مدفوعين برغبة الاهتمام بالصحة وسلامة البدن

قاعات الرياضة.. قِبلة الباحثين عن روتين حياة مفعم بالحيوية

قاعات الرياضة.. قِبلة الباحثين عن روتين حياة مفعم بالحيوية
  • 267
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

شهد المجتمع الجزائري خلال السنوات الأخيرة، تحوّلا لافتا في نمط الحياة اليومية، تجلى ذلك بشكل واضح، في انتشار ثقافة ممارسة الرياضة داخل القاعات الرياضية، التي ينتعش الانتساب إليها من جديد بعد الانخفاض التدريجي في درجات الحرارة خلال هذه المرحلة من السنة. فلم تعد ممارسة الرياضة بأنواعها ورفع الأثقال، حكرا على فئة معيّنة من الناس، بل أصبحت نمطا مشتركا يجمع بين النساء والرجال، وحتى الأطفال، الذين باتوا يقصدون هذه القاعات ليس فقط لبناء أجسام رياضية، بل لأهداف صحية، ونفسية، واجتماعية تتكامل فيما بينها.

بدأت هذه الثقافة بالانتشار التدريجي منذ ما يقارب العقدين، إلاّ أنّ تسارعها الكبير كان في السنوات العشر الأخيرة، مدفوعة بزيادة الوعي الصحي، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي سلّطت الضوء على أهمية العناية بالجسد، وضرورة تبنّي نمط حياة نشط، وصحي، فلم يعد الذهاب إلى القاعة الرياضية مقتصرا على الرياضيين المحترفين أو أولئك الساعين لخسارة الوزن، بل أصبح جزءا من روتين يومي للكثيرين، تماما كما هي حال الذهاب إلى العمل أو الدراسة.

وداخل هذه القاعات تتوزّع الأجسام، والأعمار، وكذا الرغبات. تجد السيدة التي جاءت لتستعيد لياقتها بعد الولادة، والرجل الذي يسعى لمقاومة آثار الجلوس الطويل في المكتب، والطفل الذي يتعلّم الالتزام والانضباط من خلال تمارين القوّة والمرونة، والمراهق الذي وجد في الرياضة متنفّسا من ضغوط الحياة، ومصدرا لتعزيز ثقته بنفسه، أو حتى كبيري السن الذين قرّروا عدم الاستسلام لآثار الزمن، وإصلاح ما يمكنه؛ حفاظا على السلامة البدنية، والصحة، وإبعاد شبح الأمراض المزمنة التي يضاعف حدّتَها الجلوس والخمول دون حركة.

وعي بقيمة الحركة 

في حديث "المساء" مع "دادي" (دحمان) أحد المدرّبين داخل قاعة رياضة ببلدية باب الزوّار، قال: "ما ألاحظه اليوم يبعث على الفخر. فلم تعد الرياضة ترفا أو هواية عابرة، بل أصبحت ضرورة معترف بها من الجميع، ونظام حياة جديد يتبنّاه البعض لسنوات طويلة وليس كنزوة عابرة لأسابيع قليلة"، مضيفا: "أستقبل يوميا طلاب مدارس، وموظّفين، وربات بيوت، ومسنين، كلّ واحد منهم لديه هدف مختلف، لكن الجميع يشتركون في إدراك أهمية الحركة لصحة الجسد والعقل على السواء. فالرياضة تعني الانضباط، وتعني احترام الذات، والتطوّر المستمر. وأرى تغيّرا مذهلا في سلوكات المتدرّبين بعد فترة قصيرة من الالتزام، ليس فقط على الصعيد البدني، بل أيضا النفسي والاجتماعي".

وما يدعو للتأمّل، يضيف المدرّب، مشاركة الأطفال في هذه القاعات. ففي السابق كانت الرياضة بالنسبة للأطفال محصورة في ساحة المدرسة أو اللعب العشوائي في الشوارع. أما اليوم فقد أصبحوا يرافقون أهاليهم إلى القاعات، يتعلّمون التمارين بحماسة، ويكتسبون عادات صحية منذ سنّ مبكرة؛ فهذا الجيل الذي ينمو في بيئة تشجّع النشاط والاهتمام بالجسد، سيكون، بلا شكّ، أكثر وعيا، وأكثر صحة من الأجيال السابقة.

وشدّد المتحدّث على أنّه لا يمكن إغفال التأثير الإيجابي للرياضة على النساء اللواتي اقتحمن القاعات بثقة، مدفوعات برغبة حقيقية في الاهتمام بصحتهن وسلامة بدنهن؛ فالكثير منهن وجدن في الرياضة قوّة جسدية، تنعكس على قوّتهن النفسية، وتقديرا لذواتهن يتجاوز الشكل الخارجي نحو الإحساس بالراحة الداخلية والثقة.

أما من الناحية الصحية، يقول دحمان، فلا يخفى على أحد ما تقدّمه ممارسة الرياضة من فوائد كثيرة، فهي تقي من أمراض العصر كالسمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم. وتُحسّن المزاج من خلال تحفيز إفراز هرمونات السعادة، وتزيد من طاقة الفرد وقدرته على التركيز. كما تساهم في تقوية جهاز المناعة، وتعزيز نوعية النوم، وهنا تجد الملتزمين بالرياضة أقلّ تعرّضا للإصابات بالأمراض، حتى الأنفلونزا مثلا، تتراجع إصابتهم بها خلال موسم الشتاء بفضل الرياضة التي يمارسونها بانتظام، والتي ترفع مناعتهم، وتعزّزها.

وما يجعل هذه الظاهرة أكثر جمالا، يضيف، التحوّل المجتمعي في النظرة إلى الرياضة، فبعد أن كانت في نظر البعض مضيعة للوقت أو مقتصرة على فئة الشباب، أصبحت اليوم عنوانا للوعي والثقافة، ومؤشّرا على الرغبة في العيش بجودة عالية، ووعي صحي. وبفضل الحملات الإعلامية، والدور المتزايد للمدارس، والمبادرات الحكومية التي شجّعت على فتح القاعات الرياضية، وتسهيل الوصول إليها، أصبح من الطبيعي أن تجد في كلّ حي أكثر من قاعة رياضة، حتى في البلديات الأكثر عزلة، نابضة بالنشاط من الصباح حتى ساعات متأخّرة ليلا للبعض منها. فالرياضة، يشدّد المتحدث، لم تعد اليوم خيارا، بل أصبحت ضرورة يومية لا غنى عنها. وهي انعكاس لتطوّر الوعي المجتمعي، وخطوة نحو مجتمع أكثر صحة، يجمع بين قوّة الجسد ونقاء الفكر. 

وعن أسعار الانتساب والاشتراك في تلك القاعات يقول محدّث "المساء" ، إنّها تتراوح بين 2000 دينار جزائري ليصل بعضها إلى 20 ألف دينار للشهر الواحد، فكلّ قاعة وما تمنحه من عروض خاصة، أغلبها نفس المنطق، لكن كلٌّ تعتمد على آلات معيّنة من رفع الأثقال، وتسهيل الرياضة من أجهزة متطوّرة. وتختلف، كذلك، أسعار الاشتراك حسب ساعات الأسبوع. ومنها من لديها مسبح خاص، أو مدربون شخصيون ينتبهون للمنتسب بدقة، ويرافقونه في رحلته نحو بناء جسم أحلامه.