"سوق العصر" بقسنطينة أو "حبيب المسكين"

شيء من الماضي وذكريات الزمن الجميل

شيء من الماضي وذكريات الزمن الجميل
  • القراءات: 642
زبير. ز زبير. ز

تقول كلمات الأغنية الشهيرة بقسنطينة، المستمدة من تراث المالوف: "سوق العصر حبيب المسكين"، والتي يأتي في مطلعها "بسم الله نبدا كلامي... قسنطينة هي غرامي"، وقد أطلقت هذه التسمية على هذا السوق الذي يعد من أقدم أسواق المدينة، حسب عدد من الروايات، بسبب تقديم الخضر والفواكه، في وقت مضى، مجانا للفقراء والمساكين، بعد نهاية العمل، وبالتحديد بعد صلاة العصر. يعد "سوق العصر"، كما يسميه القسنطينيون، من أقدم أسواق المدينة، حيث يتحدث مؤرخون عن تواجد هذا الفضاء منذ أكثر من 100 سنة، وبالتحديد خلال الحقبة الاستعمارية، عندما كانت التجارة مزدهرة بقلب المدينة القديمة، وكان يتوسط عدد من البنايات، إذ يقع بساحة بوهالي السعيد بين شوارع القصبة والإخوة بوعتورة و"19 ماي 1956" (رود شوفاليه) وديدوش مراد (شارع فرنسا)، ويقابله من الجهة الشمالية جامع "الكتانية"، أو ما يعرف بجامع "سيدي الكتاني" الذي أنشأه "صالح باي" بين عامي 1771 و1792 ميلادي.

يعشق القسنطينيون، خاصة من سكان المدينة القديمة أو السكان السابقين، الذين تم ترحيلهم في إطار القضاء على السكن الهش، نحو الأقطاب السكنية الجديدة بعلي منجلي وماسينيسا وعين نحاس، التسوق من هذا الفضاء التجاري، حيث يجدون متعة كبيرة وهم يتجولون بين الطاولات التقليدية، وسط الممرات الضيقة، وبين صراخ الباعة الذين يقومون بالترويج لمنتجاتهم بطريقة خاصة، من أجل جلب أكبر عدد من الزبائن. لا يزال "سوق العصر" يحافظ على طابعه التقليدي، حيث ورغم ظهور عدد كبير من الأسواق، سواء بالمدينة القديمة مثل "بومزو" و"بطو عبد الله"، أو في المدن الجديدة كـ"الرتاج مول"، إلا أن هذا الفضاء التجاري يبقى يحافظ على زبائنه الأوفياء، من الذين يرغبون في شم عبق المدينة القديمة، ويأبون التسوق من الفضاءات الأخرى، خاصة في شهر رمضان، حيث يجدون متعة لا توصف خلال التجوال بهذه المنطقة، حتى دون التسوق، ويصعد عشاق التجول بالمدينة القديمة، انطلاقا من حي السويقة، إلى البطحة، نحو شارع طريق جديدة، إلى شارع "فرنسا"، ثم "رود شوفالييه" أو عبر شارع "الرصيف" و"رحبة الصوف"، وتكون نهاية الجولة بالمرور بـ"سوق العصر".

يقف الباعة المتخصصون في بيع الفواكه في مدخل السوق من جهة شارع "فرنسا"، عبر زقاق "الأخوة بوعتورة"، أو من جهة "رود شوفالييه"، حيث يعرضون مختلف السلع الموسمية، بينما يعرض باعة الخضر سلعهم داخل السوق المغطى، فيما أغلق الجزار الوحيد في السوق أبوابه، بعدما قام صاحبه ببيع المحل، في حين يعرض باعة الزيتون والسمك، في الجهة السفلى لهذا الفضاء التجاري، ولا يزال السوق يحتفظ بمحلات بيع لوازم العرائس والأفرشة، على اليمين من جهة مدخل "الأخوة بوعتورة". تقلصت الحركة التجارية بشكل كبير بهذا الفضاء التجاري، خاصة بعد عمليات الترحيل التي عرفتها المدينة القديمة، كما ساهم توقف المصعد الهوائي في نقص عدد زوار السوق، وهو الذي كان ينقل مئات الركاب يوميا، من عدة أحياء بالجهة الشرقية للمدينة، على غرار جبل الوحش، الزيادية، الفوبور، لوصيف وباب القنطرة، نحو المحطة النهائية "بطاطاش بلقاسم"، على بعد أمتار من "سوق العاصر".

عرف "سوق العاصر" خلال السنوات الأخيرة، تدهورا كبيرا، بعدما باتت الأمطار تنفذ عبر أسقفه، في ظل عدم وجود إرادة قوية من طرف السلطات المحلية لترميمه، وهو الأمر الذي جعل عددا كبيرا من التجار يهجرونه نحو فضاءات تجارية جديدة، بحثا عن الرزق ومدخول أحسن من المدخول الذي كانوا يتحصلون عليه خلال تواجدهم بالسوق القديم، الذي ارتفعت فيه الأسعار أيضا وأصبحت مماثلة لبقية الأسواق، ولم يعد "سوق العصر" يحتفظ بميزته "حبيب المسكين".