سوق "السردين" بتيزي وزو
مقصد يستهوي الصائمين وينافس المحلات
- 804
يبحث المستهلك دائما عن الخضر والفواكه الطازجة، التي تحتفظ بلذتها وطعمها الطبيعي، التي تتشكل باجتماع قطرات المطر وحرارة الشمس في مرحلة النمو والإثمار، في حين لا تقتصر عملية البحث عن الخضر، فحسب، بل وحتى اللحوم بمختلف أنواعها، والأسماك أيضا تستهوي المواطن الذي يسعى إلى اقتنائها طازجة تفوح راحتها من بعيد، لمن لا يعرف مكان بيع خيرات البحر، كما هو الأمر بالنسبة لسوق "السردين" ببلدية تيزي وزو، مثلما يلقب، كونه يعرض الأسماك بأنواع وأشكال تجلب أنظار المتسوقين ويتهافتون على اقتنائها.
سوق الخضر والفواكه المغطى، الواقع بشارع "عبا" وسط مدينة تيزي وزو غني عن التعريف، حيث تباع فيه مختلف خيرات الأرض من الخضر والفواكه التي يضعها التجار على الرفوف بشكل جميل، وأسعار متباينة، مع استعمال جملة "سلعة جديدة"، "طازجة ومنتجات طبيعية"، مما يتيح المجال للزبائن خيار اقتنائها من عدمه، والذي يتوقف على حسب مقدور كل واحد وما يتواجد في جيبه، ولعل الظفر بخضر طبيعية "بيو" أصبح من الأمور التي يسعى وراءها المستهلك اليوم، لإدراكه أهميتها بالنسبة للصحة، ناهيك عن ذوقها ولذتها التي لا تقارن بغيرها من الخضر. تعرض الخضر والفواكه بأنواعها وأصنافها بأسعار تنافسية، تجعل كل من يقصد السوق يختار التاجر الذي يناسبه من حيث المنتوج والسعر أيضا، حيث تفتح السوق المغطاة أبوابها لاستقبال الزبائن في الساعات الأولى من صباح كل يوم، وعلى مدار أيام الأسبوع، كما تفتح المحلات المجاورة الموزعة بشارع "عبا" أبوابها مبكرا، ليتم إخراج الطاولات وتثبيتها على الأرصفة من أجل عرض المنتجات من خضر وفواكه.
وتحولت تسمية السوق المغطاة إلى سوق "السردين"، بعدما طغى نشاط بيع السمك على النشاط التجاري الآخر، حيث كانت في الماضي القريب، توجد طاولة أو طاولتين لبيع السمك الأزرق، ومع مرور الوقت استقطب السوق تجار السمك بقوة، وقاموا بإضافة طاولات أخرى لعرض أنواع مختلفة من خيرات البحر، مما جعل المكان مقصد العائلات لاقتناء الأسماك الطازجة بأسعار مقبولة، ورغم قلة النظافة التي تسود المكان بسبب تسرب المياه، نتيجة ذوبان الجليد المخصص لضمان حفظ سلسلة تبريد السمك، ومنع إتلافه، خاصة عند ارتفاع الحرارة، لكن العائلات تتهافت بشكل كبير على السوق، وأحيانا هناك من يقدم طلبيات لتحضير نوع معين من السمك له في اليوم الموالي.
جعل تحول تسمية السوق المغطاة إلى سوق "السردين"، مجالا مفتوحا أمام أصحاب المحلات واستغلاله عبر فتح مطعم لإعداد "السردين" لزوار السوق والباعة أيضا، حيث يعرف المطعم قبل حلول رمضان، إقبالا كبيرا للزبائن من أجل تناول طبق السمك الطازج الذي تجعل رائحة طهيه تسيل اللعاب، وتدفع إلى تذوقه دون تفكير، لاسيما أنه بعد مرور الساعة الواحدة زوالا، لا يجد من يقصد المطعم ولا سمكة واحدة لتناولها، وعملا على استمرار خدمة الزبائن، عمد صاحب المحل خلال شهر رمضان الكريم، إلى تحويله لبيع منتجات التعليب من الزيتون المخلل بأنواعه، الفلفل، الخيار وغيرها من المواد التي لقيت إقبالا كبيرا من طرف الصائمين، ولعل الجودة والسعر المعقول من العوامل المحفزة على التهافت على المحل.
سوق "السردين" يستقبل نشاطات أخرى في رمضان
مع حلول شهر رمضان، يقتحم سوق "السردين" نشاطات جديدة تواكب الشهر الفضيل، منها بيع الأعشاب المعطرة، الزيتون المعلب، الحلويات التقليدية، كما اقتحم البعض السوق لبيع "الكسرة" و"الديول" والتمر وغيرها من المواد التي يسترزقون منها، وفي المقابل، يجد المستهلك ما يبحث عنه، خاصة كبار السن والعاملات اللواتي لا وقت لديهن لتحضير بعض الحاجيات، خاصة "الكسرة". يقول "دا مقران" رب عائلة، إن زوجته تعد الكسرة في كل رمضان، ويقوم ببيعها في السوق، موضحا أنه يستعين بسلة الخضر لعرض "الكسرة" محفوظة في أكياس نظيفة بعيدا عن الغبار، مع مناداة الزبائن بالتقرب لاقتناء "كسرة" مصنوعة باليد ولذيذة، مؤكدا على أنه لا يغادر السوق حتى يقوم ببيع الكمية التي أحضرها، وأنه يستغل في المقابل، المال الذي يجنيه في اقتناء الخضر والفواكه لعائلته.
أضاف "دا عاشور"، أنه يقصد السوق لبيع منتجات حقله، بحسب الفصول التي يحل فيها رمضان، وقال إنه يعرض البصل، الثوم، الفول، الكوسة، البازلاء وغيرها بأسعار معقولة، معتبرا هذه العملية بالنسبة له، فرصة لجمع القليل من المال واستغلاله لمساعدة عائلته عبر اقتناء مستلزمات أخرى في المقابل. ذكرت زبونة كانت واقفة أمام طاولة "دا عاشور" أنها زبونة وفية، حيث تقصد نفس المكان لاقتناء احتياجاتها، لأنه سبق أن اقتنت منتجات ونالت إعجاب عائلتها، موضحة أنها تقصد السوق لاقتناء السلع الضرورية لإعداد وجبات رمضان، وفي كل مرة تمر أولا على طاولة "دا عاشور" لأخذ ما تحتاجه وتكمل باقي مشترياتها عند باقي التجار، مستنكرة الأسعار التي تباع بها الخضر والفواكه هذه السنة، والتي تجاوزت الحد المعقول.
قال ياسين، وهو يتم الأب، إنه يقصد السوق ليسترزق منه ويعيل عائلته، حيث يقدم له التجار الخضر والفواكه التي تبقى في السلال بعد نهاية البيع، معبرا عن استيائه لتصرفات البعض الذين يزاحمون "الزوالية" في الحصول على أكياس من الخضر مجانا، في حين أنه يمكنهم اقتناءها بمالهم، كما أن هناك من التجار من يفتقرون للرحمة، وهمهم الوحيد البيع وجمع المال ولا يراعون مشاعر "المغبونين". أشار جمال إلى أنه يقوم من حين لآخر ببيع "الديول" في السوق، وأنه تمر أمام أعينه مشاهد مؤثرة لمواطنين يمرون بالسوق مرارا للنظر فقط، حيث أن الغلاء الذي ميز الخضر الفواكه هذه السنة دون الحديث عن اللحوم، تضرر منها الفقير وذوو الدخل الضعيف بشكل كبير، مؤكدا أنه يجوب المستهلك بين الباعة ليغادر السوق ومعه كيس صغير، مشيرا إلى أنه لا يمكن للفقير اقتناء السمك الأزرق ولا الدجاج، ليقصد محلات بيع اللحوم المجمدة التي تبقى أسعارها أقل ما يقال عنها مقبولة.
تبقى أسعار السوق المغطى لبيع الخضر والفواكه مقبولة إلى حد ما بالنسبة لبعض المواد، ومرتفعة بالنسبة لبعضها الآخر، غير أن الزبون قبل أن يقرر اقتناء حاجياته، يسأل عن السعر أولا، لتكون له رؤية واضحة، على اعتبار أن المستهلك يبحث عن تاجر يبيع بأقل الأسعار حتى وإن كان الفارق 5 دنانير، لأنه كما قال "دا ارزقي"، زبون قصد السوق، إن ربح 5 دنانير اليوم وغدا يمكن اقتناء خبزة واحدة بها، مؤكدا أن الحياة اليوم كلها حسابات، حتى يستطيع الفرد أن يعيش، لاسيما أن الأزمة عصفت بالجميع ولا يوجد حتى من يقرض المال للآخر.