يحتفل به سكان الهضاب العليا
"شاو الربيع"...موعد للبهجة وإحياء الموروث المحليِّ

- 202

‘’شاو الربيع الربعاني.. كل عام تلقاني في الفيلاج الفوقاني"..
هي كلمات ترددها العائلات بمنطقة الهضاب العليا؛ على غرار برج بوعريريج وسطيف، للاحتفال بقدوم فصل الربيع، وإقامة ما يسمى بـ«شاو الربيع" . و«شاو الربيع" كلمة أمازيغية؛ إذ إن "شاو" تعني بالعربية بداية. وكلمة الربيع واضحة؛ فهي تعني فصل الربيع. والكلمة تعني بداية ودخول الربيع ونهاية فصل الشتاء البارد بعد سقوط الأمطار الكثيرة والثلوج، التي حرمت العائلات من الخروج والتنزه؛ بسبب سوء الأحوال الجوية.
"شاو الربيع".. موعد للبهجة وإحياء الموروث المحليِّ
وتقيم ولايتا برج بوعريريج وسطيف على وجه الخصوص، تظاهرة "شاو الربيع" في ربيع كل سنة. ويكون ذلك في ثلاث جمعات الأولى من شهر مارس. وهي تظاهرة محلية ذات امتداد لعادات وتقاليد عريقة متجذرة لدى عائلات هذه الجهة من الوطن؛ فمنذ زمن طويل اعتاد جميع أفراد العائلة الخروج إلى المناطق الخضراء الشاسعة ومعهم أكلات وحلويات معَدة خصيصا للاحتفال بفصل الربيع. ولمعرفة عادات وتقاليد البرايجية والسطايفية في هذا الشأن اقتربت "المساء" من بعض العائلات لتوضيح مجريات هذه الاحتفالية.
هناك من العائلات من تخرج لاستقبال "شاو الربيع" في الصباح الباكر لتحضير كل مستلزمات اليوم؛ لأن موعد الرجوع إلى المنزل يكون في المساء، وبالتالي لا بد من تحضير الزاد، المتمثل في الخبز والماء والجبن والزيتون؛ أي وجبة باردة. وهناك من يشتري السمك أو اللحم ويقوم بشوائه في الغابة. وكذلك "المبرجة" والبرتقال والحلويات المتنوعة. وقبل هذا كله، فإن الأم تقوم بتحضير البيض المسلوق، وكل فرد في العائلة يتحصل على نصيبه. ويقوم بتوزيعه الأب على أولاده، فيتحصل كل فرد على قطعة واحدة من "المبرجة"، وكذلك حبة برتقالة، وبيضة وحلويات.
وفي بحث "المساء" حول سر اختيار البرتقال بدل الموز والتفاح، وجدت إجابتين؛ الأولى أن عائلات الولايتين لم يعرفوا الموز والتفاح قديما عكس البرتقال. وهو منتوج جزائري موجود بوفرة في الماضي والحاضر، وبالتالي كان التقليد أكل البرتقال بحلول الربيع. أما الجواب الثاني فهو أن البرتقال يحتوي على فيتامينات النشاط والحيوية، وهو فيتامين "c" ، الذي يجعل الفرد الذي يستقبل الربيع في نشاط دائم.
"المبرّجة" سيدة الطعام ودونها لا يحلو المقام
«المبرجة" أو "البراج" كما يحلو للكثيرين تسميتها، هي أهم ما يميز الربيع في منطقة برج بوعريريج وسطيف. وهي عبارة عن قرص من دقيق القمح الصلب يُحشى بالتمر المعجون. وتقسَّم إلى مربعات صغيرة، تُطهى في طاجين على نار هادئة، إلى جانب "الرفيس" ، الذي لا يختلف كثيرا عن "البراج" ، والذي تحمَّص فيه حبات الدقيق الخشن على النار حتى يتحول إلى لون ذهبي، ويُخلَط بالتمر المعجون مع الزبدة، ويوضع في قالب خاص. ولا تستغني عائلات الولايتين عن هذه الأطباق التي تميز هذا اليوم، إلى جانب القرص. وهو أشبه بالكسرة. ويُدهن بصفار البيض ليبدو أصفر كصفرة أزهار النرجس. وتوضع الأقراص في سلال صغيرة خاصة بالأطفال مع حبات البرتقال، والتمر، وحلويات خاصة بالربيع.
وللاِبنة المتزوّجة نصيبها
لا تغفل العائلات البرايجية والسطايفية نصيب بناتها المتزوجات من احتفاليات الربيع؛ حيث تسرع الأمهات، عادة، إلى تحضير المبرجة والرفيس. ويجدّ الرجال في اقتناء حلوى الربيع، والبرتقال، والتمر، لتأخذها الأم إلى جانب الوالد، إلى ابنتهما، متباهيَين أمام أهل زوج ابنتهم بما جلباه لها، فتقوم الابنة، بدورها، بتوزيع جزء منه على الجيران. كما تحرص الأمهات على صنع القرص لكل أحفادهن. ولا تنسى بعض العائلات حق أبنائها الذين يؤدون الخدمة الوطنية، أو الذين يعملون في سلك الأمن بعيدين عن منازلهم، فيحتفظون بنصيبهم من البراج والرفيس، ويأخذونه في القفة، إلى الثكنة التي يقيم بها ابنهم الغائب.
ربيع اليوم والأمس
بمرور السنوات وتطور الحاصل في يومنا هذا يختلف "شاو الربيع" بين القديم وبين الوقت الحاضر. ويكمن التباين في تنوع الحلويات؛ فهناك حلويات لا يمكن عدّها، ولا نعرف حتى تسميتها، وكذا الفواكه؛ التفاح، والموز، وحتى العنب والأناناس موجودان. والأطفال والفتيات كانوا يحملون كيسا بلاستيكيا. والآن هناك قفف ملوَّنة تحمل اسم " باربي" ، و"فُلَة "، هذا عن ربيع اليوم. أما ربيع الأمس، فاكتفت فيه العائلات بالمبرجة، والبرتقال، والبيض المغلَّى. وكان هناك تضامن، وحب بين العائلات.
وتجلى ذلك في تبادل المبرّجات. كما كانت البركة والفرحة بين كل العائلات، الذين كانوا يقومون بجلب بعض الخضر من الحقول، والمعروفة باسم "البقول" . وهذه الظاهرة انعدمت مؤخرا؛ بسبب أن النساء الكبيرات في السن قليلات جدا، وبالتالي ليس هناك من يعمل على تعريف الظاهرة. كما إن جيل اليوم يبحث عن الموضة، ومسايرة التطور التكنولوجي. وللإشارة، فإن العائلات السطايفية والبرايجية تجمعها نفس الطقوس للاحتفال بفصل الربيع، الذي طالما امتاز باعتدال جوّه، وجمالية مناظره؛ حيث تخرج العائلات وخاصة الأطفال الصغار، إلى الحدائق والمساحات الخضراء في أوائل شهر مارس.