إحياءً لليلة القدر بقسنطينة

عادات عريقة تمزج بين الفرح والعبادة

عادات عريقة تمزج بين الفرح والعبادة
  • 366
شبيلة.ح شبيلة.ح

تتميز ليلة القدر، خاصة الليلة السابعة والعشرين من شهر رمضان، عن بقية أيام الشهر الكريم في جميع أنحاء الجزائر. فهذه الليلة تحمل بعداً دينياً عميقاً؛ حيث يزداد الإقبال على المساجد، وتكثر الصلوات والتهجد طوال الليل. وفي قسنطينة تتحول هذه الليلة إلى لوحة فنية، تعكس أعمق مظاهر التقاليد الرمضانية، حيث تتداخل العبادة مع الفرح العائلي؛ في احتفالية تجمع بين القداسة الدينية والتراث الثقافي.

تبدأ الاستعدادات لليلة القدر منذ ساعات الصباح؛ حيث تتفنن العائلات القسنطينية في إعداد أشهى الأطباق التقليدية التي تُعد جزءاً لا يتجزأ من هذه المناسبة. وعلى رأس هذه الأطباق تأتي "الشخشوخة"، و"الشواط" المعروفة أيضاً بـ"تريدة الطاجين". وهما الطبقان الرئيسان اللذان لا يغيبان عن أي بيت قسنطيني في هذه الليلة. 

ولا تخلو المائدة من "طاجين لحلو"، الذي يُزيّن الطاولة؛ كتحفة فنية من الحلويات التقليدية؛ مثل "شباح السفرة"، و"طاجين العازب" وغيرهما من الأطباق الحلوة المشهورة، التي لا تُعد مجرد وجبات، بل تعبير عن وحدة المجتمع القسنطيني الذي يتوارث هذه العادات جيلاً بعد جيل. كما تُعدّ هذه الموائد فرصة لتجمّع العائلة حول مائدة واحدة؛ حيث تُعد ليلة القدر من أهم الليالي التي تكثر فيها العزائم.

ختم القرآن وتكريم الحُفَّاظ.. عاداتٌ دينية في ليلة القدر

تتحول المساجد في الليل إلى محور الحياة في قسنطينة، حيث يتوافد المصلون بأعداد كبيرة رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، ليملأوا جنبات المساجد بصلاة التهجد والدعاء. فتعلو الأصوات بالابتهالات والتلاوات، في جو يملأه الخشوع والروحانية. كما يحرص الكثيرون على ختم القرآن في هذه الليلة، بينما يتم تكريم الأطفال والكبار الذين أتموا حفظ القرآن؛ في مشهد يعكس اهتمام المجتمع بتربية الأجيال على القيم الدينية.

حركة تجارية تعكس الفرحة

تشهد أسواق قسنطينة؛ مثل سوق "بفندق الزيات"، إقبالاً كبيراً خلال هذه الفترة، حيث تتزين المحلات بالألبسة التقليدية المطرزة بالخيوط الذهبية والفضية، والتي تُعدّ جزءاً أساسياً من زي الختان، ناهيك عن أكسسوارات الختان؛ كالبليغة والطربوش وغيرهما، إذ تتراوح أسعار هذه الألبسة بين ألفين و5 آلاف دينار جزائري، بينما تختار بعض العائلات الأكثر يسراً، شراء ألبسة مستوردة بأسعار تصل إلى 10 آلاف دينار للطقم الواحد. كما تشهد أسواق الحناء والشموع والسينيات النحاسية إقبالاً كبيراً، حيث تُستخدم هذه الأدوات في طقوس ليلة الحناء، التي تُعد جزءاً لا يتجزأ من احتفالات الختان.

ختان الأطفال طقس اجتماعي يزيِّن ليلة القدر

لا تكتمل ليلة القدر في قسنطينة دون حفلات الختان، التي تُعد من أبرز الطقوس الاجتماعية في هذه المناسبة. وتقوم العديد من الجمعيات الخيرية بتنظيم حفلات جماعية لأطفال الأسر المعوزة، بينما تقوم العائلات الأخرى بتنظيم حفلات فردية لأبنائها. وتشمل طقوس الختان إعداد أطباق وولائم وحلويات تقليدية على رأسها "البقلاوة" و"المقروط"، تحضّرها النسوة في ليلة الحناء.

هذه الأخيرة تكون من مهمة جدة الطفل، التي تقوم بتخضيب يديه ورجليه بالحناء قبيل عملية الختان. كما تقوم الأم بتحضير غرفة نومها وتزيينها لاستقبال ابنها بعد عودته في موكب يشارك فيه ذووه. وبعد الختان يجتمع الجميع على مائدة مزيَّنة بأشهى الأطباق التقليدية، في جو حميمي.

"عيد لعروسة" تراث قسنطيني يتجدد في ليلة القدر

تستغل بعض العائلات هذه الليلة المباركة في تعزيز الروابط الاجتماعية، حيث يختار الشباب زيارة أهل خطيبتهم لتقديم هدايا تُعرف محلياً بـ"عيد لعروسة" وهم محملون بالحلويات التقليدية. وهي عادة لايزال كثير من الأسر محافظات عليها، ما يعكس مدى ترابط المجتمع القسنطيني، وحرصه على تعزيز العلاقات الأسرية في المناسبات الدينية، لتبقى ليلة القدر في قسنطينة ليست مجرد مناسبة دينية فحسب، بل احتفالية شاملة، تجمع بين الروحانية والتراث والفرح العائلي.