طقوس وتقاليد بعنابة تأبى الزوال
حمامات العرائس بين عبق الماضي وفخامة الحاضر

- 158

شهدت طقوس حمام العروس في مدينة عنابة، تحولًا لافتًا، خلال العقود الأخيرة، حيث انتقلت من الأجواء الشعبية البسيطة المفعمة بالروح الجماعية، إلى فضاءات راقية تجمع بين الخصوصية والفخامة، مع الحفاظ على جزء من الطقوس التقليدية، التي تعكس هوية العروس العنابية.
في الماضي، كان حمام العروس حدثًا اجتماعيًا بامتياز. صباح ذلك اليوم، تتجمع الجارات والقريبات أمام بيت العروس، يحملن معهن السلال المليئة بالصابون البلدي، والطين الغاسولي، والحناء، والمناشف المطرزة يدويًا. تتقدم العروس وسط زغاريد النسوة وقرع الدفوف، لتدخل الحمام الشعبي الذي يضج بالضحكات والأغاني.
هناك، وأمام البخار المتصاعد ورائحة الأعشاب العطرية، تبدأ جلسات التدليك والتنظيف، يتخللها تبادل النصائح حول الحياة الزوجية، ومواقف طريفة ترويها الحاضرات. قبل مغادرتها، تُزين العروس بـ"الحايك" أو "القندورة العنابية"، وتُرش بماء الزهر، في لحظة رمزية تختصر معنى الانتقال إلى حياة جديدة.
تَحوُّل في النمط وأسلوب جديد للاحتفال
اليوم، تغير المشهد، ولم تعد العروس تصطحب الجارات والصديقات، كما في السابق، بل تميل إلى اختيار حمام عصري يمنحها خصوصية تامة. هناك، تُستبدل الجلبة الجماعية بصوت موسيقى هادئة، ودفء البخار التقليدي بأنظمة حديثة للتحكم في الحرارة، وجلسات تدليك احترافية.
حمام "ألف ليلة وليلة"… تجربة تجمع بين الأصالة والترف
من بين أبرز هذه الفضاءات في عنابة، يبرز حمام ألف ليلة وليلة، الذي استطاع أن يبتكر صيغة فريدة، تجمع بين أجواء الطقس التقليدي ووسائل الراحة العصرية.
الحمام يضم مرافق متكاملة: حمام بخاري، جاكوزي، مسبح داخلي، غرف تدليك، قاعات للعناية بالبشرة والشعر، وخدمات تجميل الأظافر.
خلوة عرائسية خاصة: فضاء مُهيأ بالشموع والورود، مع إمكانية حضور فرقة نسائية لإحياء الحفل، وتقديم الحلويات والمشروبات.
لمسة تقليدية: عرض أزياء عرائسية تراثية، مثل "القندورة العنابية" و"التصديرة" البلدية، في إطار تصوير احترافي يخلد اللحظة.
من الحمام الشعبي إلى الفضاءات الفاخرة... خيارات متعددة
رغم الإقبال المتزايد على الحمامات العصرية، لا تزال بعض العرائس في عنابة، تفضل العودة إلى الحمام الشعبي، لإحياء طقس الألفة الجماعية. وهناك أيضًا فضاءات، مثل "حمام قرنفل" التي تحاول الدمج بين البساطة التقليدية والخدمات الحديثة، بأسعار أقل وديكور مستوحى من التراث.
عنابة اليوم، تحتضن عالمين متوازيين، عالم الحمامات الشعبية الذي يروي ذاكرة المدينة ودفء العلاقات الإنسانية، وعالم الحمامات العصرية التي تلبي رغبة العروس في الخصوصية والرقي. وبينهما، تبقى طقوس حمام العروس شاهدة على قدرة المجتمع العنابي على الحفاظ على هويته، حتى وهو يعانق ملامح الحداثة.