رمز لبراءة الطفولة والحنين إلى الماضي
"زيغومار".. "فوسطا".."كلاكو" حلويات من الزمن الجميل
- 135
يشعر كثير من الأشخاص عند حديثهم عن الماضي الجميل، بالحنين للكثير من الأشياء التي رسمت طفولتهم؛ ألعاب، أو أكلات، أو حلويات، كلها ترتبط بذكريات لا تُنسى، ورغبة في استعادة تفاصيلها. ومن الذكريات تلك التي مازالت ذاكرة الذوق تحتفظ بها لبعض الحلويات التي اختفت مع مرور الزمن، ولم يبق منها إلا الاسم الذي يتداوله من عشق طعم الطفولة ببساطتها.
أسماء كثيرة بمجرد نطقها يعود الكثيرون بذاكرتهم، إلى زمن مضى؛ "فوسطا"، "زيغومار"، "كابريس"، "شيكولاطة اللارز"، "قوفريط"، "كلاكو"، "بيمبوبار"... قليلة هي في الأنواع لكن غنية في الأذواق، حسبما أكد عدد ممن حدثتهم "المساء"، أوضحوا أن حكايتهم مع هذه الأسماء تعود إلى زمن بعيد، يرسم جزءاً من طفولتهم الجميلة. ولكل شخص وصفه لتلك الحلويات؛ فهناك من يقول إنها بسيطة. وآخر يصفها بالرائعة، أو "الصلبة" ، وأحيانا اللذيذة، ليُجمع كلهم على أن تلك الحلوى لا يكمن سرها، فقط، في لذتها، وإنما، كذلك، في قوة جعل الذكريات تعود للماضي؛ حيث كانت الحياة حينها بسيطة جدا.
وحول هذا الموضوع اقتربت "المساء" من عمي عمر، بائع بدكان صغير وبسيط ببلدية الحراش، لأكثر من 45 سنة، صاحب أحد أقدم المحلات هناك، لايزال يحافظ على طابعه القديم، وبساطته؛ إذ حدّثنا عن بعض تفاصيل ذلك الزمن الذي يذكّره، أيضا، بزمن جده، الذي امتهن نفس المهنة لعشرين سنة؛ قال: "إن حركة الأطفال في المحلات دائما تكون لاقتناء الحلويات، بما فيها من سكريات، يدمنها الصغير وحتى الكبير" . وأضاف: " قديما كانت تلك الحلويات بالرغم من بساطتها، الوحيدةَ في السوق. وكان الجميع يتجه نحوها، وهو ما جعل هؤلاء يربطونها بماض جميل ". وأضاف المتحدث أن أكثر مايزال يتذكره المواطنون، حلوى "زيغومار" ، و "فوسطا"، و"شيكولاطة القطع"، التي عادت إلى السوق بعد انقطاع طويل، وذلك راجع إلى إغلاق المصانع المنتجة لتلك الحلويات.
المصانع القديمة أُغلقت
وفي نفس السياق، قال ياسين موزاري أستاذ في الاقتصاد تخصص تسيير المؤسسات، إن الكثير من المؤسسات والمصانع الإنتاجية القديمة التي نشطت أواخر الستينيات وخلال السبعينيات وحتى نهاية التمانينيات، كانت في أوجّ نشاطها، لكنها أسدلت ستارها قبل سنوات عديدة؛ لأسباب مختلفة، منها العشرية السوداء، فتحولت من مصانع نشطة وتعج بالحركة، إلى هياكل مهجورة تشبه مدينة الأشباح، في حين أعلنت مصانع أخرى الإفلاس. وأدى ذلك إلى بيع بعضها، وتحويل نشاط بعضها الآخر، في حين افتتح رأس مال أكبرها، وأعيد تسييرها من جديد من طرف شركاء جدد. وكان مصير بعض المصانع المنتجة لتلك الحلوى، نفسه، والتي كان بعضها عبارة عن مؤسسات عائلية، أعيدَ تنشيط جزء منها خلال السنوات الأخيرة.
وأضاف موزاري أن الجزائريين من أكثر المستهلكين للحلويات، بين الصغار وحتى كبار السن، خصوصا أن السوق، اليوم، تشهد تشكيلة متنوعة وكبيرة من الحلوى الجديدة التي تنتَج محليا، خاصة من الشكولاطة. وبفضل نوعيتها الجيدة اكتسبت ثقة المستهليكن الذين باتوا يبحثون عنها كثيرا، موضحا أن استهلاكهم للحلويات محلية الصنع خاصة القديمة، لايزال يتم تسجيله بين كبار السن خاصة، والذين لهم علاقة بتلك الحلوى منذ طفولتهم، في وقت لم يكن التنوع متاحا مثل الوقت الحاضر.
"نوستالجيا" الماضي.. عاطفة توقد مشاعر قديمة
في هذا الصدد أكد لنا حمزة فروخي، خبير نفساني، أن الحنين للماضي أو ما يُعرف بـ"النوستالجيا" في علم النفس، هو ذكرى من الماضي، يحرّك المشاعر، ويهيّجها، تختلف باختلاف نوع الذكرى إذا كانت جميلة وسعيدة أو كانت حزينة ومؤلمة، مضيفا أن الحنين يعود لتلك العاطفة التي ترتبط بزمن معيَّن، أو بحادثة معيَّنة، وغالبا ما تكون الطفولة جميلة ببراءتها، وغياب الأحاسيس المؤلمة؛ فقط لعب وضحك وفرحة إلا بالنسبة لبعض حالات الأطفال الذين عانوا مشاكل أسرية أو اجتماعية.
وأشار المختص النفسي إلى أن الحنين للماضي له، دائما، علاقة بمحطات استثنائية أو محطات متكررة بشدة، وهذا ما يجعلنا نرتبط بها، ونحاول دائما تذكُّرها؛ من خلال بعض الوسائط؛ كالأكل، مضيفا أن الحلوى جزء واضح من حياة الطفل، وهذا ما يجعل الجزائريين يرتبطون بعلاقة وطيدة، بحلوى الماضي، لا سيما أن الكثير منها اختفى؛ فانقطاعها جعلها ذكرى لهؤلاء، وهو ما خلق ذلك الحنين إليها.