فيما تبدأ بوادر الاحتفالات بصيام يوم عرفة

عادات وطقوس متجذرة تميز عيد الأضحى بقسنطينة

عادات وطقوس متجذرة تميز عيد الأضحى بقسنطينة
  • القراءات: 2609
شبيلة . ح شبيلة . ح

لعيد الأضحى المبارك بعاصمة الشرق، نكهة خاصة ومميزة لما تمارَس فيه من عادات وتقاليد متوارَثة من جيل إلى آخر. ولاتزال معظم العائلات القسنطينية متمسكة بها، سواء من حيث الانطلاق في إجراءات التحضير لهذا العيد بأسابيع عديدة والتي تترجمها بعض الطقوس؛ كتطهير المنازل، واقتناء كل ما يلزم المطبخ من أوان وسكاكين جديدة، أو التمسك بالعادات القديمة؛ كالأكلات التقليدية الخاصة بالمناسبة، فيما تحافظ بعض العائلات على بعض العادات القديمة من الاندثار، كتبادل الأطباق؛ تطبيقا لمقولة "لا مزية في طعام العيد"، وطقوس أخرى تخلى عنها كثير من الأسر.

تتميز قسنطينة كباقي المدن الجزائرية، بعادات عريقة متجذرة ومتأصلة؛ حيث تبدأ بوادر الاحتفالات بعيد الأضحى المبارك، ابتداء من مساء يوم عرفة؛ من خلال التحضير لأطباق تقليدية للفطور، لتمتد إلى أول يوم من العيد؛ حيث تنهض ربات البيوت باكرا لإعداد خبز الدار أو "كسرة المطلوع"، وهي من العادات القديمة؛ حتى يتسنى لأفراد عائلتها تناوله مع أول إفطار لهم صباح يوم عيد الأضحى على خلاف عيد الفطر، الذي يتميز بإعداد الحلويات الكثيرة التي تزين الصينية القسنطينية.

وبعد الصلاة مباشرة يرجع الزوج إلى البيت، ليقوم رفقة أبنائه أو جيرانه، بعملية الذبح والسلخ، ومن ثم استخراج أحشاء الكبش التي توجَّه مباشرة، إلى ربة البيت، والتي تباشر رفقة بناتها، عملية شيّ رأس الكبش والأرجل، ومن ثم تنظيفها جيدا من الصوف، وغسله بالماء جيدا لمرات عدة؛ حتى يصبح جاهزا. وبعد هذه العملية تقوم ربة البيت بتقسيم الأدوار على بناتها أو حتى كنائنها، فتقوم هي بالتجهيز للغداء؛ من خلال إعداد الشواء بكبد وقلب الأضحية، فيما تقوم البنات أو الكنائن بغسل أحشاء الكبش أو كما تسمى بالقسنطينية "لمصارن"؛ إذ يقمن بغسلها جيدا بالماء، ومن ثمة غليها في الماء والملح حتى تزول عنها جميع الشوائب، لتقوم، بعدها، الفتاة بتقطيعها إلى قطع صغيرة، مع إضافة بعض المكونات الخاصة بإنجاز الطبق المعروف باسم "العصبانة"؛ من خلال إضافة الملح والفلفل الأسود والحمص والطماطم والفلفل الحار وكذا البصل، وخلطها جيدا، لتقوم بحشي كل هذه المكونات في ما يسمى بـ"الكرشة".

الكسكسي أو "نعمة العيد" سيد الأطباق أول أيام العيد

ولعل أهم طبق في المائدة القسنطينية، طبق الكسكسي أو ما يُعرف بالعامية النعمة، التي تجتهد ربات البيوت في تحضيرها قبيل أيام عيد الأضحى لتؤكل "جديدة"؛ حيث تجتمع النسوة من أجل تحضيرها بالطريقة التقليدية، والتي تسمى بالعامية بالفتيل، لتحضير هذه الأكلة التي لا يكاد يخلو منزل منها في ثاني أيام العيد. ويُعتمد في تحضيرها على الكتف الأيمن من الأضحية؛ إذ يتم طبخ كل الكتف. ويُشترط أن تكون بمرق أبيض مع القليل من الخضر كالكوسة.

أما في عشاء أول يوم من العيد، فتقوم ربات البيوت بإعداد الرأس أو "البوزلوف"؛ من خلال تحضيره في الفرن، أو "العصبانة"، والتي هي عبارة عن أحشاء الأضحية؛ إذ لا يتم تناول اللحم في أول يوم من العيد إلا بعد أن يجف.

"عيد لعروسة" أهم ما يميز ثاني وثالث أيام عيد الأضحى

للأضحية أهمية كبيرة عند العرائس؛ حيث ألِفت الأسر القسنطينية تقديم فخذ الأضحية كهدية يقدمها أهل الزوج لأهل الفتاة المخطوبة، أو أهل العروس المتزوجة حديثا والتي لم يمض على زواجها سنة كاملة، وهي العادة التي يطلَق عليها اسم "عيد لعروسة"؛ إذ تقوم أم الزوج بتحضير فخذ الأضحية وإعداد العجائن التقليدية، على غرار "التريدة" و"الشخشوخة"، زيادة على وضع كمية معتبرة من الفواكه المختلفة في سلة مزيّنة، وهدايا خاصة لخطيبة الابن، تتمثل في حلي من الذهب، أو خاتم، أو غيرها من المجوهرات، لتقوم بعدها الأم بجمع المقربين لها من نساء العائلة، على غرار جدة العروس الرجل، وعمته، وخالته، واللائي يقمن بزيارة أهل عروسه في ثاني أو ثالث أيام عيد الأضحى، ليقوم أهل الزوجة باستقبالهم، وإعداد وليمة فخمة، وأطباق تقليدية خاصة بالعيد.

عادات طريفة لاتزال قائمة بالمنازل القسنطينية

طالما ارتبط عيد الأضحى بكثير من الممارسات والاعتقادات عند الجزائريين، التي أثارت جدلا، ونهى عنها الأئمة والمشايخ باعتبارها بدعا؛ فلاتزال كثير من العائلات الجزائرية تحافظ عليها، وتمارسها حتى وإن كانت غير مقتنعة بها، وتعتبرها من الخرافات. ولعل أهم هذه المعتقدات ما تعلق بالأضحية وبالتحديد الكتف الأيمن؛ إذ يعتقد البعض بعاصمة الشرق وحتى بعض الولايات المجاورة، أن الكتف الأيمن للكبش من شأنه إبعاد المصائب والأحزان عن البيت وأهله خلال نفس عام العيد. ومن بين العادات التي لاتزال عائلات قسنطينة إلى حد الساعة تحافظ عليها، عادة الألسنة؛ إذ تحرص النسوة واللاتي تأخر أطفالهن عن النطق، على جمع سبعة ألسنة كباش من سبعة بيوت مختلفة، لتقديمها كطعام لهم. وخلال صبيحة العيد مباشرة تسارع الأمهات إلى بين بيوت الجيران ليس لإلقاء تحية العيد فقط، بل لحجز لسان الكبش قبل غيرهن، في حين نجد بعض العائلات الأخرى، تمنع فيها الأمهات والجدات أبناءهم من أكل لسان الكبش؛ لمعتقد جار، وهو مخافة تعوّد الأطفال منذ الصغر، على الكذب والنفاق.

وعادة أخرى تميز عيد الأضحى عند القسنطينيين، ترتبط، دوما، بالأضحية وأعضائها التي تعتبرها العديد من العائلات القسنطينية، مصدر تفاؤل، وهي عادة الاحتفاظ بما يسمى باللهجة العامية "المرارة" أي الحويصلة الصفراء؛ إذ تقوم النسوة بتعليقها بعتبة الباب؛ أملا في أن تكون فأل خير على الصعيد المالي، ولا يفرغونها من محتواها إذا كانت ممتلئة حتى لا ينقصوا حظهم في المال الذي سيدخل بيتهم. كما تتميز العائلات بقسنطينة بعادات أخرى طريفة، على غرار منع المرأة الحامل من أكل الطحال مخافة فقدان الجنين، زيادة على منع الفتاة الصغيرة والتي لم تبلغ بعد، من أكل الكليتين والخصي، فيما تقدم رقبة الكبش أو ما تسمى "الكرومة" والتي تُعد، حسب اعتقاد النسوة، رمزا للرجولة، للزوج ورب العائلة، زيادة على عادة طريفة أخرى؛ فبعد عملية النحر نلاحظ بعض القسنطينيين يضعون أقدامهم العارية في دم الأضحية بمجرد ذبحها؛ أملا منهم في العلاج من بعض الأمراض الجلدية التي تصيب أصابع القدم.