تأثير صحة الأم والطفل على الوفيات الرضّع بالجزائر

قفزة نوعية في التكفل الصحي

قفزة نوعية في التكفل الصحي
  • 239
وردة زرقين وردة زرقين

❊ رقمنة قطاع الصحّة تمت بوتيرة جيّدة

❊ رفع مستوى الوعي الأسري ضروري 

❊ 8.18 ٪ من تلاميذ المدارس يعانون السمنة

طرح أساتذة جامعيون ومتخصّصون في ملتقى علمي وطني نظّمه قسم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة 8 ماي 1945 بقالمة، مؤخرا، إشكاليات صحّة الأم والطفل في الجزائر. وباعتبار أن الموضوع أساسي في المجتمع الجزائري، فقد شكّل الملتقى الأول حول "تأثير صحّة الأم والطفل على وفيات الأطفال بالجزائر"، فرصة لتسليط الضوء على التحدّيات المرتبطة بصحّة الطفل والأم، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي عليها، وكذا معايير ومؤشرات السياسة الصحّية للأم والطفل ببلادنا.

أوضحت الأستاذة حياة طاهري من جامعة سطيف 2 في مداخلتها الموسومة بـ«صحة الطفل وتغذيته في الجزائر"، أن الجزائر حققت تقدّما كبيرا في تحسين صحّة الأطفال في العقدين الماضيين، مع تسجيل انخفاض معدل وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة. كما تم القضاء على مرض شلل الأطفال سنة 2016، والملاريا سنة 2019، إضافة إلى تغطية الرعاية الصحّية للأمهات شبه كاملة، حيث بلغت النسبة 99 ٪ من الولادات بالمساعدة الطبية.

وأضافت طاهري أنه رغم ما حققته الجزائر من تقدّم في مجال صحة الأم والطفل ضمن إطار السياسة الوطنية للصّحة، إلا أن الواقع يكشف عن استمرار تحدّيات معتبرة، خصوصا في ما تعلق بسوء التغذية والتوازن الغذائي عند الأطفال، لا سيما في المناطق الداخلية والجنوب، بحيث تشير بعض الإحصائيات الوطنية إلى أن نسبة التقزّم بين الأطفال دون سّن الخامسة، لاتزال مقلقة في بعض الولايات خاصة الجنوبية، حيث سجلت نسبة التقزّم ما يقارب 11.7 ٪ على المستوى الوطني، وفق تقارير الديوان الوطني للإحصائيات، فيما ترتفع النسبة في المناطق الريفية، وأقل منها في المناطق الحضرية. كما إن مشكلة فقر الدم مرتبطة بنقص الحديد. وتبقى منتشرة بنسبة تتجاوز 30 ٪ في أوساط الأطفال والأمهات الحوامل.

الدولة الجزائرية وضعت عدة برامج للتغذية

وبما أن صحّة وتغذية الطفل تُعد من أهم المؤشرات الحيوية التي تعكس جودة الرعاية الصحّية ومستوى الوعي المجتمعي داخل أي دولة، أكدت حياة طاهري أن الدولة الجزائرية بادرت بوضع عدة برامج لتحسيس تغذية الأطفال، أبرزها البرنامج الوطني للتغذية الصّحية المدرسية، وكذا تعزيز التلقيح المجاني، والطب المجاني للأطفال، إلا أن نجاح هذه السياسة يتطلب التنسيق بين القطاعات إلى جانب رفع مستوى التوعية الأسرية.

وفي ما يخص التغذية والتحدّيات، قالت إن الأطفال دون سّن الخامسة يعانون من التقزّم بنسبة 8 ٪، وهو مؤشر أقل من المتوسط الإفريقي الذي سجّل 30.7 ٪، في حين شكّلت السمنة مشكلة صحّية عامة، وهي في تزايد، حيث يعاني 12.8 ٪ من الأطفال دون سّن الخامسة، من زيادة الوزن مع معدل أعلى في المناطق الشمالية الوسطى والغربية.

أما في ما يخص معدل الرضاعة الطبيعية الحصرية للرضع إلى 5 أشهر، فهو منخفض، إذ قُدر بنسبة 28.6 ٪. و82 ٪ من الأمهات يتوقفن عن إرضاع المولود بعد ثلاثة أشهر بسبب العمل، ونقص الحديد. كما أشارت المتحدثة إلى أن الأطفال في المناطق الحضارية يستهلكون أطعمة غنية بالكربوهيدرات والدهون، ما يساهم في زيادة الوزن. ونسبة 8.18 ٪ من تلاميذ المدارس يعانون من السمنة.

دور الرقمنة في تحسين جودة الخدمات

أما الأستاذة ريمة دغموشي من جامعة "ثليجي عمار" بالأغواط، فقد ركّزت في مداخلتها بعنوان: "رقمنة الصحة كآلية في تحسين صحة الأم والطفل"، على الدور الذي تلعبه الرقمنة في عملية تحسين جودة الخدمات المقدّمة للأم والطفل. وقالت إن عملية رقمنة قطاع الصحّة ببلادنا جرت بوتيرة جيّدة، خاصة وقد تم التجهيز لها من خلال البنية التحتية بموثوقية عالية جدا، بحيث 40 منصّة إلكترونية يستخدمها قطاع الصحّة ضمن مجموعة من الخدمات تخدم مختلف المصالح، على غرار مصلحة الموارد البشرية، ومصلحة السّجل الإلكتروني الذي يسمح بتوجيه المرضى داخل المستشفيات باستعمال سجل طبي مرقمن. هذا الأخير من شأنه تخفيف أعباء الانتظار عن المواطنين، إضافة إلى إطلاق آخر منصّة خاصة بالأرشيف الرقمي، ما يسمح بحفظ معطيات وبيانات هامّة جدا. ومن خلالها يمكن دراسة الواقع الصحي للمواطن الجزائري، وكيفية تجويد حياته الصحية. 

كما أشارت ريمة دغموشي إلى الآليات الرقمية للرعاية الصحّية للأم. وأعطت بعض الأرقام؛ منها نسب الولادات في المؤسسات الصحية لولاية قالمة سنة 2024، حيث بلغت 7 ٪ في المؤسسات العمومية للصحة الجوارية، و85 ٪ على مستوى المؤسسات الاستشفائية العمومية، و8 ٪ في المؤسسات الاستشفائية الخاصة.  

وتناول الدكتور عز الدين بوهراوة من جامعة سطيف 2 في مداخلته الموسومة بـ«وفيات الأطفال في الجزائر بين سنة 2015 و2023"، تطوّر معدلات وفيات الأطفال خلال السنوات الأخيرة، مبرزا العوامل المؤثرة فيها. وقال إنه سُجّل تحسّن مؤشر وفيات الأطفال في الجزائر في السنوات الأخيرة، خاصة بعد جائحة كورونا، موضحا أن السياسة التي انتهجتها الجزائر في تحسين صحّة الطفل والمرأة في الجزائر، جعلت الجزائر دولة ناشئة حسب المعايير التي تعتمدها منظمة الصحّة العالمية، والتي تخص تطوير وتحسين مؤشر وفيات الأطفال بنسبة 18 في 1000 لكل طفل؛ أي لكل 1000 ولادة يُسجّل 18 وفاة،  وبالتالي فإن الجزائر خطت خطوات عملاقة في هذا الشأن.

وقالت الدكتورة جلالة الويزة من جامعة 8 ماي 1945 بقالمة، في مداخلتها "الرعاية الصحّية للأم والطفل بين المواثيق الدولية والشريعة الإسلامية والقانون الجزائري: قراءة تحليلية"، إنها جميعا تكفل حقوق الأم والطفل في مجال الرعاية الصحّية، وحماية الطفل جسميا، ونفسيا، وعقليا منذ نشأته إلى بلوغه سّن الرشد.

القانون الجزائري يولي أهمّية بالغة للرعاية الصحية للأم والطفل

أوضحت جلالة الويزة أن القانون الجزائري يولي أهمّية بالغة في مجال الرعاية الصحّية، للأم، وكذلك الطفل قبل ولادته، مرورا بجميع مراحل تطوّره إلى غاية الولادة. كما تستمر معه هذه الرعاية حتى بلوغه سّن الرشد. واهتم القانون بصحّة الأم من مختلف النواحي؛ النفسية، والاجتماعية، والجسدية. وحرص المشرّع الجزائري على حماية الأطفال دون تمييز بما في ذلك الرعاية الصحية. 

وعلى أساس الإحصائيات الصحيّة لسنة 2018، أوضحت أن حساب معدل التغطية بالأطباء المتخصصّين في طب النساء، لا يتعدّى طبيبا واحدا لكل 10.000 امرأة في سن الإنجاب، بينما التغطية بالأطباء المتخصّصين في طب الأطفال، تقارب طبيبين لكل ألف طفل بين 0 إلى 1 سنة. وبخصوص الرعاية الصحّية للأم والطفل في الشريعة الإسلامية، أكدت المتحدثة أن التشريع الإسلامي أحاط الطفل بالرعاية. وأقرّ له من الحقوق ما يضمن له حياة كريمة. وحرّم كل أنواع الاعتداءات التي تمس هذا الحق. 

كما أشارت الدكتورة جلالة في تدخّلها، إلى الرعاية الصحية للأم والطفل في المواثيق الدولية، من خلال المواد 24 و25 و32.   ودعت الدكتورة لامية بخوش من جامعة 8 ماي 1945 بقالمة، المؤسسات الصحيّة إلى إنشاء صفحات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، لتوعية المرأة الحامل، يشرف عليها مختصّون، يقدّمون نصائح لتوعية المرأة الحامل، تكون أكثر وضوحاً وشفافيةً وتأكيداً من حيث التغذية، ومتابعة الفحص والأمراض، وحتى المؤسسات التي يمكن أن تستنجد بها في حال أي خطر تشعر به؛ لتفادي المعلومات المزيّفة التي تنشرها بعض الصفحات؛ ما يشكّل عليها خطرا، وعلى الحمل.