سلطات سكيكدة تتحرك لتأهيل المساحات الخضراء

حدائق عاصمة البتروكيمياء.. إهمال ومعالم بدون تصنيف

حدائق عاصمة البتروكيمياء.. إهمال ومعالم بدون تصنيف
  • 503
بوجمعة ذيب بوجمعة ذيب

أعدت مصالح ولاية سكيكدة، الأسبوع الماضي، مخططا لإعادة تأهيل حدائق الترفيه والاستجمام والمساحات بإقليم الولاية، خاصة أن مدينة سكيكدة تفتقر إلى مثل تلك الفضاءات، حتى تكون متنفسا للعائلات والشباب. فيما توجد الحدائق "المنسية" في قلب مدينة البتروكيمياء في وضع كاف، نتيجة الإهمال، وغياب الحس الطبيعي لدى بعض المسؤولين.

قدم مدير البيئة لولاية سكيكدة، خلال لقاء تنسيقي، أشرفت عليه الوالي حورية مداحي، الأسبوع الماضي، وخصص لإعادة تأهيل حدائق الترفيه والاستجمام والمساحات، عرضا أوليا، يخص دراسة تهيئة فضاء طبيعي بمنطقة بوعباز، يتربع على مساحة 12 هكتارا، بغية تحويله إلى فضاء حقيقي للترفيه وممارسة الرياضة، خصوصا أنه يتوفر على كافة المعايير ذات صلة بالطابع الإيكولوجي والمساحات الخضراء، إلى جانب توفره على مضمار لممارسة الدراجة الهوائية.

وشددت الوالي، بالمناسبة، على ضرورة إتمام الدراسة في أجل أقصاه شهر، ليتسنى الشروع في أشغال الإنجاز، مع تسليم المشروع مطلع صيف 2024، ومن ثمة وضعه حيز الاستغلال لفائدة العائلات، كفضاء للراحة والاستجمام، رافضة في ذات السياق، استعمال مادة الإسمنت المسلح في إنجاز الأشغال، مع التأكيد على توفير تجهيزات صديقة للبيئة، وكذا الاعتماد على الطاقة الشمسية في إنجاز شبكة الإنارة العمومية، ووضع تقنية لجمع مياه الأمطار واستعمالها في سقي المساحات الخضراء، حفاظا على المورد المائي، إلى جانب مراعاة كافة شروط السلامة والأمن في الإنجاز، مع إلزامية احترام والتقيد بمعايير وتوصيات مصالح الحماية المدنية، باعتبار أن هذه الفضاءات ستكون مكان جذب للجمهور من العائلات وغيرها.

إعادة الاعتبار لقصر "مريم عزة"

فيما يخص الغابة الحضرية المتواجدة بمحاذاة المعلم الأثري قصر "مريم عزة" (ابن قانة)، والذي يوجد في وضع كارثي للغاية، أمرت المسؤولة بانطلاق أشغال تهيئته ورد الاعتبار له، من أجل استرجاعه كفضاء للراحة والاستجمام ومتنفسا لسكان المدينة وزوارها، مشددة على المصالح المعنية، بضرورة الإسراع في اتخاذ كافة الإجراءات، من أجل مباشرة أشغال التهيئة، وإنهائها في أقرب الآجال، وفق مواصفات غابة التسلية الحضرية، ومنه إعادة وضعيتها الأصلية، وبالموازاة مع ذلك، أمرت كل من رئيس دائرة سكيكدة ومدير البيئة، بمباشرة الإجراءات اللازمة من أجل تأهيل الحضيرة البلدية لفلفة، ومنه الانطلاق في أشغال التهيئة، مع الحرص على توفير كافة المرافق الخدماتية وشروط النظافة والأمن والسلامة لقاصديها من المواطنين.

وعن وضعية غابة الاستجمام "جبل الوسط"، المتواجدة ببلدية عزابة، والمتربعة على مساحة 20 هكتارا، ومن المزمع تدعيمها بأنشطة ترفيهية موجهة للأطفال، من ألعاب كهربائية ومائية وغيرها، أكدت الوالي على عدم استعمال المياه الصالحة للشرب، بإلزام المقاول بحفر بئر، مع الحرص الصارم على إعداد تحاليل المياه بصفة دورية، حفاظا على صحة مستعملي هذا المرفق الترفيهي، كما شددت على أهمية تعيين أعوان مؤهلين ومكونين في مجال الاسعافات الأولية والسباحة، بهدف ضمان توفر شروط الأمن، خاصة ما تعلق بحوادث الغرق والحرائق، لتطلب بعدها من مدير المؤسسة الولائية لتسيير وصيانة المساحات الخضراء، على أهمية تسخير كافة الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة، من أجل إعادة الاعتبار للمساحات الخضراء والحدائق العمومية المتواجدة عبر إقليم الولاية، مع ضمان صيانتها الدورية واسترجاع النمط والشكل الجمالي لتلك الفضاءات الخضراء.

ولاية يغيب فيها الترفيه والاستجمام

للإشارة، ورغم الإمكانات الكبيرة التي تزخر بها سكيكدة، خصوصا الطبيعية منها، إلا أنها تبقى الولاية الوحيدة التي لا تملك حديقة للحيوانات، حسب المواصفات المطلوبة، على غرار حديقة الحيوانات بكسير في ولاية جيجل، ولا حتى حدائق تسلية ومنتجعات طبيعية في متناول الجميع، على شاكلة حديقة التسلية والألعاب بسطيف، ولا أماكن للراحة ولا حدائق حقيقية، والموجود منها تعرض منذ أكثر من 25 سنة للإهمال والتسيب، بعد أن أضحت مثل تلك الأماكن، آخر شيء يفكر فيه المنتخبون المحليون، الذين تعاقبوا على تسيير شؤون البلديات، ليبقى الإسمنت المسلح وحده يزحف على المساحات الخضراء، وعلى المساحات الغابية داخل المدن الكبرى بالولاية، التي أصبحت في تناقص، وحتى حدائق الألعاب المائية المتواجدة داخل المنتجعات السياحية، ليست في متناول المواطن البسيط، أما الحديقة الأثرية بسكيكدة، فتشهد وضعا مزريا للغاية، وكان بالإمكان أن تكون معلم جذب للسياح، والمؤلم في كل هذا، أن سياسة الترقيع تبقى سيدة العمليات التي تخضع لها بعض الحدائق من حين لآخر، لا تعدو أن تكون سوى عملية تنظيف أو تقليم للأشجار، تتم عادة بطريقة غير مدروسة.

أما المساحات الخضراء داخل الأحياء والتجمعات السكانية، فهي غير موجودة أصلا، وإن وجدت، فمهملة وسط ركام من الأوساخ والقاذورات والنفايات، وهو ما يؤكد غياب ثقافة الحدائق العمومية بمفهومها الحقيقي لدى المسؤولين المحليين، من منتخبين في المجالس البلدية المنتخبة أو المجلس الولائي، وفق المقاييس والأهداف المحددة في القانون 06/07 المتعلق بتسيير المساحات الخضراء وحمايتها وتثمينها، فإن بعضها لم يعد يحمل سوى الإسم، رغم عملية التهيئة التي خضعت لها، كما هو الحال بالمساحات الخضراء في حي ممرات "20 أوت 55" وحي "500 مسكن" وغيرها.

حدائق سكيكدة العمومية.. مصير مجهول

الحديث عن المساحات الخضراء، يجرنا حتما إلى الحديث عن الحدائق العمومية بعاصمة الولاية، المقدر عددها 27 حديقة، أغلبها يعود للحقبة الاستعمارية، ما يدفع إلى التساؤل عن المتسبب الحقيقي فيما آلت إليه، وكعينة على ذلك الوضع المأساوي لحديقة عمر قنون العمومية، المتواجدة على مستوى شارع "زيروت يوسف"، بمحاذاة دار البريد المركزي، التي تُعد امتدادا لما يُعرف بالمجمع العمراني "شارل مونطالو"، الذي يضم كلا من النزل البلدي والبريد المركزي والبنك المركزي وما يحيط بها من حدائق، وما تحتويه من تماثل نادرة، تعكس صراحة الإهمال الذي تعاني منه.

والملاحَظ في هذا المكان، الانتشار الواسع للنفايات وتراكم المياه الملوثة على مستوى مدخل الحديقة، بالقرب من النافورة، وانعدام الأزهار والحشائش الخضراء والكراسي، أمام غياب التهيئة الحقيقية التي تليق بمقام هذا الموقع المتواجد على بعد أمتار فقط من مقر البلدية، في موقع يعتبره السكيكديون من الأحياء الراقية بالمدينة.

وما زاد من مأساوية هذه الحديقة، الإهمال الذي طال التمثال الذي يتوسطها، والمعروف بتمثال "عودة الابن الضال"، للفنان العالمي أرنيست دوبرا، الذي قام بإنجازه، حسب مصدرنا في حوالي سنة 1936، بطلب من بول كيطولي رئيس بلدية سكيكدة خلال الحقبة الاستعمارية. والغريب في أمر هذا التمثال، وبالرغم من الشهرة العالمية التي اكتسبها، إلا أنه لم يتم إلى حد الآن تصنيفه كغيره من التماثيل الأخرى التي كانت موجودة في بعض أجزاء الحدائق، المتواجدة على امتداد هذا المجمع العمراني، نفس المصير آلت إليه الحديقة المتواجدة داخل البنك المركزي، من الجهة المقابلة لنهج سكيكدة، ناحية الميناء، ما ترك نوعا من الاستياء لدى سكان المدينة، الذين تأسفوا عن الحالة التي آلت إليها هذه الأخيرة، بعد أن كانت من أجمل وأنظف وأرقى حدائق سكيكدة. نفس الأمر ينطبق على الحديقة المتواجدة بمحاذاة مقر الأمن، على بعد خطوات قليلة من دار البلدية.