سكان تندوف يستحضرون معركة "مركالة"
تاريخ مجيد خط بالنار والحديد
- 583
بمناسبة الاحتفالات المخلدة للذكرى 70 لاندلاع ثورة التحرير المجيدة، في الفاتح نوفمبر، يستحضر سكان تندوف ذكرياتهم وبطولاتهم، التي جسدتها المعارك التي خاضوها ضد الاستعمار الفرنسي بكل هوادة، وتتجلى مظاهر إحياء الذكرى، برفع الأعلام الوطنية فوق المباني والمؤسسات والإدارات العمومية، وتزيين الشوارع باللافتات والشعارات المعبرة عن اعتزاز الشعب الجزائري بثورته وتمجيد بطولاته.
يذكر هنا، أن "مركالة" و"أم العشار"، وهما منطقتان جبليتان بصحراء تندوف، جرت بهما أشهر المعارك ضراوة، وقف فيها مجاهدو تندوف مستبسلين، وهناك مناطق أخرى، جرت فيها اشتباكات أحرق فيها الكثير من السيارات، المعروفة لدى العام والخاص بمعركة لوتيتات، إضافة إلى إسقاط طائرة فوق وادي الفيقين، وفق ما أشار إلى ذلك الأستاذ سويد أحمد إبراهيم، رحمه الله، وهو أحد الباحثين في تاريخ المنطقة وأستاذ معروف وله خبرة في تاريخ تندوف.
ومن هنا، تتضح جليا النظرة الاستعمارية المعمقة لأهمية تندوف الاستراتيجية منذ 1923، مع بداية رحلات المستكشفين الفرنسيين، ومنذ 1934 وتندوف تعاني ويلات الاستعمار على جميع الأصعدة، حيث لاقى أهلها أشد أنواع التقتيل، لمدة أسبوع كامل، مباشرة بعد رحيل جيوش الحلفاء من تندوف.
قال بعض المجاهدين الذين عايشوا تلك المرحلة التاريخية، إن ثمة اتفاق وقع بين ممثلي منطقة حاسي منير وأم لعشار ومناضلي منطقة مركالة وتارقانت، للبدء في الملحمة في سبتمبر 1956.
وقد روى المجاهد المرحوم جكاني محمد المدعو "بابا سمان"، قبل وفاته، أنه تم إسقاط طائرة حربية فرنسية، واستشهد خلال معركة، عدد من المجاهدين، أسماؤهم موثقة بالمعلم التذكاري بوقع معركة مركالة، كما أن المدارس الابتدائية بمقر الولاية سميت عليهم أيضا، تخليدا لتضحياتهم من أجل الوطن.
كما يضم المتحف الولائي لمقر مديرية المجاهدين عدة وثائق وصور للمجاهدين، عبر التراب الوطني، وملصقات تروي تفاصيل بعض المعارك البطولية ومجسمات للشهداء ولخطي موريس وشال، وكان لنا السبق في تسجيل صوتي معه قبل وفاته.
هذه الأحداث التي عرفتها تندوف وأهلها، ساهمت مساهمة كبيرة في مقاومة الاحتلال، حيث كان أهل هذه المنطقة شوكة حادة شعر هؤلاء المحتلين بقوتها وببسالة هؤلاء المقاتلين الأفذاذ، واعترفوا بأنهم قوم ذوو بأس شديد وعزم لا يلين.
إن المقاومة التي أبداها مجاهدو تندوف في الجنوب الغربي من هذا الوطن المفدى، لا تقل أهمية عن سائر المقاومات التي ظهرت في جميع ربوع أنحاء الوطن الحبيب، وهي جزء من الكفاح الوطني الشامل، الذي خاضه الشعب الجزائري في ربوع الوطن.
إن مقاومة سكان تندوف للاحتلال جاءت عفوية، مستنكرة لوجوده، إذ لم تكن منظمة قياسا لما تميزت به المقاومات الأخرى التي يقودها المفكرون والزعماء، الذين يوحدون منهجها، لذلك كانت هذه المقاومة تقوى وتشتد في بعض الأحيان، وتخبو جذوتها في أحيان أخرى.
من الملاحظ أن المقاومة في الجنوب الغربي، خاصة في منطقة تندوف، لم تأخذ حقها من التنقيب، وهناك نقص في تناول الباحثين والدارسين لها بالاستقصاء والبحث، فلا تزال مادة خام، لم ينفض عنها الغبار من أجل الوقوف عليها لإخراجها من طي الإهمال والنسيان، واللوم هنا نوجهه إلى مثقفي المنطقة، وخاصة أبناءها، من أجل الإدلاء بدلوهم في هذا الموضوع القديم الجديد.