سوق "لاندريولي" بسطيف
من "فيرمة" معمّر إلى أكبر سوق شعبي
- 839
يُعد السوق اليومي عباشة عمار أو كما يُعرف لدى سكان سطيف بـ"لاندريولي"، من الأسواق الشعبية التي تشهد إقبالا كبيرا من المتسوقين من جميع أحياء مدينة سطيف، وحتى من خارجها؛ لما يتميز به من خصائص، أبرزها الأسعار التي هي في متناول الجميع، سيما العائلات المعوزة، إلى جانب الوفرة في الخضر والفواكه والألبسة والأواني، بالإضافة إلى اللحوم بنوعيها.
يعود تاريخ إنشاء هذا الفضاء التجاري (سوق لاندريولي)، إلى مطلع ثمانينات القرن الماضي، فوق قطعة أرضية محاذية لحي المستقبل (أوندري يولي) سابقا. البداية كانت عبارة عن منطقة لبيع الدواجن في الهواء الطلق، قبل أن تتسع دائرة النشاط لتشمل شتى أصناف البضائع والسلع؛ من ملابس جاهزة، وأفرشة، وأغطية، وأنواع الخضر والفواكه، واللحوم، والأواني المنزلية. ويؤم السوق يوميا آلاف المواطنين من داخل وخارج المدينة، لاقتناء حاجياتهم من البضائع المعروضة وسط ازدحام كبير، خاصة خلال الفترة الصباحية؛ حين يزداد الإقبال على أجنحة السوق وممراتها الضيقة، في أجواء من الفوضى العارمة.
أصل تسميته بـ (لاندريولي) نسبةً للمنطقة المتواجد بها بحي "المستقبل"؛ إذ كان الموقع خلال الحقبة الاستعمارية، عبارة عن مزرعة لأحد المعمرين اسمه (أوندري يولي). وبعد الاستقلال تعرضت المزرعة لشبه نزوح من قبل سكان المنطقة الشمالية لولاية المسيلة (برهوم، ومقرة وعين الخضرة)؛ بحثا عن لقمة العيش، مشكّلين بذلك شبه قرية من السكنات القصديرية، فوصل عددهم إلى قرابة ألف عائلة، أغلبهم يعتمدون على تجارة الدجاج والبيض، والخردوات، والأعشاب؛ في شكل سوق صغير يقصده سكان الولاية من جميع البلديات، وحتى من بعض الولايات المجاورة، على غرار المسيلة وبرج بوعريريج.
من سوق فوضوي إلى سوق بمواصفات حديثة
مع بداية ثمانينات القرن المنقضي، توسعت رقعة هذه المنطقة التجارية الفوضوية وباتت تشكل نقطة سوداء بمدينة سطيف؛ ما دفع بالمسؤولين المحليين إلى التفكير في إيجاد حلول كفيلة لتنظيم هذا الفضاء التجاري، الذي هو عبارة عن قطعة أرضية مفتوحة محاذية للبيوت القصديرية، يقصده المواطنون من الجهات الأربع. وظهرت معه بعض الآفات والسلبيات المنافية لقيم المواطن الجزائري؛ حيث أُنشئ سوق جديد بمواصفات تتماشى والأسواق الحديثة؛ سواء من ناحية التنظيم أو التأطير اللذين تشرف عليهما بلدية سطيف. وتم إحصاء التجار الذين بلغ عددهم آنذاك أزيد من 400 تاجر، لتحويلهم إلى محلات جديدة؛ للقضاء على التجارة الفوضوية التي طبعت المكان لسنوات طويلة.
وبالفعل تم إنشاء السوق الجديد، وحُول التجار إلى محلات تتماشى والمعايير المعمول بها في الأسواق الحديثة. وبعد إخلاء المكان الذي كان يستغله التجار الفوضويون، لقي استحسانا وسط سكان سطيف. تلاه، عقب ذلك بسنوات قليلة، القضاء، نهائيا، على السكنات القصديرية المحاذية له في منتصف التسعينات؛ في عملية ترحيل واسعة، أشرف عليها، آنذاك، وزير الداخلية الأسبق المرحوم يزيد زرهوني؛ بترحيل أزيد من 600 عائلة، وتوطين بالعقار سكنات ترقوية، بالإضافة إلى بعض الإدارات؛ منها محكمة سطيف، ومقر مديرية الصناعات التقليدية، مع تحويل بعض المنشآت والهياكل التابعة للدولة المحاذية للسوق، إلى مراكز تجارية، وكلها عوامل ساهمت في نجاح السوق.
من "لاندريولي" إلى "عباشة عمار"
الكثير من سكان سطيف يعرفون السوق باسم "لاندريولي" رغم أن مكان تواجده بحي المستقبل، ووثائقه الإدارية تحمل اسم الشهيد عباشة عمار أحد أبطال الثورة التحريرية المباركة، الذي ينحدر من مدينة تيزي نبشار بالمنطقة الشمالية لولاية سطيف. ورغم تغيير تسمية السوق الشعبي باسم الشهيد عباشة عمار، إلا أن الأغلبية من سكان سطيف، يفضلون تسميته بسوق "لاندريولي"، فيما تجهل نسبة كبيرة من السكان، تماما، تسميته الجديدة "سوق عباشة عمار".
سوق ليس كباقي الأسواق من حيث الأسعار..
الحديث عن السوق اليومي الشعبي عباشة عمار أو "لاندريولي"، يجرك، مباشرة، للحديث عن إحدى الخصائص التي جعلته يستقطب، يوميا، آلاف المواطنين، وهي الأسعار التي تُعرض بها مختلف السلع الاستهلاكية، فيما تُخفض أسعارها خلال الأعياد والمناسبات عكس باقي الأسواق، وهي فرصة للعائلات السطايفية لاقتناء مستلزماتهم؛ سواء من الأواني، أو اللحوم، أو الخضر والفواكه.
وقد تعوّدت المرأة السطايفية على التحضير للشهر الفضيل؛ لشراء حاجياتها من أواني المطبخ، وتجديد كثير منها من سوق "لاندريولي". والحال نفسها بالنسبة للرجال، الذين يفضلونه عن باقي الأسواق؛ لسد حاجيات أسرهم من الخضر والفواكه واللحوم بأنواعها، وجميع المستلزمات؛ لأسعاره التي هي في متناول الجميع، والتي أصبحت مضرب مثل في سطيف؛ فمن يقتني شيئا ذا قيمة بسعر منخفض، يقال له "واش جبتها من لاندريولي؟"، إضافة إلى أن الأسعار بهذا السوق تأخذ مع اقتراب نهاية اليوم، مسارا تنازليا؛ بداعي تسويق البضاعة، وتفادي تركها للغد.
باعة متطفلون وفضلات.. حلٌّ لن يكون غدا..
يشكل سوق "لاندريولي" أحد أبرز النقاط السوداء لدى السلطات المحلية، بعدما وجدت نفسها عاجزة عن فعل أي شيء تجاه هذا السوق، الذي تضاعفت مشاكله من يوم لآخر.
وقد وجد مئات الباعة المتطفلين الذين ينشطون بهذا الفضاء التجاري، ضالتهم في ظل غياب مصالح الرقابة، لعرض سلعهم المختلفة في أي مكان شاغر. ولم تسلم حتى الشوارع والأزقة العابرة للسوق، لتكون مكانا مفضلا للبيع والشراء؛ كون الربح هو القاسم المشترك بين الجميع.
ولا يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل إن أطنان الفضلات والأوساخ الناتجة عن بقايا الخضر والفواكه، زادت من هموم السوق، الذي يتحول في ساعات المساء، إلى شبه مفرغة عمومية، وسط مدينة أخذت من الشعارات "سطيف مدينة نظيفة".
ومما يلاحَظ هنا أن عمال النظافة التابعين للبلدية يجدون صعوبة كبيرة في جمع هذه الأطنان من الفضلات والقاذورات المترامية، لا سيما إذا علمنا أن الإمكانيات المسخّرة لذلك غير كافية؛ من خلال تسخير شاحنتين فقط؛ مما يجعل المهمة صعبة للغاية.