أدرار
"تاكركبة".. عادة عريقة في اليوميات الرمضانية
- 942
تعد عادة "تاكركبة" واحدة من العادات الاجتماعية والطقوس الشعبية العريقة التي لازالت راسخة في يوميات سكان منطقة "توات" بولاية أدرار خلال شهر رمضان المعظم، وتأخذ هذه العادة الشعبية المتوارثة عبر الأجيال تسميتها من ذلك الدف الكبير المعروف بـ"تاكركبة" المغلف بجلد الماشية والذي يقوم المسحراتي بالضرب عليه بواسطة عصا خشبية، حيث تحدث صوتا ضخما يسمع من أماكن بعيدة في أرجاء القرية، مثلما شرح المسحراتي رمضان موساوي المعروف بـ"با رمضان" (73 سنة) من قصر بوانجي (بلدية أنزجمير) جنوب أدرار، والذي مازال متمسكا بهذه المهمة المحمودة شعبيا.
قبيل اقتراب ساعات الفجر في كل ليلة من ليالي رمضان المبارك، يعمد المسحراتي بارمضان، الذي كلفه سكان القرية عن ثقة للقيام بهذا الدور الذي غالبا ما يتم توارثه بين أفراد العائلة الواحدة أو تداوله بين سكان القصر جيلا بعد جيل، بحمل الدف الذي يتعهده ببيته ليجوب به أزقة القصر لإعلامهم بقرب موعد السحور.
ويروي با رمضان، أنه أخذ على عاتقه هذه المهمة منذ سنوات خلفا لأسلافه المسحراتيين بالقصر من أمثال با كوكو وحمو ولد مبارك والحاج سالم والوادي مبارك الذين تعاقبوا على هذه المهمة منذ القرون الماضية.
وقد بدأ با رمضان مشواره مع مهمة التنبيه بوقت السحور في أول ليلة تجريبية باستعمال طبل صغير فقط، حيث لقيت مبادرته قبولا واستحسانا كبيرين من طرف سكان القصر الذين ألحوا عليه رفقة والدته بالاستمرار نظرا للأجر الخيري الذي يحصل عليه القائم بها.
شخصية محورية بأدوارمتعددة
وتتم هذه العادة التي تدخل في يوميات سكان المنطقة خلال الشهر الفضيل بقيام المسحراتي بالقرع على طبلة الدف المجلد "تاكركبة" أو "الدبيبة"،
كما يسميها سكان بعض المناطق الأخرى مرددا عبارات الذكر والمديح المتداولة شعبيا حول فضائل الإقتداء بسنة السحور طيلة شهر الصيام.
وتشكّل تلك القصائد التي يرددها المسحراتي أثناء مهمته عاملا مؤنسا له في وحشة ليل القصر الدامس ويكسر به خوف الظلام وهو يجوب القصر، حيث تعد عبارة "صوموا صوموا .. لا تندموا" من أشهر العبارات التي يرددها المسحراتي في مهمته.
وتستمر هذه العملية طيلة ليالي شهر رمضان المبارك إلى غاية الثلاث ليالي الأخيرة منه، حين يعمد المسحراتي إلى ترديد عبارات أخرى تنذر بقرب توديع الشهر الفضيل وهو ما يحمل العائلات إلى تحضير مكافاءات المسحراتي تمنح له في فجر يوم عيد الفطر المبارك، وتشمل مواد عينية كالتمور والدقيق التي تعبأ في أكياس ينثرها المسحراتي في أزقة القصر ويعود لجمعها أثناء هذه الجولة التوديعية الأخيرة عرفانا لمجهوده وتشجيعا له للاستمرار في هذه الرسالة النبيلة.
ولعل ما يلفت الانتباه أن الشخصية المكلفة بدور المسحراتي غالبا ما تكون محورية تؤدي أدوارا متعددة بين السكان، حيث لا يقتصر دور بارمضان على التنبيه لوقت السحور فقط، بل له أدوار أخرى يقوم بها فهو المؤذن بالمسجد، وهو الحداد الذي يوضب معدات النشاط الفلاحي لسكان القصر، وهو أيضا الحاضر في جلسات السمر الشعبي في أفراح السكان وهي كلها أدوار لم تثنه عن التشبث بدور المسحراتي.
جهود لتثمين البعد التراثي لـ"تاكركبة"
وعلى الرغم من التطور التكنولوجي والوسائل التقنية المتوفرة لدى سكان المنطقة وإمكانية استعمالها في التنبيه لوقت السحور، إلا أنهم ما زالوا متشبثين بهذه العادة الاجتماعية العريقة "تاكركبة" التي يعتبرونها نكهة رمضانية لا تكتمل لذة ليالي شهر رمضان المعظم بدونها.
وبالنظر إلى البعد التراثي لهذه العادة الشعبية العريقة، فإن قطاع الثقافة والجمعيات تؤدي دورا هاما في تثمين هذا الموروث الشعبي من خلال تجسيده لمختلف الأعمال الثقافية الفنية لإبرازه والتعريف به للباحثين والمهتمين.
في هذا الجانب، أشار رئيس جمعية الثقافية "أسود الخشبة" للفنون الدرامية بأدرار، النور عبد الستار إلى أنّ "تاكركبة" أو "الدندون" يشكل رافدا من روافد الثقافات الشعبية خاصة على مستوى القصور القديمة بإقليم توات ويأخذ صفات ومسميات مختلفة حسب عادات وتقاليد المنطقة.
وقد عملت الجمعيات الثقافية كل حسب طريقة عملها على توظيف هذه المكونات التراثية في إنتاج وإخراج الأعمال المسرحية، فهناك على سبيل المثال من يوظفه كثيرا في مسرح الشارع، أو ما يسمى مسرح الحلقة بعيدا عن جو القاعات لإثراء النشاط الثقافي الجواري واستقطاب جمهور بدون استثناء لتمكينه من مشاهدة العرض بمجمل تقاليده في بيئته المكانية الطبيعية حسب اختلاف المنطقة، مثلما يرى الفاعل الجمعوي.
وقامت جمعية "أسود الخشبة" - يضيف السيد عبد الستار - بتوظيف شخصية المسحراتي في إحدى أعمالها المسرحية بعنوان "ساعة في الجحيم" والذي برز في إحدى مشاهده دور عمي السعيد الذي جسد شخصية المسحراتي بدفه الكبير وبالعبارات التي ترددها هذه الشخصية البارزة في الثقافة الشعبية المحلية.
وذكر بالمناسبة أنّ المنطقة حافلة بالعديد من مكونات الثقافة الشعبية عبر مختلف أقاليمها، منوها في نفس الوقت بدور الجمعيات الثقافية في توثيق مكونات هذا التراث الحافل، من خلال توظيفه في أعمالها الفنية بما يمكنها من إعطاء قيمة مضافة لمضامين العمل المسرحي.