في غياب المؤهلات والمهارات المطلوبة
شباب يرفضون العمل بأعذار واهية

- 266

يُعد القضاء على البطالة واحدا من أكبر تحديات التنمية في الدول، إذ يتحول توفير مناصب شغل لصانعي القرار مصدر قلق مزمن، باعتبار العمل قاطرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية على السواء. لكن حينما تتوفر مناصب الشغل ولا تجد من يغتنمها فذلك أمر آخر.
فهناك من الشباب رغم عدم امتلاكهم مؤهلات علمية أو مهنية، يرفضون بعض المناصب؛ طلبا لراتب يكون في مستوى أحلامهم دون بذل الجهد المطلوب، وفق ما أشار إليه الخبير الاقتصادي داود غوميري، الذي أكد أن بعض حالات البطالة تعود لعدم رغبة بعض الشباب في العمل في مجالات يرونها شاقة، ولا تتوافق مع "دلالهم"، على حد تعبيره. يفضل بعض الشباب في الوقت الحالي، البطالة عن العمل بإراداتهم، وهو ما أرجعه الخبراء الى التكاسل، وعدم الرضا بأي عمل، والشعور المبالَغ في استحقاق أكثر مما هو معروض أمامهم.
ويشتكي كثير من عارضي العمل من غياب "الجدية" عن الباحثين عن عمل، أو بالأحرى عدم رضاهم بما هو معروض في سوق الشغل، لا سيما أن الكثير من المتقدمين إلى العمل يغوضون في بعض التفاصيل، على غرار الأجر، و ساعات العمل أو حتى نوعية العمل، في حين يرفض آخرون فكرة تلقّي الأوامر من طرف المسؤول الأعلى منه رتبة في العمل، ما يجعلهم يعيشون في دوامة وحلقة مفرغة بين البحث عن العمل، وإيجاد ما لا يقنعهم، وبالتالي رفض العمل.
اشتراط الأجر المرتفع
أشار عدد ممن حدثتهم "المساء" إلى أن التقدم لطلب العمل أصبح يخضع لكثير من الشروط، لم يعد يكتفي البعض بما هو متوفر، فلا بد أن يكون هناك شروط معيّنة للقبول بالعمل؛ كالأجر المرتفع، والامتيازات، وساعات العمل القصيرة، أو حتى عمل لا يتطلب الجهد العضلي الكبير، أو الجهد الفكري بالنسبة لآخرين.
ولا تمس هذه الظاهرة أو الشعور بالاستحقاق خريجي الجامعات أو المتحصلين على شهادات عليا أو أصحاب الكفاءات العالية وذوي الخبرة الكبيرة فقط، بل تمس، أيضا، من ليست لديهم أيُّ خبرة، ولا شهادة علمية أو كفاءة، بل يكفي غرورهم وشعورهم بالاستحقاق المبالَغ فيه، لعرض عمل يليق برغباتهم، وهو الواقع الذي يزيد من انتشار البطالة وسط هذه الفئة من الشباب.
حدّثَنا، في هذا الصدد، بعض أصحاب ورشات البناء، أن هذه الحالات واقع يعيشه أرباب العمل في كل مرة يعرضون فيها بعض مناصب العمل، ويبحثون فيها عن عمال جدد. وقال، في هذا الخصوص خالد، صاحب مؤسسة بناء، إن الكثير من الشباب اليوم يرفضون عروض الشغل وكسب لقمة العيش، بل تجدهم خلال مقابلات العمل، يرفضون بعض التفاصيل، ويحاولون المفاوضة في الأجر أو في ساعات العمل وإن كان ذلك الأمر طبيعيا، حسب المتحدث، إلا أنه أحيانا يكون بطريقة مبالغ فيها، ليتم في نهاية الأمر، رفض العرض؛ لتفضيل هؤلاء البقاء عاطلين عن العمل بدل كسب الخبرة.
ومن جهته قال فارس من مؤسسة أخرى، إنه يجد ذلك الغرور وسط شباب لا تجربة لديهم، مشيرا: "لا بأس بالعمل ولو كان مقابل أجر بسيط خلال السنوات الأولى من الحياة العملية؛ في سبيل اكتساب الخبرة، والاحتكاك بعالم الشغل، واكتساب المعارف اللازمة للانطلاقة في هذا العالم، وهذا ما يجعل الشخص يكتسب رصيدا معرفيا، وخبرة كافية للشعور بالاستحقاق والمفاوضة في العمل بما يستحقه حقيقة مقابل جهده؛ سواء الفكري أو العضلي أو غير ذلك".
أما إكرم من شركة أخرى، فقالت إن هذه الظاهرة تبرز، أساسا، وسط الرجال أكثر من النساء، إذ لديهم قناعة بأن في ظل الغلاء المعيشي لا بد من إيجاد عمل في أسرع وقت، وبأجر مرتفع منذ أول محاولة، ما يجعل الشاب يضيّع الفرص التي تتاح أمامه، وبالتالي التخبط في شبح البطالة قد يصل إلى عدة أشهر، أو سنوات عديدة أخرى.
الوكالة الوطنية للتشغيل توفر مناصب لطالبي العمل
في هذا الصدد حدثتنا صبيحة معزوزي من مديرية الوكالة الوطنية للتشغيل، قائلة إن هذا الواقع، للأسف، حقيقة، وهو كثيرا ما يعود، ويعيشه أرباب العمل. وقالت: "كثيرا ما يتردد على ألسنة شباب لا خبرة لهم، أن بعض المهن المقترحة عليهم لا تليق بهم، وأنها غير جيدة، أو غير صالحة، ولا تتوافق مع ما يبحثون عنه". وأضافت أن الوكالة الوطنية للتشغيل تعمل جاهدة لتوظيف طالبي العمل، كونها همزة وصل في سوق التشغيل، إلا أن "العائق أحيانا ليس غياب عروض العمل، بل رفض العمل من طرف طالبيه".
المحلّل الاقتصادي غوميري: التأقلم مع ما هو موجود في السوق ضرورة
أوضح داود غوميري، الخبير والمحلل الاقتصادي، في تصريح لـ"المساء"، أن القضاء على البطالة من أكبر تحديات صنّاع القرار في أي بلد، إذ لها علاقة مباشرة بالتنمية الاقتصادية. ولا يمكن أبدا الجزم بأن ارتفاع نسبتها دائما مرتبط بعدم توفر مناصب شغل، وإنما يمكن أن يكون بسبب عدم تقبّل بعض الشباب العمل، فتجدهم يفضلون الجلوس بدل التعب والعمل، وأنّ أكثر ما بات يبحث عنه بعض الشباب الذين لا خبرة لهم ولا شهادة علمية، أعمال لا تتطلب أي جهد لا فكري ولا عضلي، كالعمل كحارس وعون أمن، أو كسائق، موضحا أن كل عمل يتطلب كفاءة، ولا وجود لعمل أحسن من عمل، فكل شخص لا بد أن يكون مؤهلا في عمله. ولا يجوز رفض عمل بحجة أنه شاق، وإنما لا بد أن يكون بالتدريج إلى حين اكتساب خبرة، وحمل كفاءة للانتقال الى مرحلة أخرى.
ونبّه المختص الى أن على الشباب سواء خريجو الجامعات أو أصحاب الحرف أو حتى من لا خبرة لهم في أي مجال، التأقلم بما هو متوفر في السوق، والتدرج في البحث عن العمل الى حين اكتساب الخبرة، وحمل الكفاءة اللازمة، والتأهل بما يسمح المفاوضة والمساومة في عرض العمل.