في ظل إحياء تقاليد راسخة لإحياء المناسبة

عاشوراء... ملتقى صوفي متوارث بتمنطيط في أدرار

عاشوراء... ملتقى صوفي متوارث بتمنطيط في أدرار
  • 3064
بوشريفي بلقاسم  بوشريفي بلقاسم

تقع تمنطيط، المدينة التراثية العتيقة، في ولاية أدرار، وتبعد عن  الولاية بـ12 كلم، تعكس الأبعاد التاريخية العميقة لمن مروا بزمن الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي والعلاقة الإنسانية الحضارية التي جمعت مختلف الديانات بمنطقة توات، حيت كانت مدينة حيوية وملتقى للقوافل القادمة من تمبكتو وشنقيط إلى فاس وسجلماسة وفرق الحجيج والتجارة... وهو ما تعكسه طبيعتها المعمارية الفريدة ومخطوطاتها الفقهية النادرة. قال عنها صاحب القول البسيط في أخبار تمنطيط محمد العياشي: «فاعلم أن تمنطيط اسم لمدينة في إقليم توات، اجتمع فيها العلم والعمارة، والولاية والديانة والرئاسة..»

حاليا لازالت المدينة الطينية العريقة محافظة على عبقها التراثي ونسيجها العمراني التواتي الفريد، وكذا نسيجها الاجتماعي المتراص وعمارتها الإفريقية الإسلامية وطقوسها الصوفية، كونها ملتقى لزيارات سنوية كثيرة، أهمها عاشوراء التي تعتبر مناسبة دينية تشهد عادات وتقاليد بأقاليم توات وقورارة، من خلال التظاهرات التي أخذت طابعا شبه رسمي خلال السنوات الأخيرة،  لاستغلالها في الترويج السياحي والثقافي بما يعكس التنوع والعمق الحضاري الجزائري.لعاشوراء التي تلفظ محليا «عاشور» نكهتها وطقوسها بالمنطقة عموما وتمنطيط، حيث تتزين البيوت الأدرارية من أجل استقبال المناسبة منذ مطلع السنة الهجرية، بإعداد الأطباق التقليدية الشعبية، أهمها ما يسمى محليا «بيانو»، بالإضافة إلى تنظيم جلسات عائلية لم تؤثر عليها التكنولوجيات الحديثة.وتشد الرحال إلى تمنطيط عشية مناسبة عاشوراء، حيث تحتضن الساحة الكبرى بالمدينة أنشطة فلكورية والزيارة السنوية لـ«سيدي ناجم»، وتشهد رقصات فلكورية لفرق البارود القادمة من بودة ومناطق توات بأولاد الحاج بزاوية كنتة تسمى رقصة «يشوو»، وتعني رجل الليف، يقوم بها فرد واحد يرتدي ليف النخيل على أنغام البارود والزمار.تعرف عاشوراء حضور آلاف الزوار من مختلف ولايات الوطن وتختتم بالفاتحة الكبرى بزاوية الشيخ سيدي احمد ديدي، شيخ العلامة الراحل سيدي محمد بلكبير، وقراءة جماعية للقرآن الكريم والمتون الفقهية والمديح الديني الذي تحتل فيه «الحضرة والطارة» مكانة خاصة وتشهد المناسبة تقديم محاضرات حول عاشوراء والأعمال المستحبة والدعاء بحلول السكينة والسلام على البلاد والعباد على عهد اللقاء في العام القادم، بعدما تنحني الشمس وقت الغروب مصفرة خجلا... من المدينة الحمراء الساحرة، وقبل هذا تعرف تمنطيط استعدادات كبيرة لاستقبال يوم عاشوراء الذي بات يسمي الملتقى الصوفي الكبير والذي يهز هدوء المنطقة الهادئة على طول أيام السنة، حيث تجد كل السكان يحضرون مايلزم تحضيره لاستقبال الضيوف والزوار في أجواء روحانية إيمانية، كما باتت مناسبة عاشوراء أيضا فرصة لدعم السياحة الدينية وإبراز التراث الثقافي والتقليدي للمنطقة، إذ تجد كل بيوت السكان مفتوحة  لاستقبال الضيوف الذين يأتون دون دعوات مسبقة، فهي عادات متوارثة عبر السنين، إذ يهدف كل فرد الفوز بالحسنات. كما تقوم عدة عائلات بإبرام الخطبة في هذا اليوم المبارك، إذ تحرص النساء لمدة أسبوع على تحضير الأطباق التقليدية التي تقدم للضيوف، أهمها الكسكسي والقلة التي تجتمع حولها الناس على مدار يومين، والمنطقة تعيش على وقع الأفراح والبارود وقراءة القرآن في أجواء بهيجة يسودها تنظيم محكم.