من ملجأ للفقراء إلى فضاء للباحثين عن "دفء العائلة"
200 مطعم رحمة تجمع العاصميّين في رمضان

- 149

بلغ عدد مطاعم الرحمة بالجزائر العاصمة مع بداية شهر رمضان الفضيل، أزيد من 200 مطعم، ساهم في تنظيمها المحسنون والجمعيات بشكل كبير، منها 41 مطعما تشرف عليها هيئات عمومية، و63 مطعما بادر بتنظيمها بعض المحسنين، إضافة إلى 61 مطعما تشرف عليها جمعيات خيرية، فيما يبقى الرقم مرشحا للارتفاع مع حلول الأسبوع الثالث من شهر الصيام، حسبما أكد مصدر من ولاية الجزائر لـ"المساء".
اتخذت مديرية التضامن الوطني بالتنسيق مع مصالح الصحة لولاية الجزائر، وفق مصدر "المساء"، كافة الإجراءات الوقائية قبيل حلول الشهر الفضيل، لتفادي وقوع أي حالات تسمم على مستوى المطاعم الجماعية. كما قدّمت تسهيلات بالتنسيق مع مختلف بلديات العاصمة، بهدف تمكين المساهمين من فتح هذه المطاعم، والعمل في ظروف حسنة.
ولاحظت "المساء" خلال زيارتها لبعض مطاعم الرحمة بالعاصمة في الأسبوع الثاني من رمضان، أنها لم تعد تجمع، فقط، الفقراء، والأشخاص دون مأوى، وعابري السبيل، بل باتت مكانا مفضلا لعائلات بأكملها، وموظفين ومغتربين وأجانب من مختلف الجنسيات، ولكل الذين يهربون من الوحدة؛ بحثا عن الأجواء الرمضانية الجماعية، واللحظات الجميلة التي تجمعهم بعدد كبير من الأشخاص حول مائدة الإفطار.
الخيمة العملاقة بأول ماي للباحثين عن الجو العائليّ
تعرف الخيمة العملاقة التي نُصبت بساحة أول ماي بالعاصمة، إقبالا كبيرا من قبل الصائمين؛ حيث يلتقي فاعلو الخير والمتطوعون بالمتشردين، والفقراء المعدومين، وعائلات تقطن في أحياء قريبة من المطعم، الذين وفرت لهم أزيد من 100 وجبة يوميا، بالتنسيق مع الهلال الأحمر الجزائري.
وزائر الخيمة قبل أذان الإفطار بساعتين، يلاحظ طابورا طويلا من عائلات جاءت لتأخذ وجبات الإفطار، مفضلة أن تتناولها في البيت؛ حيث استطاع هذا المطعم أن يخصص وجبات محمولة لـ150عائلة معوزة، تتنوع بين حساء "الشوربة"، والطبق الرئيس، والسلطات، والمشروبات، والتمر أو البرتقال.
وقالت إحدى السيدات التي جاءت لتأخذ وجبة الإفطار من المطعم الذي يشرف عليه الهلال الأحمر وبعض المتطوعين، إنها عجزت تماما عن أن تشتري مواد غذائية وتواجه مصاريف رمضان، ولكنها وجدت ضالتها في هذا المطعم، خاصة أنها مريضة بمرض خطير، ونصحها الأطباء بأن تبتعد عن حرارة المطبخ. ومع اقتراب موعد الإفطار تبدأ حركة الشباب المتطوعين دون انقطاع؛ في جو مليء بالنشاط التضامني، وهو ما وقفت عليه "المساء".
ولم يبخل الشباب سواء الطلبة أو البطالين بالمساعدة والتطوع في فعل الخير... فتيات في عمر الزهور يتنقلن مثل الفراشات بين موائد الإفطار، ويوزعن الأطباق والخبز والمشروبات، من بينهن طالبة جامعية وجدت ـ حسبما أكدت لـ"المساء" ـ راحتها النفسية وهي تبذل جهدا في خدمة الغير.
ووجد بعض الكهول سواء من النساء أو الرجال، هم أيضا، متعتهم في العمل التطوعي، والإشراف على توزيع الأطباق والوجبات على الموائد الكثيرة التي احتلت مساحة واسعة من الساحة؛ قال محمد ـ وهو شاب مغترب جاء في زيارة لشقيقته بالعاصمة ـ إنه فضّل أن يقضي وقته في التطوع، وخدمة إفطار الصائمين في مطاعم الرحمة، على أن يبقى نائما في البيت، ينتظر أذان الإفطار.
وأكد أنه يجد متعته في العمل التطوعي، حيث وعد نفسه بأن يقضي شهر رمضان متطوعا، يقوم بالمساعدة، وتوزيع الوجبات، وتنظيف الموائد بعد الإفطار. كما أكدت سيدة أخرى أنها تمكنت من تفريغ كل الضغوطات التي عاشتها، من خلال التطوع وفعل الخير. كما أكدت أن الإفطار بين الفقراء وعابري السبيل برفقة ابنتها الشابة، يزيدها شعورا بالسعادة، خاصة عندما ترى تلك الابتسامة في عيون أناس بسطاء وفقراء، ترتعش أيديهم وهم يرفعون ملعقة الحساء نحو أفواههم.
موائد الإفطار تجمع بين الغنيِّ والفقير
زائر مطعم "الرحمة" بالشراقة يلاحظ ملامح وعيون الفقراء والمشردين وعابري السبيل الممتلئة بنظرات الحزن والرضا في آن واحد. وتتطلع إلى أجواء الدفء، والمؤانسة، ونشاط عشرات المتطوعين، يلبسون غطاء الأمل، والشعور بأن الخير لم ينقطع، ولن ينقطعَ أبدا.
وما يحفظ كرامة هؤلاء تواجد بعض ميسوري الحال، والموظفين، وعمال أجانب؛ على غرار الأتراك، والسوريين، والأفارقة، وكذا مرافقي المرضى المقيمين بمستشفى بني مسوس غير البعيد عن المكان؛ في صورة تبين أن مطاعم الرحمة مكان يلتحم فيه العمل الخيري بالجو العائلي.
وقال أحمد البالغ من العمر 53 سنة، "إن مثل هذه المطاعم رحمة للجميع؛ فهي ـ بالنظر إلى كونها توفر وجبات لمن لا يستطيع أن يسد حاجيات شهر الصيام ـ مكان يهرب إليه من يعاني الوحدة، والضغط، ومن يبحث عن الفضاء الذي يجمعه بالفقراء؛ لكي يشعر بهم، ويقوّي إيمانه، ويغيّر بعض سلوكاته".
وأكدت إحدى السيدات جاءت من ولاية سطيف لترعى والدها المريض في مستشفى بني مسوس وتحرسه ليلا، أن مطاعم الرحمة استطاعت أن تحل الكثير من المشاكل؛ قالت: "لم أكن أتصور أنني سوف أدخلها يوما!"، خاصة أنها ميسورة الحال، وتعمل إطارا في بنك بنفس الولاية.
وقالت خالتي فتيحة البالغة من العمر 74 سنة، إن مطعم الرحمة ملاذ لها، لأنها تعيش الوحدة، ولا تستطيع أن تطبخ، فرغم أنها ميسورة الحال ولديها أبناء في فرنسا، إلا أن وحدتها جعلتها تفضل الإفطار يوميا في مطعم الرحمة، "خاصة أن الوجبات التي توفرها هذه الفضاءات التضامنية، جيّدة، ولائقة للجميع"، على حد قولها.
عائلات بأكملها تجمعها مطاعم الرحمة في رمضان
جولة "المساء" بمطعم الرحمة الذي فتحته جمعية "سنابل الخير" ببلدية الجزائر الوسطى بساحة البريد المركزي، تبين أن عائلات بكامل أفرادها يأتون للإفطار في هذا المطعم؛ قالت سيدة في 50 من عمرها كانت رفقة شقيقيها، إنها لا تقوى على توفير اللوازم والمواد الغذائية لتحضير الفطور في بيتها، خاصة بعد وفاة والدها، الذي ترك لها مسؤولية شقيقيها. وأكدت أن مطعم الرحمة هو السبيل الوحيد لتضمن وجبة الإفطار يوميا، ناهيك عن الشعور بالقلق، والضغط في منزلها. وترى في مثل هذه الأماكن متعة، وراحة نفسية، وأجواء قادرة على أن تنسيها همّها، ووضعها الاجتماعي السيئ.
وأكد أحد الشباب اختار أن يقضي إفطار أيام رمضان في مطعم الرحمة رفقة عائلة جديدة تشكلت بداية من اليوم الأول للشهر الفضيل، قائلا: "نحن هنا نفطر منذ أول يوم من رمضان. وقد أصبحنا عائلة واحدة.. فبفضل هذه المائدة اجتمعنا، وعقدنا صداقات". وهكذا تعدّت حسنات مطاعم الرحمة من إفطار الصائمين والإحسان إلى المساكين، إلى عقد صداقات بين الأفراد والعائلات.