تعود مظاهرها بعودة التلاميذ إلى مقاعد الدراسة

"التنمر" ظاهرة تربك الأولياء وتهدّم قيم المجتمع

"التنمر" ظاهرة تربك الأولياء وتهدّم قيم المجتمع
  • 468
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

تعود ظاهرة التنمر وسط الأطفال بشكل عام، إلى البروز بعودة التلاميذ إلى مقاعد الدراسة، والتي أخذت عدة أشكال لم يجد لها الأولياء مخرجا لحماية أبنائهم من مختلف الاعتداءات التي تجاوزت كل الحدود. ولتسليط الضوء على هذا الموضوع تقربت "المساء" من الخبيرة الاجتماعية مروة محمودي، التي شخّصت أبعاد ظاهرة التنمر، وعلاقتها بتغير القيم في المجتمع.

شددت المختصة مروة محمودي الخبيرة الاجتماعية، على أهمية تربية الطفل على بعض الأساسيات والقواعد في بناء الشخصية منذ السنوات الأولى من حياته، خاصة احترام الغير، وتقبّل الاختلافات، وعدم إلقاء أحكام مسبقة على الآخرين، والتي من خلالها تُبنى الشخصية المنتقدة والعنصرية، وغيرها من الصفات الذميمة، مشيرة إلى أن المجتمع بات خلال السنوات الأخيرة، يعاني من انحلال واضح، راجع، حسبها، إلى تخلي بعض الأولياء عن دورهم ومسؤوليتهم في تربية الأبناء.
وبمناسبة الدخول الاجتماعي، دعت المتحدثة إلى فتح "حوار" مع الأطفال يوميا، لتلقينهم أساسيات الخصال الحميدة، وحسن غرسها فيهم، وتثبيتها في شخصيتهم للتعامل بها في البيت، والمدرسة، ووسط المجتمع عامة".
ولا يعني إعداد الطفل للدخول المدرسي، فقط، تزويده بالأدوات الجديدة، والملابس الجميلة، ومحفظة مختلفة، وإنما الإعداد الحقيقي يتم من خلال الإعداد النفسي، والتربية السليمة قبل الخروج من البيت، وتعليم الطفل كيفية التعامل مع المجتمع والمحيطين به قبل الخروج من المنزل، وفق المختصة.
وأكدت المختصة أن بناء شخصية الطفل تبدأ بتلقينه بعض الخصال الحميدة في مرحلة أولى، مشددة على أن دخول الطفل مؤسسة تعليمية، سواء خلال مرحلة الحضانة أو الابتدائي، هو المرحلة المناسبة لتلقين الطفل تلك الدروس لتبنّي بعض تلك الصفات. وأضافت أن أكثر ما يعاني منه مجتمعنا اليوم، هو تراجع "الاحترام". وأردفت قائلة: "الصغير لا يحترم الكبير، ولا الكبير يحترم الصغير. وتراجعت كثيرا تلك الصفة إلى درجة برزت مشاكل جانبية وسط المجتمع؛ بسبب ذلك الواقع ".

احترام الغير.. صفة تختفي عن بعض الأطفال

شددت المختصة على أن تربية الطفل على تلك المبادئ أمر بالغ الأهمية، ولا يجب أبدا التهاون بمرحلة الطفولة وتفويت تلك الفترة في تربية الطفل أحسن تربية، موضحة أن فتح الحوار مع الطفل الصغير حتى قبل أن يبلغ أربع سنوات، له ثمار وأثر قوي في تلقين تلك الدروس، وترسيخها في الطفل.
وأضافت المختصة أن احترام الغير من أهم ما يمكن أن يتلقاه الفرد كصفة منذ الصغر؛ حيث إن هذه القاعدة هي أساس بناء المجتمع، ولا بد أن يكون فيه الاحترام متبادلا بين الكبير والصغير، والرجل والمرأة. وقالت: "خلال السنوات الأخيرة نقف على الكثير من الوقائع التي تحدث داخل المدرسة بين التلميذ وأستاذه، ويكون أساسها قلة الاحترام، أو انعدامه تماما، فتجد التلميذ يشتم أستاذه أو يتجاوز حدوده في التصرف معه، أو حتى يضربه! "، وهذا راجع، حسب المختصة، إلى انعدام الاحترام، وعدم معرفة الطفل حدوده مع الغير، ليس ذلك فقط تضيف، فقد تحدث مشاكل بين الزملاء، راجعة أيضا إلى عدم احترام الغير.
وقالت مروة إن تعليم الطفل قاعدة احترام الغير هي مسؤولية الآباء بالدرجة الأولى. ولا بد أن يكون الطفل تلقّى هذه الصفة قبل خروجه من البيت. ويتم ذلك بتعليمه معنى الاحترام، وما يترتب عنه داخل المجتمع. ويبدأ ذلك بفرض أهمية احترام والديه، وإخوته، وحتى ذاته، ومن ثم احترام المحيطين به؛ من صغار، وخاصة كبار السن؛ إذ من حق الكبير أن يتلقى الاحترام وحسن المعاملة واللطافة واللباقة ممن يصغره سنا، موضحة أن تلك القواعد لا نقاش فيها. ويتم ذلك من خلال حث الطفل على ضرورة احترام الغير، وتوبيخه إذا لم يقم بذلك، وتشجيعه وتكريمه إذا أبدى سلوكا حسنا.

تقبّل اختلافات الغير أساس التعايش في المجتمع

على صعيد آخر، قالت المختصة الاجتماعية إن خروج الطفل إلى المجتمع لأول مرة واحتكاكه بالغرباء يتم في مرحلة أولى عند خروجه للتعلم والدراسة. ويمكن أن يتم ذلك عند دخول الروضة، أو الحضانة أو الابتدائي. وفي مختلف تلك المراحل، من مسؤولية الأولياء تعليم الطفل بعض أساسيات حسن التعامل في المجتمع، وذلك وفق سنه؛ أي أن تكون طريقة التعليم تتوافق مع مدى استيعابه الأمر. وأضافت أن ذلك الاحتكاك الأول يجعل الطفل يلاحظ اختلافات عديدة قد تختلف عما اعتاد عليه في محيطه. وقد تكون تلك الاختلافات جسدية. كما قد يصعب عليه تقبّلها. ويعبّر، غالبا، عن ذلك بتعابير قد تكون مسيئة للطرف الآخر؛ كإعاقة جسدية، أو مرض، أو حتى اختلاف في الهيئة مثلا، أو في اللباس بالنسبة للأطفال من العائلات المعوزة، الذين قد تكون ملابسهم مترهلة أو قديمة أو ممزقة، وكلها من الاختلافات التي على الطفل تعلّم طريقة تقبّلها، واحترامها دون شتم صاحبها أو الإساءة إليه بألفاظ. وشددت المختصة على أن تعليم ذلك للطفل يتم بتوضيح قبل خروجه من البيت، أن هذا العالم قد يكون قاسيا جدا على بعض الأطفال والأشخاص خارج البيت. ولا بد من احترام ذلك من خلال عدم إبداء أي رأي حول الاختلاف، ومحاولة المساعدة إذا احتاج الشخص ذلك، ودون ذلك لا يحق لأي فرد التعبير عن رأيه حول الموضوع، تضيف مروة محمودي.

التنمر في الوسط المدرسي.. أخطر ما يهدد نفسية الطفل خارج البيت

من جهة أخرى، استعرضت المختصة الاجتماعية واحدة من أخطر الظواهر المجتمعية التي تؤثر على نفسية الطفل، وقد تبقى آثارها حتى سن متقدمة من عمره، وهي التنمر. وقالت إن هذا المشكل كثيرا ما كان موضوع دراسات اجتماعية ونفسية؛ لمعرفة دوافع تنامي الظاهرة، وخاصة آثارها على الفرد.
وقالت المختصة إن التنمر في الوسط المدرسي من الظواهر التي تبرز بشكل مخيف، وسط المجتمع الجزائري، مرجعة ذلك إلى غياب مسؤولية الأولياء في "تحريم" بعض السلوكات الصادرة من عند أطفالهم، موضحة: "بل ويتركونهم على سجيتهم في تعاملهم مع الغير. ومن تلك التصرفات التنمر على الغير، بوصف شخص لآخر بصفات مشينة، قد يكون لها وقع خطير على نفسية متلقي تلك الأحكام".
كما عبّرت المتحدثة عن أسفها بقولها: "إن التنمر في الجزائر يبلغ أبعادا مقلقة. فتلك الظاهرة تتواصل بالرغم من جهود الحديث عنها، إلا أن ذلك غير كاف، فمن مسؤولية الآباء تعليم طفلهم خطر ذلك، ووضعه في صورة ماذا إذا كان ذلك التنمر موجها له؟ وهل هو سيتقبل الأمر؟ وما مدى صعوبة الأمر على الأطفال من سنه؟ كل ذلك يساعد الطفل في فهم خطورة الأمر، ولا يمكن أبدا أن تكون الإساءة لشخص آخر أمرا مسليا أو ممتعا، بل العكس؛ قد يترتب عنه أمراض نفسية لها وقع خطير جدا مع الكبر؛ كفقدان الثقة في النفس، وعدم الرغبة في مواصلة الدراسة، والانطواء، والعصبية، والخوف، والتوحد، والانعزال عن المجتمع، وتنامي رغبة الانتقام، وغيرها من المشاكل التي تؤثر على تطور نفسية وشخصية الفرد".