قابض التذاكر،، عمل وسط المخاطر وحقوق مهدورة
- 3857
يشتكي عدد كبير من قابضيّ التذاكر، أو كما يطلق عليهم «الروسوفور» من حالات الظلم والتعسف التي يعانونها جراء مزاولتهم لعمل تقل فيه أدنى شروط التأمين أو السلامة، وهو الأمر الذي يدفعهم إلى معاملة مستعملي وسائل النقل لهم معاملة سيئة تصل إلى حد الملاسنة، باستخدام أبشع الألفاظ، كالسب والشتم، واستعمال حتى الأيدي، إن لزم الأمر في بعض المشاجرات، «المساء» حاولت من خلال هذا الاستطلاع تسليط الضوء على واقع هذه الفئة بالبحث في الأسباب التي دفعت البعض إلى ممارسة المهنة، رغم المخاطر التي تنطوي عليها.
كانت البداية من ساحة الشهداء، وهي المحطة التي تربط العديد من خطوط النقل نحو مناطق مختلفة، على غرار عين البنيان، باب الوادي، الرستمية (شوفالي) الخ ... اقتربنا من شاب كان ينادي على الركاب في الخط الرابط بين ساحة الشهداء وعين البنيان، وما إن طرحنا عليه السؤال حول ما يعانيه مع مستعملي هذا الخط وظروف العمل، أجاب بنبرة مستهزئة؛ «قابض التذاكر مثل المتسول ينتابه هذا الشعور بسبب نظرة الركاب الدونية إليه، وهذا العمل لو لم يكن بسبب الهروب من البطالة والبحث عن مصدر رزق لما عملته»، واستطرد قائلا؛ «الروسوفور حياته معلقة على مدى التزام السائق باحترام قانون المرور، لأن أي حادث قد يقع يجد فيه القابض نفسه في خبر كان»، ببساطة لأننا فئة غير مؤمنة يرفض السائقون تحمل مسؤولياتهم تجاهنا حتى لا يتكبدوا عناء دفع مبالغ مالية إضافية، من ناحية، ومن جهة أخرى دخولنا في شجارات مستمرة مع المواطنين وتحديدا النساء والمسنات، تجعل السائقين يفصلوننا عن العمل بسهولة ودون أن يشكل لهم ذلك أي تأنيب ضمير، يكفي أن يقولوا لنا كلمة واحدة وهي «من غدوة ماراكش خدام عندي»، ويضيف ؛ «أنا مثلا لا أعرف الاستقرار في المهنة، وفي كل مرة أغير فيها الخط لأنني بعد أن مارست هذه المهنة منذ حوالي سنتين أصبحت شخصا عصبيا ولا أتحمل أي تعليق»، وهو نفس الانطباع الذي لمسناه عند «وليد» العامل على الخط الرابط بين باب الوادي وساحة الشهداء، قال؛ «السبب الوحيد الذي دفعني إلى ممارسة هذا العمل هو البحث عن المال لأننا نتقاضى الأجر باليوم ويقدر تقريبا بـ1900دج، ولا أخفي عليكم أنه بمجرد أن أجد عملا سأترك هذه المهنة سريعا وببساطة، لأنها ليست مهنة الستقبل، فمن جهة نضطر إلى تحمل كل أصناف الناس الذين يجبروننا على احترامهم حتى وإن كانوا مخطئين، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى الدخول في شجار معهم، ومن ناحية أخرى غياب التأمين يدفعني إلى التفكير مليا في عمل آخر وأتعمد في كثير من الأحيان المماطلة والتأخر عن العمل ليتم طردي وإن لم أجد عملا آخر أعود إلى ممارسة المهنة في أي خط كان، فهذه المهنة تشترط على ممارسها أن يعرف كيف يعدّ المال فقط».
تركنا ساحة الشهداء وقصدنا محطة باب الوادي، ولعل الملاحظة الأولى التي استوقفتنا أن أغلب قباض التذاكر أو «الروسو فور» هم من الفئة الشابة لا تتجاوز أعمارهم 25 سنة، ترك أغلبهم مقاعد الدراسة مبكرا، وبالنظر إلى الحاجة الماسة لمصروف الجيب، استهواهم العمل كقابضين، اقتربنا من الشاب «علي»، وحول ظروف التحاقه بالعمل كقابض قال؛ «القابض هو المهنة الوحيدة التي يمكن لأي كان ممارستها من دون أية شروط ولا شهادة ويمكن للباحث عن عمل متى قصد هذا المجال أن يعمل بسهولة، لسبب واحد، لأنها كما يحب أن يسميها أصحاب الحافلات بالمهنة غير الثابتة أو المتغيرة بسبب تعاقب القباضين أو «الروسوفور»، وهو ما يفسر توفر منصب العمل فيها ويردف؛ «عني شخصيا لولا رحابة الصبر التي أتمتع بها وروح الدعابة وغض الطرف عن كل التعليقات وبعض الهفوات التي ترتكب كعدم التوقف في المحطة أو نسيان إرجاع المال للركاب و’الخطأ في الصرف’، لما مارستها لأنها مهنة مليئة بالمتاعب وكل مسافر يرغب في أن يعامل معاملة تليق به وهو ما لا يستطيع «الروسوفير» تحقيقيه لأن إرضاء الناس غاية لا تدرك.
وفي رده على سؤالنا حول بذاءة بعض قباض التذاكر واعتماد ألفاظ سوقية وغير مهذبة تصل إلى حد السب والشتم، جاء على لسان محدثنا أن مهنة «الروسوفور» التصقت بها صفة سيئة بعدما أصبح بعض الشباب من مُدمني المخدرات يمارسونها، «فلا يخفى عليكم ـ يضيف - أن بعض القابضين يتعاطون الأقراص المهلوسة، وبعضهم من خريجي السجون رغم صغر سنهم، وآخرون ينتمون إلى جماعات متشردة وجدت في هذه المهنة طريقا سهلا لكسب المال وتأمين بعض الحاجيات كشراء «الاكستازي»، وهو الأمر الذي اضر بهذه المهنة، وبحكم أن سائق الحافلة لا يستطيع العمل بمفرده، فإنه يضطر إلى توظيف أي كان مادام أن «الكورسة» مضمونة، وهو ما أساء إلى هذه المهنة كثيرا، وجعل كل الركاب ينظرون إلى القابض نظرة دونية، رغم أن بعضهم يحوزون على شهادات جامعية، فبحثهم المضني عن عمل دون جدوى جعلهم يعملون في هذا المجال، غير أن أغلبهم يتركون العمل مبكرا خاصة إن كانوا لا يتحملون استفزاز الركاب لهم.
السائقون غير ملزمين بتأمين القابض!
على الرغم من أن أغلب الشجارات التي تقع داخل الحافلات بين القابض والركاب تحل بطرق لا ترضي أي طرف، كون القابض يبدأ وينهي الشجار بالسب والشتم دون أدنى احترام لغيره، يبقي الراكب في حالة غليان وفي كثير من الأحيان يغير الحافلة مضطرا حتى يتجنب العراك بالأيدي، بينما يتم حل النزاعات التي تقع في المحطة من طرف المنظم، وهي المهنة التي أوكلت لبعض الأعوان التابعين للمرافق الإدارية على غرار البلديات لفك ما أمكن من الشجارات، حسب السيد عمر بكري منظم الحافلات بمحطة النقل في ساحة الشهداء، الذي قال؛ «بأن محطات النقل تعرف يوميا مشادات يتسبب فيها «الروسوفور» الذي يرغب دائما في تكديس الحافلة، غير أن قلة أدب القابض ونرفزة المواطن تزيد الشجار حدة ولا أخفي عليكم أن هذه المهنة أصبحت تمارس من كل من هب ودب، يكفي فقط النظر إلى هيئة «الروسوفور» التي لا توحي أبدا بحيائه أو أدبه، وهو ما جعل مثل هذه الشجارات تقع يوميا»».
وإذا كان هذا هو حال «الروسوفور»، فما هو رأي سائقي الحافلات؟ تجولنا بمحطة شوفالي وفي دردشتنا مع بعض السائقين، وفي ردة فعل غير منتظرة، ثارت ثائرة أحد السائقين الذين تحدثنا إليهم في الخط الرابط بين القبة وشوفالي حول مسألة تأمين القابض بالقول؛ «كيف يمكن لنا أن نؤمنهم ونحن غير مؤمنين أصلا؟ لأننا لا نعمل في حافلاتنا، شأننا شأن القابض، فحياتنا مهددة في أية لحظة ولا نملك أي حق، وهو السبب الذي دفع ببعضنا إلى الاعتماد على التأمين الشخصي، وأردف؛ «قطاع النقل الموجه للخواص يعيش حالة من الفوضى في ظل غياب الرقابة، وكل من يقصده من أجل العمل يتطلع من ورائه إلى كسب أكبر قدر من المال فقط، لأنه مجال مربح، بينما تساءل عبد القادر سائق حافلة منذ السبعينات، عن السبب الذي يدفعه إلى ضمان حق القابض في التأمين، في الوقت الذي لا يلتزم بالعمل بصورة مستمرة، مشيرا إلى أن مهنة القابض كانت ولا تزال غير مستقرة، يمارسها من لا يجد عملا لأنها سهلة ولا تتطلب أي مؤهل. ومن جهة أخرى، عدم جدية القابضين، من فئة الشباب عموما، يدفع إلى عدم الاكتراث بحضورهم أو غيابهم عن العمل مادام هناك من يعوضهم من شباب آخرين بحاجة إلى فرصة عمل، بالتالي التأمين لا يعتبر مطلقا مشكلة بالنسبة لنا لأن علاقة العمل التي تربطنا بهم تقوم على العمل مقابل أجر يومي وإن تعرض لحادث، فهو مسؤول عن كل ما يصيبه حتى وإن وقع الحادث مع أحد الركاب.
رئيس الاتحادية الوطنية لنقل المسافرين والبضائع:
التوظيف في الشارع خلق فوضى في مهنة القابض
يعيش النقل الخاص في الجزائر، حسب عبد القادر بوشريط، رئيس الاتحادية الوطنية لنقل المسافرين والبضائع، حالة من الفوضى العارمة بسبب غياب الميكانيزمات الضرورية لتنظيمه، حيث قال؛ «حقيقة هناك قوانين وجدت لضبط حركة النقل في القطاع الخاص، غير أن المشكل الذي يطرح هو عدم وجود مخطط ميداني واضح، الأمر الذي ترتب عنه العديد من العراقيل بدأت من العشوائية في توزيع خطوط النقل، حيث نجد من جهة بعض الخطوط تحوي عددا كبيرا من الحافلات وخطوط أخرى تشكو النقص، وانتهت بالوضعية المزرية التي يعاني منها قابض التذاكر لأن تشغيلهم يتم في الشارع، الأمر الذي أثر سلبا على هذه المهنة وجعلها لا تعرف الثبات وتمارس من دون أية ضوابط قانونية».
مهنة القابض أو «الروسوفور» على الرغم من أهميتها، إلا أن الطريقة التي يتم بها التشغيل هي التي أساءت للمهنة وأضرت بها، حسب محدثنا، حيث قال؛ «في اعتقادي، الشكاوى التي تصدر عن المواطنين نتيجة معاملة القابض السيئة للركاب راجعة لافتقار هؤلاء للتكوين في طريقة المعاملة وفنيات ممارسة المهنة، إذ يتم توظيفهم بمجرد أنهم يبحثون عن عمل، بغض النظر عن مستواهم وأخلاقهم، وهم عادة شباب لا تتعدى أعمارهم 25 سنة ويجري التأكد فقط من أنهم يحسنون عدّ النقود، وبعد الاتفاق على الأجر الذي عادة يتراوح بين 1500 إلى 1800 دج يوميا، يشرع القابض في العمل.
وفي رده على سؤالنا حول تأمين «الروسوفير» الذي يعتبر الشغل الشاغل لبعض الراغبين على قلتهم في امتهان هذا العمل بصورة دائمة، جاء على لسان محدثنا أن أغلب قباض التذاكر يرفضون تأمينهم لأنهم يمارسون هذه المهنة بصورة مؤقتة، لهذا نجد أن أغلب المسؤوليين المدنيين، أي ملاك الحافلات، لا يعيرون هذا الحق أية أهمية رغم أن أي حادث قد يقع لسائق الحافلة، أو القابض من المفروض ـ حسب قانون النقل ـ أن يتحمله المالك، إلا أن غياب ما يثبت أن السائق والقابض يعملان بصورة قانونية يجعل حقوقهم تضيع في مهب الريح، وهو ما خلق لنا أيضا ـ يضيف ـ صعوبة في تقديم إحصائيات واضحة حول عدد العاملين في القطاع من القابضين نتيجة عدم الاستقرار بالمهنة، مما جعل تنظيمها صعبا.
نطالب كاتحادية وطنية لنقل المسافرين بإعادة تنظيم النقل في القطاع الخاص بالنظر إلى الفرص الكبيرة التي يتيحها في مجال التشغيل، لاسيما أننا نحصي حوالي 6 آلاف حافلة نقل خاصة من ناحية، لحماية العاملين بالقطاع وتحديدا قباض التذاكر من الجهات المعنية لفتح تكوينات لهذه الفئة بهدف تحسين نوعية الخدمات وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم، ولا نخص بالذكر القابض فقط، بل حتى السائق مطالب بالتكوين ليرقى إلى صفة السائق المحترف، ومن جهة أخرى التأكيد على إعادة النظر في القوانين الخاصة بمعاقبة المخالفين.