الأخصائيون يدقون ناقوس الخطر ويدعون لتقنينها
عمليات الفيلر والبوتكس بمراكز التجميل.. مجازفة خطيرة

- 964

حذّر أخصائيون في الجراحة، النساء عموما، من الانسياق وراء مراكز التجميل ومحلات الحلاقة التي اتجهت في السنوات الأخيرة، إلى عرض خدمات في مجال الجراحة التجميلية، خاصة ما تعلق منها بحقن البوتكس والفيلر بالنظر إلى غياب التكوين وممارسة النشاط من أشخاص غير أخصائيين، داعين في هذا الإطار، وزارة الصحة إلى التدخل لفرض الرقابة، وضبط النشاط. وحثوا المشرّعين على سن قوانين صارمة لمثل هذه الممارسات التي يغيب فيها الاختصاص والتكوين، وتتسبب في تشوهات خلقية نتيجة الخطأ في استعمال المواد على الجلد.. من خلال هذا الاستطلاع، تسلط "المساء" الضوء على واحد من المجالات التي أضحت تعرف إقبالا كبيرا من المهووسات بالجمال، والراغبات في الحصول على شباب دائم. وتحدثت إلى أهل الاختصاص والممارسين للنشاط. كما تنقل بعض المقترحات لضبط هذا النشاط الذي يدرّ أموالا طائلة.
من خلال استطلاع للرأي لجسّ نبض النساء حول موضوع التجميل ومدى إقبالهن على عمليات التجميل الخفيفة ممثلة في البوتكس والفيلر لإخفاء علامات التقدم في السن، كانت الآراء متباينة بين من سبق لهن القيام بهذه الخطوة، خاصة في ما يتعلق بنفخ الشفاه وتوريدها، أو إخفاء بعض الخطوط الرفيعة والعميقة في الوجه، لا سيما تلك التي تظهر حول الفم عند الابتسام أو على الجبين. وحسبهن فإنها أكثر العمليات طلبا، بينما أعربت أخريات عن رفضهن التام لمثل هذه العمليات، بالنظر إلى النتائج السلبية التي تظهر فيما بعد، وهو ما لوحظ على عدد من المشاهير الذين تسببت لهم مثل هذه العمليات، في تشوهات وتورمات، في حين أشارت أخريات إلى أن مثل هذه العمليات الخفيفة أصبحت تضمنها صالونات حلاقة ومراكز تجميل غير متخصصة، حاصلة، فقط، على تكوينات ودورات بسيطة، وبالتالي فإن غياب التخصص يجعل الإقبال عليها مجازفة حتى وإن كان الثمن الحد من علامات التقدم بالسن.
ومن بين هذا وذاك اتضح لـ"المساء" أنه رغم وجود وعي بالآثار السلبية لعمليات التجميل الخفيفة عند البعض، إلا أن هناك من يجازفن رغبة منهم في الظهور دائما "جميلات ".
30 ألف دينار للبوتكس
تواصلت "المساء" مع عدد من مراكز التجميل بولاية البليدة لمعرفة طريقة العمل، ومدى الإقبال والأسعار، فاتضح أن هذه السوق غير مضبوطة، وأن الأسعار تحكمها المواد التي يتم استخدامها من حيث النوعية، وعدد الجرعات والجلسات. وعلى العموم، فإن سعر البوتكس يصل إلى 30 ألف دينار، وهو عادة الذي يوجَّه لإضعاف حركة العضلة على مستوى الجبين أو الوجنتين؛ للتخلص من التجاعيد. وتمتد صلاحية المدة من 4 إلى 6 أشهر.
وحسب بعض الأخصائيين في المجال، فإن السن المثالي لوضع البوتكس هو 30 سنة، غير أنّه، استثناء في حال ما إذا كانت الخطوط على الجبين ظاهرة كثيرا، يتم حقنه قبل هذه السن.
أما في ما يتعلق بالفيلر الذي يستخدم للتعبئة، حسب بعض المختصات في التجميل، اللواتي تواصلت معهن "المساء" عبر صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماع، فتصل إلى 3000 دينار. ويزيد سعرها حسب كمية الجرعة؛ لأن الفيلر مادة تُستخدم لتعبئة الأماكن التي تَراجع حجمها بسبب التقدم في السن. وتوضع عادة في أماكن واضحة من الوجه؛ منها عظمة الخد، والفك، والفك السفلي، وحول الأنف والفم، للتخلص من الخطوط الضاحكة وحول العين.
والخطورة، حسب المختصين في التجميل، تكمن في أنّ مثل هذا الإجراء التجميلي يحتمل الخطأ عند الوخز بالإبرة والإضرار بالأوعية الدموية؛ ما يسبب التشوه، لا سيما إن كانت عملية الحقن قريبة من العين، الأمر الذي يتطلب التحكم الجيد في العملية، والخضوع لتكوينات.
وعن نوعية زبونات عمليات التجميل الخفيفة بين الفيلر والبوتكس، أكدت بعض المختصات في التجميل أن مثل هذه العمليات تعرف طلبا كبيرا من مختلف الشرائح العمرية، حيث تقصدهن كبيرات السن وصاحبات 20 سنة. وحسبهن، فإن أكثر العمليات طلبا هي تلك المرتبطة بالتخلص من الخطوط الرفيعة التي تحيط الفم والعين، وكذا تعبئة الشفاه وتوريدها.
وما تبين لـ"المساء" من خلال التواصل مع عدد من المتخصصات في التجميل وتحديدا في البوتكس والفيلر، أن جل المستجوَبات أكدن أنهن لسن أخصائيات طبيات، وإنما خضعن لتكوينات مختلفة، بعضها في داخل الوطن وأخرى في الدول التي أحرزت تقدما في هذا المجال، مثل تركيا؛ ما يجعلنا نطرح التساؤل التالي: "هل يكفي لمباشرة التجميل أن يخضع المختص في التجميل لتكوينات فقط، أم يجب أن يكون طبيبا في الأساس؟ "..
الأخصائيون الجراحيون يدقون ناقوس الخطر
يرى الأخصائي في الجراحة الدكتور حاج مكراشي في حديثه مع "المساء" ، أن ما يحدث من انتشار كبير لعمليات التجميل الخفيفة التي يقوم بها أشخاص غير مختصين، يتطلب دق ناقوس الخطر.
ويردف المتحدث: "المفروض أن كل ما يتعلق بالإنسان من تغيير أو تعديل أو تجميل، يخضع لمراقبة المخ والمناعة؛ لذا لا بد أن يكون من يقوم بهذا العمل، في الأساس، طبيبا متخرجا؛ أي درس لسنوات، ثم تخصص مثلا في طب الجلد، خاصة أن مثل هذه العمليات المرتبطة بحقن الفيلر والبوتكس، كلها لها علاقة مباشرة بالجلد، وهو ما يغيب عمن يمارسون هذا النشاط؛ سواء بمراكز التجميل أو محلات الحلاقة، الأمر الذي نتج عنه تسجيل حالات خطيرة جدا تصل إلى حد التشوه نتيجة الخطأ عند الحقن، فتحدث تورمات.
من جهة أخرى، أشار الدكتور مكراشي إلى أن أي حقنة لا تتم من طرف طبيب أخصائي يعرف مواضع الحقن والمواد التي يقوم بحقنها، تشكل خطرا على الصحة؛ لأن أي مادة يتم حقنها، يبدي الجسم حيالها ردود أفعال مختلفة، فما يتقبله جسم معين قد لا يتقبله جسم آخر، الأمر الذي يتسبب في ظهور تشوهات، وتأزم الحالة الصحية لبعض النساء والفتيات من الباحثات عن الجمال، مشيرا إلى أن ما جعل مثل هذه الظواهر تنتشر هو غياب التشريع الذي يضبط مثل هذه الممارسات؛ فكل من هبّ ودب يمارس هذا النشاط الذي يُفترض أنه نشاط طبي. وأضاف أن بعض المضاعفات التي وقف عليها تلك المتعلقة بالبيرسينغ، فما بالك بالحقن!
والسؤال الذي ينبغي أن يُطرح بعيدا عن أهل الاختصاص، يقول الدكتور حاج مكراشي: "كيف يمكن المرأة أن تسلّم وجهها لمن لا تملك تكوينا أو غير مختصة في المجال الطبي؟"، يكفي فقط أنّها صادفت منشورا في منصات التواصل الاجتماعي، فتقبل عليها؟.
ويردف أن مثل هذه التصرفات تعكس لا مبالاة المهووسات بالجمال، خاصة إن كانت الأسعار مغرية.
وبالمناسبة، دعا الدكتور وزارة الصحة إلى الالتفات إلى مثل هذه الظواهر غير الصحية. ومن التشريع الجزائري أن يسنّ قوانين تتماشى مع هذه النشاطات غير المقننة، التي لا تخضع لأيّ رقابة وتدر أموالا طائلة، وتتسبّب في خلق مشاكل صحية، معلقا بالقول إن النساء مدعوات إلى التحلي بالوعي واختيار الأطباء الأخصائيين، الذين يمارسون مثل هذه الأنشطة بطريقة قانونية، فعلى الأقل إن كان هناك مشكل ما بالإمكان علاجه ومتابعة المتسبّب.
ومن جهته، أعرب الأخصائي في الأمراض السرطانية البروفيسور ياسين تركمان، عن أسفه لممارسة نشاط التجميل من أشخاص غير مختصين، في الوقت الذي يفترض أن يمارس هذا النشاط الأطباء فقط. وحسبه، فإن إجراء الفيلز والبوتكس، حتى وإن كان الممارس طبيبا، فلا بدّ له أن يكون خاضعا لتكوين متخصّص، لكن للأسف، "ما يحدث اليوم أن بعض المهتمين بهذا المجال يخضعون لتكوينات متخصصة لمدة يومين أو أكثر، ومن ثم يمارسون هذا النشاط. والنتيجة تكون كارثية! ".
من جهة أخرى، أشار المتحدث إلى أن تخصص التجميل في الجزائر يعيش فوضى عارمة، حيث أصبح كلّ من هبّ ودبّ يمارس هذا النشاط، بالنظر الى ما يوفّره من عائد مادي، في الوقت الذي يُفترض أن لا تباشره مراكز التجميل ومحلات الحلاقة، وإنما يمارسه أطباء خاضعون لتكوينات نوعية في المجال. وحسبه فإنّ أغلب الذين يمارسون النشاط هم "غير أكفاء، خضعوا لتكوينات سطحية"، الأمر الذي يتطلّب فرض رقابة صارمة، خاصة أنّ نتائجها وخيمة، لذا يختم البروفيسور تركمان قائلا: "لا بد للواتي تستهويهن عمليات التجميل أن يحسنّ اختيار الطبيب؛ لتفادي أيّ مضاعفات أو مشاكل يمكن أن تحدث".