربتهم في مجالات مختلفة، وهذا ما سيحفز كثيرا على الانخراط وإيجاد الوقت الكافي للمشاركة في تلك الأعمال، حتى وإن كان الشخص طالب جامعي، أو عامل أو غير ذلك.