آباء يظلمون أولادهم ومختصون يؤكدون:

"عققت ابنك قبل أن يعقك"

"عققت ابنك قبل أن يعقك"
حياة بركوكي المختصة في علم الاجتماع العائلي والطفولة
  • القراءات: 546 مرات
أحلام محي الدين أحلام محي الدين

 ❊ بر الأباء بالأبناء مفهوم يختفي من قاموس البعض
 ❊ البر بالوالدين في الكبر نتاج التربية الصحيحة في الصغر  
 ❊ الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام حث على:  حب الأطفال.. تربيتهم.. تعليمهم.. تأديبهم.. اللعب معهم والعدل بينهم

يشكو الكثير من الآباء من تصرفات أبنائهم السلبية، ومن العقوق الذي يعد من أسباب دمار الفرد وخسارته في الدنيا والآخرة، فقد أمر الله تعالى بطاعة الوالدين بعد عبادته مباشرة، مصداقا لقولة تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا". وكم من بار فتحت له أبواب السماء والأرض، فعاش سعيدا قرير العين. ولأن أوجه البر مختلفة والعقوق أيضا بوجهين، فإننا اخترنا من خلال هذا "الملف"، أن نسلط الضوء على "عقوق الآباء للأبناء". ولنا في قصة الرجل الذي جاء إلى عمر بن الخطاب، يشكو عقوق ابنه، مثالا عما يحدث في زماننا، إذ عنف ابن الخطاب الولد على عقوقه لأبيه وأنبه على تمرده عليه ونسيانه لحقوقه، فقال له: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه ويحسن اسمه.. ويعلمه الكتاب، أي القرآن، قال الولد: يا أمير المؤمنين، إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني: جُعَلا (خنفساء) ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا..! فالتفت عمر إلى الأب وقال له: جئت إليَّ تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك..؟! قم عني.
ولأن الأبناء أمانة في حضن الآباء، وصحتهم الجسدية والنفسية والعقلية مربوطة بالتنشئة السليمة، بعيدا عن الضغوطات والمفاضلة بين الأبناء، وإعطاء الطفل الحق في الحديث والتعبير عما يجب أو يرفض، وحمايته من المخدرات والمفاسد، تحدث المختصون وأئمة لـ"المساء"، عن أوجه العقوق الموجودة وكيفية إعطاء كل ذي حق حقه.

 




حياة بركوكي المختصة في علم الاجتماع العائلي والطفولة.. سطوة حب التملك والأنانية تحطم الأبناء

أكدت حياة بركوكي، مرشدة أسرية، مستشارة تدريب احترافي في التنمية الذكائية والتواصلية مع الطفل، باحثة في بناء الشخصية وتعديل السلوك، وأخصائية اجتماعية في علم الاجتماع العائلي والطفولة ـ في تصريح لـ"المساء"، أن الكثير من الأبناء يعانون من نوعية حياتهم، بسبب تدخلات الآباء التي دفعتهم إلى عيش لا يحبونه، بالتالي تحطمت نفسيتهم وشغف العيش لديهم، وخلفت ضحايا في المجتمع يعانون من صدمات وخيبات.

أوضحت المختصة بركوكي، أن الأصل في التربية الصحيحة، هي أن تغرس في الأبناء القيم والثوابت وتغذي حاجياتهم العاطفية والعقلية، حتى يصبحوا راشدين، للاعتماد عليهم، وحتى لا نخشى على قلوبهم أو عقولهم، وجب أن ننشأ أبناء قادرين على الاختيار الصائب وصناعة القرارات، لأن الوالدين المتحكمين في مصير مستقبل أبنائهم، هم أكثر ضررا عليهم من نفعهم، فيتحول التدخل إلى تعصب وإجبار النفس على تحمل ما لا تطيقه.تقول بركوكي: "فدور الآباء هي التربية على زرع الثقة في النفس عند الأبناء، والقيم الثابتة، حتى يكبروا وهم يفرقون بين الخطأ والصواب، وقادرين على إدارة تحدياتهم وممارسة حياتهم بشكل طبيعي".

أشارت المختصة إلى أن من آثار التحكم وممارسة السلطة والسيطرة على الأبناء، عقوق الوالدين، حيث يصبح الأبناء يبحثون عن ملاذ خارج تحكمهم وولائهم، وكذا ظهور التمرد في سلوك الأبناء، إذ تولد الكثير من الأحقاد على الآباء، فنجد بعض الأبناء يكرهون آباءهم، وأحيانا يصل بهم الكره إلى ارتكاب جرائم ضدهم، أو أمراض نفسية تجعل الأبناء يأخذون الآباء إلى ديار العجزة، ويكون هناك ندم لاحقا من الآباء لا يمكن ترميمه أو إصلاحه، لأنهم في كثير من الأحيان، يبنون تدخلاتهم غير المدروسة نتائجها من أنانية وحب التملك، والوهم أنهم صائبون ومسيطرون، واتباع للأعراف، وينسون أن للأبناء حرية اختيار حياتهم، مثلا: "التخصص الدراسي، الزواج"، ويعتمدون على ما يرونه وفق وجهة نظرهم، ويحرمون الأبناء من التعلم أو اتخاذ مسؤولياتهم بأنفسهم.فيما يخص الطرق السليمة لجعل الأبناء يكبرون أسوياء متكلين على أنفسهم، قالت المختصة: "أولها تغيير الذهنيات، فالإنسان بصفة عامة، يرغب فيمن يعينه وليس من يتجبر عليه، ولو كان المتجبر من الآباء، وكذا مشاركتهم اهتماماتهم بحب ومساعدتهم وتقديم النصح والإرشاد دون ضغط أو إجبار، ودون أخذ حرية القرارات منهم، مع استعمال المرونة في محاكات أفكارهم".
وأضافت قائلة: "إن كانت التوجهات خاطئة، يقوم الآباء بإعطاء الأسباب المنطقية والمعقولة، وعرض البديل الأفضل، حتى يراها الأبناء ويناقشونها مع عقولهم، ثم يأخذون قراراتهم بأنفسهم، ومنه التحاور معهم بإنصات وتواصل إيجابي، دون غضب أو تسلط أو فرض رأي الآباء عليهم، مع استخدام أساليب التقويم والتعديل وأخذ أمور أبنائهم بعناية نفسية واجتماعية، وإعطائهم مساحة وفرصة بناء حياتهم، وفق تصوراتهم ورغباتهم، وتركهم يتحملون مسؤولياتهم في قيادة حياتهم، فأبناء اليوم هم آباء المستقبل".
في الأخير، أوصت المختصة بركوكي، الآباء، أن لا يكسروا في أبنائهم سلامتهم النفسية، وأن لا يغرسوا في قلوبهم الرعب من عقوق الوالدين والدعاء عليهم، تحت مسمى عقوق الوالدين، لأن الابن الذي يملك حرية الخيار، هو ابن بار بوالديه، مستقل عن سلطتهم.