الحراك الشعبي يخلخل الخدمات العمومية
اضطراب في النقل والصحة والتعليم العالي
- 880
رغم الأهداف السامية للمسيرات السلمية التي انطلقت في 22 فيفري الماضي، للمطالبة بتغيير الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، إلاّ أنّ الحشود المتدفّقة على العاصمة كلّ جمعة، أخلطت الأوراق بعدّة قطاعات وعطّلت مصالح المواطنين، لاسيما ما يخصّ النقل، الصحة، التعليم وكذا النشاط التجاري، ما جعل العديد من المواطنين ومسيّري المؤسّسات العمومية والخاصة، يأخذون في الحسبان هذه "الوضعية غير المسبوقة"، للتكيّف معها، وتخفيف آثارها السلبية على الحياة العامة، ومصالح الناس.
يشكوا المواطنون خلال الأسابيع التي انطلقت فيها المسيرات، تعطّل مصالحهم، ما جعلهم يتفادون الحركة في اتجاه العاصمة التي صارت محجا للمتظاهرين، وصار المواطنون يتفادون التنقل خلال هذا اليوم، كون حركة النقل مشلولة، إضافة إلى كون المحلات تغلق، وتغيب الخدمات التجارية، مثلما لاحظنا في عين المكان، ومنها ساحة الشهداء وشارع عمر القامة وبوزرينة التي تنتعش بها الحركة التجارية يوم الجمعة.
شلل في خدمات النقل
ويعدّ النقل من الخدمات العمومية التي تأثّرت سلبا بالحراك الشعبي، فقد مسّ الشلل عدّة وسائل منها القطارات، المترو، الترامواي والحافلات بالعديد من الخطوط، لاسيما نحو قلب العاصمة، حسبما تعوّدنا على ملاحظته خلال الأسابيع الـ11 الماضية، ولم تسلم منه حتى سيارات الأجرة، وذلك رغم الجهود التي تبذلها مصالح الأمن العمومي وتنظيم المرور، في التخفيف من الاختناق الحاصل، علما أن مصالح الدرك الوطني، تقوم (ضمن مهامها القانونية في حالات الاحتجاجات والمسيرات) بتشديد المراقبة على المركبات، عبر الحواجز التي تنصبها بمداخل العاصمة، ومثال ذلك الحاجز الثابت للدرك بالطريق السريع على مستوى حي الدهاليز الثلاثة بالحراش، الذي تتوقف به حركة المرور بسبب عمليات التفتيش و"الفلترة" التي يقوم بها أعوان الدرك، ما يشكّل طوابير طويلة لا يمكن التخلّص منها وعبور الحاجز إلاّ بعد مرور أكثر من ساعة، حسبما وقفنا عليه في إحدى الجمعات.
ولعلّ سبب توقيف خدمات المترو والقطار والترامواي، يعود حسبما أكّده لـ"المساء" أحد العاملين في مؤسّسة "مترو الجزائر"، إلى أنّ المترو يوم الجمعة بالخصوص، سيكون وسيلة لنقل المتوجهين نحو مكان المسيرة، وبالتالي فإن هذه الحشود الغاضبة والمتحمسة، لا تؤتمن تصرفات أفرادها، عبر هذا الخط المكهرب والمار بالأنفاق.
المرضى يشتكون واضطراب في الدراسة
ولم يسلم قطاع الصحة من هذه الآثار السلبية، التي هوّن بعض المواطنين من حدّتها، كونها ظرفية وتصبّ في المصلحة العمومية، فيما وجد المرضى الذين لهم مواعيد طبية صعوبة في المرور، والوصول إلى مبتغاهم، لاسيما ممن هم في وضعية استعجالية، حيث تأثّروا بهذه الوضعية، التي تسبّبت في تأخّرهم وزيادة متاعبهم، خاصة وأنّ العديد من المصحات أغلقت بسبب خروج بعض موظّفيها في المسيرات، إضافة إلى أنّ العديد من الصيدليات بوسط العاصمة وغيرها أوصدت أبوابها، خشية السطو عليها.
كما تأثّر المسار الدراسي، لاسيما الجامعي بهذا الحراك، الذي تبنى فيه الطلبة مطالب الشعب ومطالبهم الخاصة في آن واحد، وساروا مع الحراك منذ البداية، ما كان له الأثر على البرامج البيداغوجية، من محاضرات وأعمال موجّهة وغيرها من النشاطات التعليمية، حيث وجدت إدارات الجامعات بمختلف كلياتها ومعاهدها صعوبة في تسيير الأمور الإدارية والبيداغوجية، لاسيما ما تعلق باستدراك الدروس وإجراء الامتحانات في أوانها. وذكر بعض الأساتذة الجامعيين لـ"المساء" أنّ الاضطرابات الحاصلة بفعل الحراك، خلخلت برامجهم الدراسية، ووضعتهم في حرج كبير، كونها لم تهدأ على حال، ما جعلهم يعودون إلى الإدارة لتكييف الدروس واستدراك الأمور البيداغوجية، حتى لا تصبح مشكلة كبيرة يصعب حلّها.
تجارة مشلولة وأخرى تطال الشوارع
قطاع التجارة هو الآخر، تأثّر بهذه الوضعية غير المسبوقة، واضطربت الحركة التجارية بسبب اضطراب حركة المرور وحركة المواطنين في آن واحد، إذ في الوقت الذي أوصدت فيه العديد من المحلات أبوابها، حسبما لاحظناه بالعاصمة وضواحيها، خشية أن يطالها السطو والفوضى، (لحسن الحظ لم تسجل حالات منها)، وكذا لكون المواطنين يركّزون اهتمامهم على المسيرة، ولا يهمهم التسوق، بقدر ما يستهويهم الحراك الشعبي.
غير أنّ الحركة التجارية المنظّمة تحوّلت إلى عشوائية، حيث انتشرت تجارة الأعلام الوطنية والمياه المعدنية والفواكه والأطعمة السريعة، وغيرها من المستلزمات، مثلما لاحظناه بالعاصمة التي تناثرت بها نقاط البيع بكثرة وسط الحشود.. وطالت الشوارع والطرقات، ساعدها في ذلك عدم تدخّل السلطات العمومية في مثل هذه الظروف الاستثنائية، التي يهمها فيها الجانب الأمني بشكل رئيسي، وحتى لا تخرج المسيرات السلمية عن الأطر القانونية.