إعادة فتح الحديقة العمومية "مصطفى سريدي" بقالمة
تراث مادي هام وشاهد على حضارات متعاقبة
- 596
أعيد فتح الحديقة العمومية "مصطفى سريدي" الواقعة بجانب الثكنة القديمة بوسط مدينة قالمة، مؤخرا، بعد أن ظلت مغلقة لعدة سنوات، عقب خضوعها لعملية ترميم شاملة. وبعد أن استعادت الحديقة الأثرية جمالها وظلال أشجارها وألوان أزهارها الزاهية، أشرفت سلطات ولاية قالمة، على فتح هذا الفضاء، من جديد، أمام الجمهور، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثامنة والستين لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة.
يعتبر سكان قالمة حديقة "مصطفى سريدي"، إحدى أهم وأعرق الحدائق والمساحات الخضراء على مستوى مدينة "كالاما"، المتنفس الوحيد والقلب النابض للمدينة، فهي حديقة يسودها جو من الهدوء والراحة والسكينة، خاصة للمتقاعدين منهم، حيث توفر الجو المناسب للتأمل، علما أن مدينة قالمة تتربع على معالم تاريخية هامة، تكشف عن تعاقب الحضارات، كانت ومازالت مصدر إلهام الكتّاب والشعراء والرسامين، وتساهم في تلطيف الجو داخلها.
ولعل أهم هذه الحدائق التي مازالت تحافظ على جمالها، حديقة "مصطفى سريدي" أو كما تسمى "السكوار"، على أنها تراث مادي هام، وشاهد على الحضارات المتعاقبة؛ من خلال القطع الأثرية، التي كانت موزعة لعقود من الزمن، قبل أن يتم تحويلها إلى حديقة "كالاما"، المتواجدة بجانب المسرح الروماني، والتي تُعد نموذجا مصغرا عن حديقة "الحامة" بالجزائر العاصمة؛ حيث راحة البال، وهدوء الأعصاب تحت ظل الأشجار، التي يُسمع من فوقها زقزقة العصافير؛ فهي تستقطب الكثير من الشغوفين بعالم الطبيعة، نظرا لجمالها، وكثافة أشجارها؛ إذ يلاحظ المتجول في عاصمة ولاية قالمة عبر شوارعها وساحاتها وحدائقها، جمالها الذي يضاهي جمال ساحات وحدائق أوروبية شهيرة. كما تشهد الحدائق والمساحات الخضراء بقالمة يوميا، توافد المواطنين من داخل وخارج المدينة، وحتى الزوار، لما تتوفر عليه من اخضرار، ومعه الأزهار الجميلة في أرجاء الفضاء الطبيعي؛ للاسترخاء، والتأمل، والاستراحة، وتبادل أطراف الحديث.
ويعود تاريخ نشأة حديقة "مصطفى سريدي"، إلى منتصف القرن التاسع عشر ميلادي، قبل أن تتحول إلى متحف في الهواء الطلق سنة 1904، أسّسه الباحث في الآثار "شارل ألبير جولي"، الذي شغل، حينها، منصب نائب رئيس البلدية في العهد الاستعماري، حيث جمع فيه كنوزا أثرية نادرة من مناطق مختلفة، على غرار خميسة ومادور وتيبيليس. وتتربع الحديقة العمومية على مساحة تزيد عن 9 آلاف متر مربع. وتحتوي على تحف أثرية، وأنصاب جنائزية تعود إلى الفترة الرومانية. وتتميز بأصناف نباتية متنوعة، منها الورود، والكاليتوس، والتين، والدردار وغيرها.
وقد عرفت أشغال إعادة تنظيم كل المربعات الخاصة بالمساحات الخضراء بشكل جيد، تهيئة الممرات، وتبليطها، وغرس أشجار للزينة بالمساحات الخضراء، وغرس أشكال الزهور والورود متعددة الألوان، مع الإبقاء على المحافظة على الطابع الأثري لها، إضافة إلى تشغيل الإنارة الليلية، وزراعة العشب الطبيعي في كامل المساحات الخضراء. وقادت بلدية قالمة منذ 2017، عملية ترميم وتهيئة كبيرة بعدما تدهور وضع الحديقة العمومية على مر السنين. كما تعهّد رئيس البلدية بتنشيط هذا الفضاء، لعرض المنتجات الحرفية ونشاطات أخرى، فيما يبقى الحفاظ على الحديقة مهمة الجميع.
للإشارة، وُلد الشهيد مصطفى بن الهاشمي سريدي، في 6 ماي 1931 بقالمة. نشأ في عائلة متواضعة. واغتيل أبوه من قبل السلطات الاستعمارية إثر أحداث 8 ماي 1945. وتردد الطفل مصطفى سريدي كعادة الأطفال الجزائريين، على الجامع لحفظ القرآن الكريم، ثم زاول دراسته بمدرسة "ألمبار" سابقا "محمد عبدو" حاليا، حتى حصوله على الشهادة الابتدائية، ثم انتقل إلى المدرسة التقنية بعنابة، وتحصّل على الشهادة المهنية في التجارة. وأدى الخدمة العسكرية في مدينة مليانة لمدة 18 شهرا. وعاد إلى قالمة، وفتح محلا للتجارة في شارع "مازا"، حاليا "الأمير عبد القادر"، في 1953. انخرط في حركة انتصار الحريات الديمقراطية. وواصل نضاله حتى التحاقه بالثورة التحريرية. واستُشهد إثر اشتباك وقع بين فرقة من جيش التحرير، وفرقة من جيش العدو الفرنسي الذي كان متمركزا ببوحشانة، في 26 أكتوبر 1956.