دلالة عيد الأضحى

دلالة عيد الأضحى
  • 4231
يوم عيد الأضحى هو يوم أكبر عيد في حياة المسلمين. ويسمى اليوم أضحى بجمع الأضحاة وهي الشاة التي تذبح ضحوة. وتسمى أضحية وإضحية وتجمع على أضاحي، وتسمى أيضا ضحية وتجمع على ضحايا، كما تسمى أضحاة وتجمع على أضحى.
والقرآن الكريم أشار إلى هذه الأضحية في قوله تعالى: (وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين) والذبح اسم ما ذبح، وتعظيمه في الآية لقدسيته، فلن يكون الكبش الذي افتدي به نبي الله إسماعيل عليه السلام إلا كبشا عظيما، والعظم في صفات الأجسام كبر الطول والعرض والعمق، وقد تكون هذه العظمة دلالة على كثرة ما ذبح من الذبائح إحياء لذكرى افتداء هذا النبي الكريم.
وكأضحية نبي الله إسماعيل أضحية رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم التي ضحى بها عن أمته، فلن تكون هذه الأضحية إلا ذبحا عظيما كالذبح الذي افتدي به نبي الله إسماعيل، وقد افتدى بها رسول الله صلى الله عليه أمته.
هذا العيد يعود بنا إلى زمن نبي الله إبراهيم عليه السلام، ويحيلنا على ذكرى تضحيته بابنه إسماعيل، وهي أعظم تضحية في التاريخ من أجل إظهار الطاعة الكاملة لله عز وجل، وهي طاعة صورها الذكر الحكيم في قوله تعالى: (إذ قال له ربه أسلم، قال: أسلمت لرب العالمين) والإسلام هو الاستسلام لأمر الله عز وجل وحكمه.
ومما استسلم إبراهيم وأسلم فيه لربه التضحية بابنه، وعندما يحيي المسلمون هذه المناسبة فالقصد هو تجديد العهد بطاعة الله عز وجل على طريقة إبراهيم عليه السلام، خصوصا وقد أمر المسلمون باتباع طريقة إبراهيم في الاستسلام لله عز وجل.
قال الله تعالى مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين). ومعلوم أن دعوة الإسلام أو الاستسلام واحدة من لدن آدم عليه السلام إلى محمد عليه أفضل الصلوات لقوله تعالى: (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك) وما قيل للرسل جميعا هو كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، أي لا معبود إلا الله عز وجل، وهذا يعني لا مشرع إلا الله، فالمعبود يكون مشرعا بالضرورة وإلا فلا معنى لمعبوديته، لهذا يقول رب العزة: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) وعدم التفرقة لا يتأتى إلا باتخاذ مصدر تشريع واحد.
ومع أن كل الرسل قيل لهم قول واحد، فإن الله عز وجل أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يتبع طريقة إبراهيم عليه السلام أو ملته في التعامل مع القول الذي أمر به، ولم يؤمر بطريقة أو ملة غيره. والسر في ذلك هو الحنيفية التي تعني الميل عن الباطل إلى الحق.
وقد كشف لنا الوحي كيف كان إبراهيم عليه السلام حنيفا، أي مائلا إلى الحق من خلال الحوار الذي كان يدور بينه وبين قومه، وكيف تدرج بهم وفق منطق الحنيفية للوصول إلى التوحيد، بعدما أثبت لهم بالحجة أن الكواكب الآفلة لا يمكن أن تعبد لأفولها الذي يعني الغياب مما يعرض الملكوت للضياع، وأن الأصنام الجامدة لا يمكن أن تعبد لجمادها الذي يعني تعذر الحركة والقوة والتدخل عند الاقتضاء، مما يعرض الملكوت للضياع أيضا.
وفي هذا المنطق ميل من الباطل الذي لا يثبت إلى الحق الثابت، وهو معنى الحنيفية، أي الميل عن باطل الشرك إلى حق التوحيد. لهذا صار إبراهيم أمة لقوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم)، وكلمة أمة تعني الإمام الذي يؤتم به، وتطلق على خيط البناء الذي يعتمد لإقامة حائط سوي، وكأن لبنات هذا الحائط أو حجارته تأتم بالخيط وتقتدي به فتكون بذلك سوية.
والله عز وجل جعل طريقة إبراهيم هي طريقة المسلمين فقال: (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) أي المستسلمين لله عز وجل ولشرعه دون شرع غيره.