الاحتفال بالنجاح بالطيش والتبذير

مظاهر دخيلة تثير السخط والقلق

مظاهر دخيلة  تثير السخط والقلق
  • القراءات: 422
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

أخذت أجواء الاحتفال بالنجاح في شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط، خلال السنوات الأخيرة، بُعدا مخالفا عن المتعارف عليه، وباتت مرادفة للصخب والتبذير وكذا التهور، وأحيانا سرعان ما تتحول الفرحة إلى قرحة، فزع وصدمة، بسبب حوادث يروح ضحاياها الناجحون في حد ذاتهم.

مظاهر احتفالات دخيلة على مجتمعنا، تبناها شباب يعبرون عن فرحتهم بأساليب صاخبة، كالخروج في مواكب والقيادة بشكل متهور وسرعة فائقة، في حين تشتعل أجواء أخرى بالمفرقعات وإطلاق البارود، الذي قد ينتهي بخبر سيء، في بعض الأحيان، إلى حين تنظيم احتفالات في قاعات حفلات، وتنظيم أجواء "أعرس" للناجحين، تعبيرا من الأولياء عن فرحتهم بنجاح أولادهم.
بعد انتظار طويل ومقلق لمعرفة نتائج الباكالوريا، استقبل الناجحون تفوقهم بزغاريد ودموع فرحة، وضحكات وتعابير لهذا الاستحقاق الهام، الذي يعد نقطة فاصلة في حياة الطالب الناجح، ولكافة أهله، الذين شاركوه سهراته وتعبه، ودعموه بمصاريف دروس خصوصية، والاستيقاظ باكرا، وغيرها من التضحيات التي تجعل الفوز بهذه المحطة نقطة مهمة في حياة الفرد.
كان الاحتفال والتعبير عن تلك الفرحة في سنوات مضت، يقتصر على زغاريد تتعالى في البيت لحظة خروج النتائج، يليها توزيع حلويات ومشروبات على الجيران، ثم تقوم العائلات ميسورة الحال، بإقامة ما تسميه الأسر الجزائرية بـ"القهوة" للأقارب والأحباب والأصدقاء، تدعوهم فيها ربة البيت لمشاركة فرحة طفلها، ليقدم المدعوون مبلغا ماليا أو هدية تشجيعية نظير التفوق.
ويعد الاحتفال بالنجاح الدراسي، سواء التخرج أو نهاية الطور الابتدائي أو المتوسط، خصوصا النجاح في شهادة البكالوريا، من المظاهر الاجتماعية البارزة في الجزائر، منذ سنوات عديدة، ولم تتوقف تلك الاحتفالات، إلا أن المبالغة فيها قد تفاقم، وأصبح التعبير عن الفرح مناسبة للاستعراض، وفرصة للبذخ والتبذير، إذ أصبحت بعض الاحتفالات قريبة من احتفالات "الزفاف" من حيث المصاريف وعدد المدعوين.

ألعاب نارية ومواكب استعراض.. أولى مظاهر الاحتفال

على عكس شعوب أخرى، يعد النجاح في شهادة البكالوريا حدثا فريدا ومُنتظرا عند العائلات الجزائرية، بسبب ما يعطى له من اهتمام كبير، كونه الفاصل بين مرحلتين من التعليم الثانوي والجامعي، يجتازه التلميذ وعائلته بالكثير من القلق، وغالبا ما تكون سنة اجتياز الباكالوريا لطفل في البيت، هي سنة "مخيفة" لكافة أهله، فالتعبير عن الفرحة عند النجاح هو أمر مفروغ منه، لكن طريقة التعبير عنها باتت تختلف مع مرور السنوات، وكأنها تزيد صخبا سنة بعد الأخرى، واليوم أصبحت هذه الاحتفالات مباشرة بعد الكشف عن النتائج، حيث يخرج الناجحون في مواكب سيارات ودراجات نارية، مع إطلاق العديد من المفرقعات بمختلف أشكالها وأنواعها والمعروفة بـ"اليفيميجان"، وتستمر تلك الاحتفالات إلى غاية منتصف الليل، ويجتمع الشباب والأصدقاء بعدها في مقاه ومطاعم، يرون فيها جوا من الحرية والمتعة.

عادات أوروبية وليدة الملاعب

عن هذا الموضوع، تقربت "المساء" من المختص في علم الاجتماع، عبد الكريم مدور، الذي حدثنا عن حقيقة تلك الاحتفالات الدخيلة، مؤكدا أن هذه الظاهرة برزت في الجزائر خلال مواكب الزفاف، واشتدت في كأس إفريقيا 2008، حين كان يحتفل الجزائريون بانتصاراتهم، وهو ما جعلها ترسخ كعادة في ذهنيات البعض، للتعبير عن الفرحة أمام الجمهور، لدرجة أنها باتت تتكرر مع كل مناسبة، للتعبير عن الفرحة والبهجة التي يعيشها المواطن، يشارك فيها الكبير والصغير، الرجل والمرأة، تنطلق تلك المواكب من البيت لتجوب مختلف الشوارع ووسط المدينة.
أشار المختص، إلى أن الطعم الاجتماعي الذي كان يميز أجواء النجاح قبل سنوات، وكان يعكس الكثير من مظاهر المودة والتآزر والتعاطف، ومواساة الراسبين وتحفيزهم على النجاح في السنة الموالية، لم يعد له طعم، بل وتميزه أجواء صاخبة وخطيرة، إذ باتت بعض تلك المظاهر الاحتفالية تضع حياة الفرد في خطر، وتهدد البعض الآخر بالموت.
وقال مدور، إن النزعات الجديدة يتبناها شباب اليوم بأساليب صاخبة، راجع إلى حبه للتقليد الأعمى، وفراغه ومحاولته جذب الانتباه، فضلا على تفتحه على القنوات الأجنبية، مشيرا إلى أن الاحتفال على طريقة الخروج في مواكب سيارات، ظاهرة أجنبية كانت تمارس عند تفوق فريق في مباراة كرة قدم، إذ يخرج المناصرون للاحتفال بفوزهم.

عادات يستهجنها الإسلام

في هذا الخصوص، أوضح الإمام محمد لعزوني، أن بعض المظاهر التي نشهدها اليوم في احتفال الشباب المتفوقين، وما ينظمه الأولياء لهم كمبادرة تشجيعية، يتنافى مع التعاليم الإسلامية، بل وبعضها مخالف تماما، ويدخل في باب التبذير والإسراف، والمبالغة في التكاليف، مضيفا أن لا حرج ولا عيب ولا حرام في الاحتفال بالنجاح، تعبيرا عن الفرحة، لكن أن يكون ذلك وفق قواعد بعيدة عن التبذير الذي قد نشهده اليوم، وأشار إلى أن بعض العائلات تلجأ إلى تنظيم حفل صاخب شبيه بحفلات الزفاف، قاعة حفلات، ومتعهد طعام، وحلويات مشكلة وعشاء وهدايا وغيرها من التفاصيل، التي تكلف العائلة مبالغ طائلة، قد تجعلهم يدخلون في ضيق مالي مباشرة بعد الاحتفال، على عكس ما عهدته العائلات سابقا بتنظيم عزيمة عشاء أو قهوة فقط للأقارب والعائلة.
وأضاف الإمام أن "العين حق"، فيمكن لكل ذلك البزخ والمبالغة أن يتسبب في العين لصاحبها، ورغم أن غالبية الجزائريين يؤمنون بالعين وبقوتها وقوة الحسد، إلا أن نفس هؤلاء لا يترددون في إظهار ما لديهم، ولا يعرفون التعبير عن فرحتهم دون مبالغة، فيعرضون بذلك أنفسهم وأحباءهم لخطر "العين"، التي هي حق مذكور في ديننا الحنيف.
ومن المظاهر الأخرى التي استهجنها الإمام، تعريض النفس للخطر، حيث قال "لقد سبق وأن سجلت المصالح الأمنية، حوادث مرورية خلال المواكب التي يقودها شباب متهورون، بصفة جنونية، تعرض حياتهم وحياة باقي مستعملي الطريق للخطر، والموت كذلك، وهذا نوع من إلقاء النفس إلى التهلكة وقريب من الانتحار، فالطيش والتهور في السياقة والانعراج في كل الاتجاهات والخروج من نوافد السيارات، غالبا ما تكون نتيجته، حوادث مرورية مميتة".
في الأخير، حذر الإمام من تلك السلوكيات التي وصفها بالخطيرة، داعيا الأولياء إلى ضرورة حث أبنائهم على أهمية التحلي بروح المسؤولية تجاه النفس والغير، واحترام خصوصيات المجتمع وتقدير النجاح بطرق أخرى، كإخراج الصدقات وإكرام الأهل والأقارب وشكر الله على نعمه، بدل التهور وتعريض الحياة للخطر.