"الصخرة السوداء" ببومرداس

معلم تاريخي وسياحي لأول حكومة جزائرية

معلم تاريخي وسياحي لأول حكومة جزائرية
حنان سالمي حنان سالمي

ارتبطت ولاية بومرداس بالتسمية التاريخية لها "الروشي نوار"، أو الصخرة السوداء، الكائنة إلى يمين الشاطئ المركزي، بالواجهة البحرية لمدينة بومرداس، هذا المكان يحمل بعدين سياحي وتاريخي، يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، حينما كانت عبارة عن "فيلاج الكولون" أو قرية صغيرة تحصي بضعة بنغالوهات، يقصدها المُعمرون من النواحي القريبة للاستجمام خلال الموسم الصيفي.

أنشأ "فيلاج الروشي النوار" في 1958، وكان يتوسط مستثمرتين فلاحيتين، إحداهما من الجهة الشرقية للمُعمر "فاما"، وكانت حدائق للحمضيات، والثانية عبارة عن كروم على امتداد البصر لصاحبها المُعمر "بامبي"، وكلتا المستثمرتين تقعان بين واديين هما حاليا؛ وادي قورصو ووادي بومرداس الذي يصب في البحر، وعلى يمينه تنتصب الصخرة السوداء شامخة، وتمتد أمتارا إلى داخل البحر، ومازال سحرها إلى اليوم يفعل فعلته في زورا المكان ممن يلقون بأنفسهم بين أحضان الأمواج من أعلى الصخرة.

"الروشي نوار".. هوية بومرداس

الملاحظ بكل الدعائم السياحية المروجة لولاية بومرداس، أنها تحمل صورة "الروشي نوار"، فالولاية مرتبطة بهذه التسمية منذ عقود طويلة، والمكان بذلك أحسن ترويج للولاية ككل، كونه مرتبط بشكل وثيق بمرحلة مهمة جدا في تاريخ الجزائر المستقلة، سنأتي على ذكره. وحسب الروايات التاريخية التي تحتفظ بها الذاكرة الجماعية هنا بالمجتمع المحلي، فإن "فيلاج الروشي نوار" كان بنهاية خمسينيات القرن الماضي، يحصي بضعة بنغالوهات أو بيوت جهزت خصيصا لاستقبال الكولون من ضواحي الثنية ومناطق داخلية أخرى، للاستجمام طيلة الموسم الصيفي، حيث كان "الفيلاج" يشبه قطعا تناثرت بين زرقة البحر واخضرار الأراضي المترامية على مد البصر.

رغم ذلك، فإن صيت المكان كان ذائعا جذب اهتمام الماريشال ديغول، الذي أدرج "الروشي نوار" ضمن مخطط قسنطينة لعام 1958، حيث أدرجت المنطقة (بومرداس حاليا) لتصبح العاصمة الإدارية، بفضل موقعها بالقرب من عاصمة الجمهورية (ولاية الجزائر)، وبقيت العمارات "الزرقاء" المتناثرة بقلب مدينة بومرداس حاليا، شاهدة على ذلك، حيث يمكن للزائر الوقوف على مخطط عمراني خاص جدا بالمدينة، بفضل الاستغلال الجدي للمساحات والاتساع الملحوظ إلى اليوم، وهو بالفعل ما يجعل للمدينة "كاشيه" أو ختما خاصا، تماما مثلما جعل لها احتضانها لمقر الحكومة المؤقتة (حاليا رئاسة جامعة أمحمد بوقرة) سمعة تاريخية خاصة، تتردد على السن الأجيال المتلاحقة، وهي تدرس التاريخ الوطني... ففي مقر الحكومة المؤقتة التي ترأسها "عبد الرحمن فارس"، بالقرب من "الروشي نوار"، رفع علم الاستقلال الوطني لأول مرة بعد 132 سنة من الاستعمار الفرنسي الغاشم.. مازال هذا المقر يشهد على الفصول الأولى للاستقلال... قشعريرة تنتابنا كل مرة عندما نتجول بين أروقة هذا المقر الشامخ، يخيل لك أنك ترى وتسمع كل أولئك الصناديد الذين مروا من هنا، وهم يحملون همّ بناء الجزائر.

موقع تاريخي وسياحي عرضة للنسيان

ما بين مقر الحكومة المؤقتة و"الروشي نوار"، شارع هو الآخر يبقى شاهدا على صفحة ناصعة من تاريخ الجزائر الفتية... هناك قاعة المحاضرات المبنية ضمن الصداقة ما بين الشعبين الجزائري والروسي (الاتحاد السوفييتي آنذاك)، هي الأخرى معلم تاريخي وسياحي على السواء، يستحق الإشادة والزيارة... القاعة تطل مباشرة على الصخرة السوداء بداية ونهاية حديثنا... مكان تاريخي وسياحي بامتياز، شهد على مر السنين تغيرات كثيرة، سواء بفعل عوامل الطقس والزمن، أو بسبب يد الإنسان التي عبثت فيه لدرجة تغيرت معها ملامح "فيلاج الروشي نوار"، لاسيما من ناحية النسيج العمراني الفوضوي المتناثر بها بشكل شوه كثيرا هذه المنطقة، زاده انهيار خزان الماء الذي ظل لسنوات معلما آخر، شاهدا على المكان التاريخي تشوها يثير في نفس كل من عايش فترة "الفيلاج"، وما بعده أسفا وحسرة.

وسجل موقع الصخرة السوداء خلال 2013 و2014، مشروعا لإعادة التهيئة كامل الموقع بما يريد له البريق المفقود، لاسيما تهيئة قنوات الصرف الصحي، وكذا قنوات المياه والطريق، ضمن مشروع خصص له حينها غلاف مالي هام يقدر بـ12 مليار سنتيم، لكن المشروع بقي يراوح مكانه إلى أن طاله التجميد، ثم تسجيل محاولة إعادة بعثه مجددا في 2017، حيث أدرج كذلك إعادة بناء خزان الماء الذي تهدم بعد زلزال 21 ماي 2003، وبالمثل لم ينطلق المشروع بعد لأسباب مجهولة، رغم الأهمية التاريخية والسياحية للموقع. لكن الجدير بالذكر هنا، هو إدراج وزارة السياحة لموقع "الروشي نوار" ضمن مخطط التهيئة السياحية لبلدية بومرداس-الكرمة الفقرة رقم 04، وألزمت أن يكون لهذا الموقع السياحي والثقافي اهتماما خاصا، بهدف المحافظة عليه وتنميته.

كما تضمنت هذه الخطوة كذلك، أهدافا أخرى، وعلى رأسها إعادة القيمة التاريخية لموقع الصخرة السوداء كأول مستوطنة بشرية بالمنطقة، إضافة إلى العمل على إبراز المقومات السياحية له، من خلال المحافظة على البنايات القديمة به (الأصلية) من أجل دمجه ضمن الديناميكية العمرانية للمدينة، وجعله عامل جذب سياحي، غير أن الواقع غير ذلك تماما، حيث أن الاعتداءات على الموقع متواصلة دون أن تحرك الجهات المختصة ساكنا، إذ تم تهديم البنايات القديمة وإعادة بناء بنايات أخرى بطريقة لم تراع ولم تحافظ على الطابع العمراني للموقع التاريخي، ناهيك عن وجود بناية عبارة عن عمارة من عدة طوابق قيد الإنجاز، شوهت وجه المكان كلية، بالرغم من أن تعليمات وزارة السياحة بشأن البناء بهذا الموقع التاريخي واضحة، وتشير ـ حسب مصدر مطلع حدثنا في الموضوع- بأنه يمكن منح الترخيص للبناء في الموقع، أو تغيير بناية، إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون ذلك بما يتماشى مع جعله عامل جذب سياحي للموقع ككل... غير أن الواقع في الميدان مغاير لذلك تماما... بكل أسف.