بمؤهلاتها الطبيعية وشواطئها الساحرة

"روسيكادا".. قبلة سياحية بحاجة إلى تثمين

"روسيكادا".. قبلة سياحية بحاجة إلى تثمين
  • القراءات: 486
بوجمعة ذيـب بوجمعة ذيـب

تعدّ ولاية سكيكدة، المتربّعة على مساحة إجمالية تقدّر بـ4118 هكتار، من بين ولايات الوطن، التي حباها الله بإمكانات سياحية طبيعية نادرة وفي غاية الجمال والإبداع الربّاني، حيث تتنوّع تضاريسها بين جبال ذات غطاء نباتي تمتدّ من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، بقممها الشامخة التي تنفجر من بين صخورها مياه عذبة لا تنضب، كمرتفعات جبل سيدي إدريس، وحجر مفروش، ورأس بوقارون ورأس الحديد، وفلفلة وسطيحة وجبل القوفي.

وتتشكل هذه المقومات الطبيعية، في ديكور أبدع الخالق رسمه، تمتزج فيه الأراضي الخصبة، كسهول وادي الصفصاف ووادي قبلي والوادي الكبير وسهل عزابة، تضاف إليها منطقتا الحروش وعزابة بمراعيها الخضراء المترامية الأطراف، التي تفوق جمال المراعي النورمندية في الأراضي المنخفضة، دون نسيان منطقة قرباز صنهاجة الرطبة المصنفة كمحمية طبيعية، وكذا حماماتها المعدنية للعلاج والاستجمام كحمام الصالحين، وحمام الحامّة الواقع بإقليم بلدية عزابة.

شريط ساحلي يحتضن شواطئ ساحرة

يبقى ساحل ولاية سكيكدة، الممتد على مسافة تقدر بحوالي 147 كلم، الذي يحتضن شواطئ ساحرة تمتدّ من رأس الحديد، بأقصى شرق الولاية، إلى رأس بوقارون بغرب الولاية، ناهيك عن تنوع خلجانها وجزرها وأشباه الجزر الموزعة من سطورة، والعربي بن مهيدي إلى غاية فلفلة، والمرسى والقل، وكركرة، من بين أجمل شواطئ الجزائر، حقيقة ومجازا، خاصة وأنّها تمتزج فيها زرقة مياه البحر الصّافية باخضرار غطائها النباتي المتنوّع، في مشهد رومنسي تزيده بهاء أصوات نوارس البحر، وزقزقات مختلف الطيور وأصوات الأمواج، خاصة حينما تصطدم بالصخور، بعد أن تتحوّل كل تلك الأصوات إلى سنفونية طبيعية خالدة تطرب لها النفوس وترتاح.

شاطئ رأس الحديد.. موقع ساحر بحاجة لتثمين

ومن بين أهم الكنوز السياحية الخلابة التي تزخر بها سكيكدة، شاطئ رأس الحديد المتواجد بأقصى شرق الولاية بإقليم بلدية المرسى، على بعد أكثر من 70 كلم عن مدينة سكيكدة، على الحدود مع ولاية عنابة، الذي يعد واحدا من أجمل الشواطئ على الإطلاق، رغم أنه غير محروس بسبب صعوبة مسالكه، فالزائر لهذا الشاطئ، سيصطدم لا محالة بلوحة فنية يمتزج فيها البحر بلونه الأزرق الذي يختلط بلون جبالها الصخرية، التي تغطيها بعض الشجيرات الجبلية في تشكيل بانورامي أرادته الطبيعة أن يكون ديكورا مميزا، أضفى على المكان صورة من البهاء والجمال.

وأهم ما يتميّز به هذا الشاطئ، هدوؤه الذي تكسر صمته الأمواج المترامية على الكتل الصخرية الجاثمة بكبرياء حينا، وعلى رمال الشاطئ حينا آخر، كما تتواجد في مكان غير بعيد عن هذا الشاطئ، منارة رأس الحديد الشهيرة التي شيدت سنة 1907، كأنها حارس أمين يدخل الطمأنينة إلى النفوس، ليبقى هذا الشاطئ بحاجة إلى التفاتة حقيقية من قبل المسؤولين، من خلال تهيئة المسالك المؤدية إليه، مع إنجاز مرافق تقدّم إضافات للمفهوم الحقيقي للسياحة.

منطقة سياحية تبحث عن مستثمرين حقيقيين

وتتوفر المرسى الساحلية، التي سبق لها أن استفادت منطقتها من التوسع السياحي المتربعة على مساحة تقدر بـ112 هكتار، منها 83.35 هكتارا في إطار التهيئة مصادق عليها، من دراسة تقنية شاملة لإنشاء منطقة سياحية كبرى في الجهة الغربية منها، أوكلت إلى مكتب إسباني متخصص في الدراسات التقنية الخاصة بقطاع السياحة، على هياكل ومنشآت سياحية كبيرة ومرافق خدماتية وأخرى للنزهة والترفيه، حيث تبقى مفتوحة للاستثمار الوطني والأجنبي.

وتشمل هذه الدراسة في مجملها، إقامة "بنغالوهات" ومساكن سياحية وفنادق بـ3 و4 و5 نجوم، ناهيك عن مخيمات عائلية وبيوت سياحية، ومرافق ترفيهية خدماتية، كمحطة للبنزين ومركز خاص بالراحة والاستجمام، وآخر للتنشيط الثقافي والمحاضرات، والندوات وناد للتنس ومحطة لمعالجة المياه ومركز للصناعات التقليدية. وتعدّ المرسى مدينة ساحلية هادئة بامتياز، تحتاج إلى التفاتة حقيقية واهتمام كبير يمكن من تجسيد مشاريعها على أرض الواقع، بما يؤهلها هي الأخرى وما تزخر به من إمكانات كبيرة، لأن تكون منطقة جذب للمستثمرين الحقيقيين، لتتحول المرسى إلى مدينة يقصدها السياح من كل حدب وصوب.

شبه جزيرة القل دون هياكل سياحية تليق بمكانتها

أمّا مدينة شولوس، أو شبه جزيرة القل الواقعة غرب سكيكدة، المتميّزة هي الأخرى بشواطئها الساحرة الخلابة، وباخضرار غطائها النباتي الممتد على طول جبلي دامبو وسيدي عاشور، فتبقى بطبيعتها الجبلية المتميزة، وببحرها الجميل وبكثافة غاباتها متعددة الأنواع والأصناف، وشواطئها الواسعة ذات الرمال الناعمة وطيبة سكانها، إلى جانب كونها مدينة سياحية ساحرة دون منازع ومدينة فريدة من نوعها وطنيا، خاصة وأنّ مياه البحر والخلجان والغطاء النباتي بها تحاصرها من جميع النواحي، ومع كل هذا، تبقى مدينة القل التي تفتقد صراحة إلى فنادق وقرى سياحية وفضاءات ترفيهية، فهي مدينة جديرة بالاهتمام بما يليق بمكانتها كمدينة سياحية وفلاحية وأكثر من ذلك منطقة احتضنت إبّان الثورة التحريرية الكبرى، مقر عاصمة الولاية التاريخية الثانية، كما أنّها كانت مهدا للحركة الوطنية.

شواطئ الجهة الغربية منطقة عذراء

يعد شاطئ "تمنارت" الساحر، الذي يبعد عن مدينة القل بحوالي 18 كلم، هو الآخر من بين أجمل شواطئ الولاية، ليبقى أمل سكان المنطقة قائما، لتسارع الجهات المعنية من أجل تحويله إلى منتجع سياحي بامتياز، لاسيما مع توفره على كل الظروف التي تسمح بتحقيق ذلك، حتى يساهم في ترقية السياحة في هذه المنطقة الآمنة العذراء. ومن بين أهم الكنوز الطبيعية أيضا، التي تعدّ جنّة الله في الأرض، ومن شأنها المساهمة في ترقية السياحة بالمنطقة ومن ثمّة تحويلها وعلى مدار السنة كلّها، إلى منطقة جذب للسياح، أولاد عطية والزيتونة الواقعتان غرب الولاية، فإلى جانب الغطاء النباتي الذي تتميّز به، فإنّ المنطقتين تحوزان شواطئ بحرية غاية في الروعة والجمال كشاطئ خرايف ببلدية خناق مايون وشاطئ مرسى الزيتون، وشواطئ بلدية قنواع، وكلها شواطئ معزولة لا تزال تنتظر التفاتة حقيقية، بما في ذلك شواطئ وادي الزهور في أقصى غرب الولاية، وتمالوس، وعين زويت التي تحوز أيضا على مواقع أثرية مهمة وكذا شاطئ واد بيبي وشاطئ واد طنجي.

جزيرة سيريجينا أروع جزر الساحل بدون منازع

وبسكيكدة، تشكل جزيرة سيريجينا الواقعة في الجهة الغربية من مدينة سكيكدة، على بعد عدة أميال من خليج سطورة الساحر، قبالة الشاطئ الكبير الجميل بمساحة إجمالية تقدر بـ6 هكتارات، واحدة من بين أروع جزر الساحل السكيكدي دون منازع، فهي تشكل لوحة فنية طبيعية أبدعتها يد الخالق، تحيط بها مياه البحر الصافية الزرقاء كزرقة السماء من كل جانب، وتؤمها أنواع من الطيور البحرية المختلفة، في مقدمتها النوارس التي تجد فيها مستقرا آمنا لها. وما يزيد في جمال هذه الجزيرة الساحرة التي تضم في الواقع جزيرتين صغيرتين، إضافة إلى احتوائها على أكثر من 30 صنفا نباتيا، منها صنفان نادران، حيث يعلو الجزيرتين منارة مربعة الشكل يعود تاريخ إنجازها من قبل السلطات الاستعمارية إلى سنة 1874، تقوم بتنظيم حركة تحرك البواخر القادمة إلى ميناء سكيكدة، لتخضع سنة 1961 إلى عملية إعادة تهيئة شاملة فرضتها الظروف آنذاك، كما توجد بها بعض الآثار الرومانية والفينيقية التي لا تزال شواهدها خالدة إلى اليوم.

ويتواجد على طول الشريط الساحلي لولاية سكيكدة، الممتد على طول 140 كلم، 10 جزر بين كبيرة ومتوسطة وصغيرة.

مواقع أثرية ومعالم تاريخية فريدة من نوعها

وإلى جانب كل هذا، تزخر ولاية سكيكدة بالعديد من المواقع الأثرية التي بإمكانها أن تلعب دورا رياديا في مجال ترقية وتطوير السياحة من بينها، الآثار الرومانية المقدسة، أو كما تعرف بموقع "لمساجد" أو "بارسيانيس" الواقعة بالجهة الشمالية الشرقية لبلدية فلفلة، بمحاذاة شاطئ قرباز الجميل، على بعد 53 كلم شرق المدينة.

وتتشكّل الآثار الرومانية من مجموعة من حجارة منحوتة متناثرة على مساحة تقدر ب4 هكتارات، تتواجد بها إلى جانب ذلك بناية رومانية مهدمة عليها آثار واضحة للجدران المنحوتة، تشكل قطعة من الفسيفساء كبيرة الحجم تحتوي على زخارف هندسية متعددة الألوان، زيادة إلى وجود بعض الآثار لأوان فخارية وجزء لعمود فخاري.  للإشارة، فإن وزارة الثقافة خصّت سنة 2012، إلى جانب الموقع الأثري الروماني المعروف باسم قلعة "القلة" بأولاد حبابة (أقصى جنوب سكيكدة)، والمتربعة على مساحة تفوق 9 هكتارات، بدعم مالي يقدر بمليار دينار من أجل إعادة تأهيل الموقعين الأثريين، ومن ثمة تحديد الحدود الفعلية لأثار "بارسيانيس" بغرض إنجاز دراسة لمخطط الحماية والتثمين، على غرار جل الموقع الأثرية المتواجدة عبر ولاية سكيكدة، والتي كان من المقرر أن تشهد عملية تهيئة واسعة حسب أهمية كل موقع وحالته، كالموقع المكتشف بالمكان المسمى "دوار الرضوانية" ببلدية السبت جنوب شرق سكيكدة، الذي هو عبارة عن مزرعة رومانية قديمة تتربع على حوالي 6 هكتارات، ويضم تابوتا حجريا ومعاصر للزيتون وأوان فخارية جنائزية، بالإضافة إلى خزان تحت الأرض كان يستعمل إما لتخزين الماء أو المواد الغذائية، وأيضا الموقع الأثري الواقع ببلدية أم الطوب الذي يعود إلى الحقبة الرومانية، والممتد إلى غاية إقليم بلدية بين الويدان على مساحة تقدر بأزيد من 4 هكتارات، والمتضمن لعدد كبير من الحجارة المنحوتة ومعاصر للزيتون ومطاحن للقمح، دون أن ننسى المسجد الكبير بمدينة القل الذي يعتبر من أقدم المساجد في الجزائر، والذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 1756 من قبل أحمد باي القلي في العهد العثماني، دون إغفال مجمّع "مونتالو" الذي يضم النزل البلدي والبنك المركز ودار البريد وما يجاورهم من حدائق، وأيضا محطة القطار، إضافة إلى السويقة وشارع الأقواس الذي يخضع إلى عملية الترميم، بالإضافة إلى المسرح الجهوي والروماني.

وفي كلّ هذا، تبقى ولاية سكيكدة، تتطلّع لما هو أفضل، خاصة مع الامكانات والمؤهلات التي تحوزها ومن جميع النواحي، حتّى تكون بحق عاصمة للسياحة والسيّاح على مدار السنة كلّها.