اعتبروها أهم عوائق ترقية المنتوج الحرفي

حرفيون يشكون نقص المادة الأولية وأمكنة التسويق

حرفيون يشكون نقص المادة الأولية وأمكنة التسويق
  • 1167
حنان. س حنان. س
اشتكى عدد من الحرفيين من نقص المادة الأولية وانعدام أماكن تسويق المنتوج الحرفي، ودعوا بمناسبة انعقاد الطبعة الـ19 لصالون الصناعة التقليدية الدولي بالعاصمة، السلطات المعنية إلى الإسراع في إيجاد حلول واقعية تمكن الحرفي من التشبث بحرفته اليدوية، وعدم هجرانها أمام الصعوبات الكثيرة التي يلاقيها في سبيل الحفاظ على الموروث الثقافي، ومن ذلك تسهيل الحصول على المادة الأولية، وتخصيص أمكنة قارة لتصريف المنتوج الحرفي، أو تنظيم العديد من المعارض لذات الغرض.
شكل الصالون الدولي للصناعة التقليدية في طبعته الـ19، فرصة أخرى لالتقاء عدد من الحرفيين من داخل وخارج الوطن لعرض إبداعاتهم ومهاراتهم اليدوية، واتفق معظم الحرفيين ممن تحدثوا إلى «المساء»، على أن نقص المادة الألوية المعتمدة في صناعاتهم اليدوية، إلى جانب انعدام أماكن العرض والتسويق، من أهم المشاكل التي تقف حجر عثرة أمامهم، ويعتمد الحرفيون على علاقاتهم الخاصة بهدف التسويق، وحتى على بعض المعارض الجهوية أو الوطنية التي يعتبروها بمثابة «المخلص» لهم من بطالة مفروضة.

ورش العمل غير متوفرة!

وفي السياق، تحدث إلينا الحرفي في صناعة زربية ‘اسابر’؛ محمود العزاوي مشارك من ولاية إليزي، أن الإشكال لا يطرح في المادة الأولية وإنما في ورش العمل، فالحرفي شأنه شأن مئات الحرفيين، ورث هذه الصنعة التقليدية عبر الأجيال ويعمل على توريثها من بعده، لكن ضيق المكان الذي خصصه الحرفي لصناعته هذه في بيته، جعلته فردا واحدا فقط عوض عدد كبير من طالبي التكوين، يقول؛ «لا يقتصر هذا الإشكال عني فقط، بل هو مشكل يتقاسمه العديد من الحرفيين، سواء صناع الجلود أو الزربية التقليدية أو السلالة وغيرهم، وقد راسلنا السلطات المعنية في ولايتنا كثيرا وطالبنا بأن تخصص حصة من محلات الرئيس للحرفيين، حتى لا يفشلوا ويتخلوا عن الحرف التقليدية، لكن دون جدوى».
وزربية ‘اسابر’ التقليدية تصنع من عشبة تسمى ‘افزو’ وتلتقط من بادية الصحراء، كثيرا ما تصنع ـ حسب الطلب ـ خاصة للزوايا وأصحاب الوكالات السياحية ممن يتعاملون مع أجانب، «وهذا مشكل آخر في الصناعة التقليدية، حيث لا نجد من يُقيّمها إلا القليل، فالعديد يرى أن الأسعار المطبقة غالية، لذلك يعرضون عن الشراء».
الآنسة مسعودة لياس، حرفية في السلالة من جانت، تقول بأن المادة الأولية متوفرة وهي سعف النخيل الذي يشترى محليا، وتوفر المادة الأولية التي تجعلها تبدع في حرفتها وتطورها، إلا أن إعراض الناس عن الشراء بسبب استغلاء بعض الأشياء المصنوعة يدويا يجعل الحرفة لا تتطور كثيرا، إضافة إلى انعدام ورش واسعة للإبداع أكثر وتكوين الأجيال، فالحرفية تعمل في المنزل وضيق المكان يجعلها تحدد القطع التي تصنعها، وهذا عامل سلبي لأن الإبداع يتطلب توفر المادة الأولية واتساع المكان للعمل، حسب قولها.

نقص المادة الأولية.. عوائق وتحد

من جهة أخرى، يظهر نقص المادة الأولية عائقا حقيقيا أمام العديد من الحرفيين ممن يتشبثون بصنعة اليد، كما تسمى، منهم الحرفية في نسج زربية «بابار» من خنشلة؛ السيدة زوبيدة بوطبة التي تؤكد أن «هذه الزربية تصنع من صوف الغنم، ورغم توفر رؤوس الغنم، إلا أن مادة الصوف تبقى ناقصة، وإذا توفرت فهي باهظة الثمن، فمثلا كيلوغرام واحد من صوف الماعز يباع بـ1500 دينار، وأنا أحتاج إلى حوالي قنطارين من الصوف لصناعة 6 أو7 زراب في السنة، إضافة إلى انقراض نوع من الخيط الخاص فقط بالزربية، ويسمى ‘الڤم’ وبه يتم تحديد أطراف الزربية حتى «لا تنسل»، وهذا الخيط انقرض تماما، وأقصد أن تاجرا واحدا في باتنة يسوقه وأشتري منه كميات قليلة، مما جعلني أحدد عدد الزرابي التي أنسجها في السنة»، تقول الحرفية التي توجه نداء إلى السلطات المعنية للنظر في مسألة توفير المادة الأولية لترقية المنتوج الحرفي.
وفي نفس الحرفة اليدوية، يتحدث الحاج محمد العيد عبيدي، رئيس جمعية «الهلال الأخضر» لبابار بولاية خنشلة، الذي يؤكد من جهته على توفر المادة الأولية التي يتم طلبها مسبقا من مربي الغنم، قبل موسم الجز في الربيع، ويرى من جهته أن الإشكال يكمن في التسويق؛ «سجلنا العديد من الطلبات حول زربية بابار من دول أجنبية خاصة الأورومتوسطية، لكن لا نجد من يصدر هذه الزربية».
وتؤكد الحرفية في المرجان، السيدة حورية ايتيم، من القالة ولاية الطارف، أن غلاء مادة المرجان يحول دون توفير الكثير من الحلي للزبائن، بما يجعلهم يبتعدون عن اقتنائها بسبب غلاء سعرها، وتشير الحرفية إلى أنها تشتري المرجان من المزاد العلني لدى الجمارك الجزائرية، وسعر الكيلوغرام الواحد يصل إلى حدود 50 مليون سنتيم، «لذلك نجد الحلي التقليدية بالمرجان غالية السعر نوعا ما، وننتظر التفاتة وزارة الصيد البحري لهذا الأمر بما يحافظ على هذه الثروة البحرية من جهة، وتسهيل صيده من أجل الصناعة التقليدية من جهة أخرى»، تقول المتحدثة.
أما بالنسبة للسيد محفوظ بن سليمان، الحرفي في زربية بني يزقن بولاية غرداية، فيؤكد من جهته على توفر المادة الأولية، أما الإشكال بالنسبة إليه فيكمن في تلوين الصوف وغياب جهة متخصصة في هذا الأمر، يقول؛ «حاليا نشتري الصوف ملونة، لكننا لا نجد الألوان التي نرغب فيها، لذلك ننتج زرابي بما يتوفر من تلك الألوان، كما يطرح إشكال تسويق المنتوج، فبغض النظر عن مهرجانات وصالونات الصناعة التقليدية، فإن المنتوج كثيرا ما يبقى راكدا، وهذا لا يساعد الحرفي أبدا»، ويضيف؛ «لذلك نطلب من الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة السياحة والصناعات التقليدية، أن تعمل على تنظيم العديد من الصالونات الجهوية والجوارية والوطنية والدولية، لتسمح لنا بالتعريف بأنفسنا وتسويق منتوجنا الحرفي».

أمكنة للتسويق.. ذلك ما نحتاجه

إذا كانت المادة الأولية أكثر ما يؤرق بعض الحرفيين، فإن البحث عن أمكنة قارة لتسويق المنتوج اليدوي يؤرق آخرين، فكما يطالب الحرفي في الزربية الغرداوية، محفوظ بن سليمان، الجهات المعنية بتخصيص صالونات لتسويق المنتوج الحرفي، فإن الحرفي في صناعة النحاس، السيد صالح مكي، من منطقة شعب الرصاص بولاية قسنطينة، يطالب هو الآخر بـ«مكان لائق» لتسويق المنتوج الحرفي، يقول: «أمارس حرفتي هذه منذ 39 سنة، فقد بدأتها في سن 11 سنة، واليوم أتقنها ولا يمكنني التخلي عنها، فهي بمثابة هويتي التي لابد من الحفاظ عليها، غير أن الإشكال يكمن في تسويق المنتوج، فالنحاس كمادة أولية متوفر وإن كانت أسعاره متقلبة، لكنه متوفر، إلا أن إيصال المنتوج للزبائن متعب للغاية في ظل غياب أماكن بيعه»، يقول المتحدث الذي يشير إلى أنه حرفي مُعلم، كونه أشرف على تكوين مئات الحرفيين في صناعة النحاس، ويؤكد أنه صنع إبريقا للشاي يصل طوله إلى متر ونصف المتر، سيشارك به في فعاليات ‘قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015’.
من جهتها، تشير الحرفية في الخياطة التقليدية وصناعة الشبيكة والفتول جوهر مسلم، إلى أنها أمضت ما يقارب 20 سنة في الصنعة اليدوية وتعليم الفتيات أصول حرفة الجدات، لكنها تصطدم دائما بانعدام مكان قار يجعلها تروج لمنتوجها الحرفي ومساعدة نفسها، لأن الحرفة عبارة عن مصدر رزق بالنسبة لها، كما تؤكد على عدم استفادتها من محل تحوله إلى ورشة تعمل فيها وتسوق منتوجها وتعلم الأجيال هذه الحرفة اليدوية.