بات من التراث الثقافي لمدينة قسنطينة
عملية استعجالية لتهيئة "سوق العاصر"

- 104

قرر والي قسنطينة عبد الخالق صيودة، إطلاق عملية استعجالية من أجل تهيئة "سوق العاصر" بقلب مدينة قسنطينة القديمة، الذي يكتسي مكانة اجتماعية كبيرة، تضاف إلى مكانته الاقتصادية والتجارية، بعدما بات هذا الفضاء التجاري، مَعلما مهما من المعالم الثقافية للمدينة، ومحجّاً لسكان عاصمة الشرق، تغنَّى به العديد من الفنانين.
وجاء قرار والي قسنطينة خلال الأيام الفارطة، على اعتبار أن هذا السوق يقع مقابل مسجد "سيدي الكتاني" ومدرسة الكتانية، ووضعه بات يشوّه المنظر بعد استفادة هذين المعلمين الدينيين من عملية ترميم واسعة بمبلغ في حدود 12.9 مليار سنتيم، إذ من المقرر أن يتم تدشينهما على هامش الاحتفالات بالعيد الوطني للاستقلال، المصادف للخامس جويلية من كل سنة.
وحسب والي قسنطينة، "من غير المعقول أن يكون مسجد سيدي الكتاني الذي يحمل اسم أحد أولياء الله الصالحين والذي دُشن سنة 1787 على يد صالح باي بن مصطفى أحد البايات الذين حكموا قسنطينة بين 1771 و1792، في أبهى حلة، بينما يقابله "سوق العاصر" الذي تدهورت حالته، وبات يشكل لوحة غير مشرّفة لعاصمة الشرق الجزائري!".
وطالب المسؤول الأمينَ العام للولاية ورئيس دائرة قسنطينة، بالتحرك في هذا الصدد؛ من خلال التحضير لإطلاق دراسة لتهيئة "سوق العاصر"، يتم إعدادها في أقرب وقت، قبل إطلاق أشغال التهيئة، التي ستعيد بريق السوق، وصورته اللائقة، التي تعكس تراث وثقافة المدينة القديمة. ولمن لا يعرف سوق العصر أو كما يطلق عليه القسنطينيون "سوق العاصر"، فهو السوق الذي أخذ هذه التسمية، حسب عدد من الروايات المتداوَلة، من قصة تقديم الخضر والفواكه في وقت مضى، مجانا، للفقراء والمساكين بعد نهاية العمل، وبالتحديد بعد صلاة العصر.
ويُعد من أقدم الأسواق الشعبية بعاصمة الشرق الجزائري. كما أخذ مكانته من موقعه بقلب المدينة القديمة، على بعد أمتار من الجسر المعلّق سيدي مسيد. وتتحدث بعض روايات التاريخ عن تواجد السوق منذ ما يزيد عن 100 سنة، وبالتحديد خلال الحقبة الاستعمارية، عندما كانت التجارة مزدهرة بقلب المدينة القديمة التي يسكنها العرب، حيث يتوسط عددا من البنايات، إذ يقع بساحة بوهالي السعيد بين شوارع القصبة، والإخوة بوعتورة، و19 ماي 1956 (رود شوفاليه)، وديدوش مراد (شارع فرنسا). ويقابله من الجهة الشمالية جامع الكتانية أو ما يُعرف بجامع سيدي الكتاني، ودار الإمام التابعة لمديرية الشؤون الدينية والأوقاف.
وترجع أهمية هذا السوق الذي عرف في السنوات الأخيرة هجرة جماعية للتجار بسبب كساد التجارة ورحيل مئات السكان من قاطني المدنية القديمة نحو سكنات جديدة بالمدينة الجديدة علي منجلي، إلى أسعاره الملائمة التي تكون في المتناول، والتي كان لا يضاهيها أي محل تجاري، حيث كان هذا السوق مقصدا لأرباب العائلات من أصحاب الدخل الضعيف، والعائلات الميسورة.
ويصطف الباعة في سوق العاصر بشكل متناسق. ورغم ضيق الأروقة بين الطاولات إلا أنّ عددا كبيرا من قاصدي هذا الفضاء التجاري، خاصة من أبناء المدينة القديمة، يجدون متعة في التجول بين هذه الأروقة الضيقة وهم ينتقلون من طاولة إلى أخرى؛ حيث يقف الباعة المتخصصون في بيع الفواكه في مدخل السوق من جهة شارع فرنسا، عبر زقاق الإخوة بوعتورة، أو من جهة نهج 19 ماي 1956 (رود شوفالييه)، وهم يعرضون مختلف السلع الموسمية.
ويعرض باعة الخضر سلعهم داخل السوق المغطى، في حين يقدم باعة الزيتون والسمك سلعهم في المخرج الشمالي الشرقي نحو ساحة ثانوية "رضا حوحو" إلى الطريق المؤدي إلى جسر سيدي مسيد، أو إلى شارع (بلقاسم طاطاش) "الشارع" في الجهة السفلى من هذا السوق، الذي لايزال يضم محلات بيع لوازم العرائس والأفرشة على اليمين؛ من جهة مدخل الإخوة بوعتورة.