من أهم مناطق الجذب السياحي.. حمام ملوان بالبليدة

مقومات طبيعية ومؤهلات بشرية تحتاج للعناية

مقومات طبيعية ومؤهلات بشرية تحتاج للعناية
  • القراءات: 305 مرات
رشيدة بلال رشيدة بلال

تعد منطقة حمام ملوان (شمال شرق عاصمة المتيجة البليدة)، واحدة من أهم مناطق الجذب السياحي بولاية البليدة، يمكن أن يمارس فيها الزائر عددا من الأنشطة السياحية في وقت واحد، حيث تجمع بين السياحة الحموية والجبلية العائلية الاستكشافية، والسياحة الغذائية للباحثين على المنتجات الطبيعية الخالية من المبيدات، والسياحة الريفية أو البيئية، والسياحة العلمية لما تعرفه من تنوع بيولوجي، كل هذا يجعلها قبلة محببة للكثير من الزوار من داخل البليدة وخارجها، خاصة بعدما روج لها رواد مواقع التواصل الاجتماعي والمؤثرون، وفي المقابل، تقوم السلطات المحلية كل سنة، ببعض المشاريع لتهيئتها، كإنشاء فضاءات جديدة للراحة وتنصيب الكراسي والطاولات والحاويات الخاصة بالنفايات، وحتى فضاءات صديقة للبيئة للعب الأطفال، كل هذا من أجل أن يستمتع الوافد إليها بالزيارة، وتحفظ ذاكرته جمال المكان، للعودة إليها مرة أخرى.
لا يشعر من يختار زيارة حمام ملوان بالملل، عندما يشد الرحال إليها، بالنظر إلى جمال مسلكها الذي تحيط به الأشجار والمناظر الطبيعية وباعة الفواكه الموسمية المنتشرين على حافتي الطريق، وأكثر من هذا، تصادف في الطريق عددا من الباعة الذين اختصوا في تحضير مشتقات الألبان والأجبان، فإن كنت من محبي هذا النوع من الأغذية، ما عليك إلا التوقف واقتناء ما تريد من ألبان وأجبان لذيذة وطبيعية أبدع صانعها في تقديمها بأذواق مختلفة، لعل أكثر ما تجتمع فيه هذه المنتجات الطبيعية، كونها طبيعية مائة بالمائة، حيث تستخرج من حليب الأبقار والماعز التي يربيها فلاحو المنطقة، وتنكه ببعض أنواع الأعشاب العطرية التي يتم جلبها من طبيعة حمام ملوان العذراء.
توقفت "المساء" بمحل "عمي مسعود. س"، الذي برع في تجميل محله ببعض الصناعات التقليدية، ليشد إليه الزوار، فبمدخل المحل، نجد وعاءين كبيرين في شكل قدر كبير من الألمنيوم يدور طيلة اليوم لتحضير اللبن، حيث أكد صاحب المحل في معرض حديثه، إن الطلب كبير عليه في الصيف لتناول الكسكسى مرفقا بالدلاع، خاصة وأن سكان البليدة معروف عنهم حبهم لتناول المسفوف باللبن المحضر من حليب البقر"، أما بالنسبة لأنواع الأجبان، فأشار إلى أنه يصنعها من مواد طبيعية، وفي السنوات الأخيرة، أصبح يميل إلى تنكيهها بالزعتر والثوم والزعيترة والنعناع والزيتون وزيت الزيتون، وغيرها من المواد الطبيعية الأخرى، لتلبية كل الأذواق، فضلا عن بيع كل ما يتعلق بمشتقات القمح والشعير، ممثلة في "خبز الطاجين" والكسكسي بكل أنواعه، وحسبه، فإن أغلب الزوار يتوقفون عند باعة الأجبان الذين زاد عددهم في السنوات الأخيرة، بمدخل حمام ملوان، لشراء ما يحتاجون إليه قبل ولوج المنطقة السياحية وبعد الخروج منها.

حركية كبيرة في الساعات الأولى من الصباح

أكثر ما يشد انتباهك وأنت تدخل إلى منطقة حمام ملوان، الحركية الكبيرة التي تعرفها المنطقة، حيث تفتح المحلات، حسب ما أكده بعض التجار لـ"المساء"، في الساعات الأولى من الصباح، وبعضهم بعد صلاة الفجر مباشرة، من أجل تهيئة محلاتهم لاستقبال الزوار والتنافس من طرف محلات بيع الطعام، خاصة من اختص في تحضير الدجاج على الجمر، لاستقطاب أكبر عدد من الزوار، بينما يسارع باعة وحرفيون مختصون في الصناعات التقليدية، إلى إخراج كل ما لديهم من أوان لعرضها في واجهات محلاتهم، والترويج لها، وحمل الزوار على الوقوف أمامها للفرجة أو الشراء.
وحسب بعض الباعة، فإن أكثر ما يتم بيعه، هي الأواني الفخارية، وتحديدا ممن يعانون من بعض الأمراض الذين يميلون إلى الأكل في الأواني المصنوعة من الطين، كونها صحية أكثر من غيرها، وقنينات الماء والطواجين وحتى بعض المشغولات الموجهة للزينة، مثل "الطبل " أو "الحصالة"، مشيرين إلى أن موسم الصيف، يعد من أكثر المواسم التي تنتعش فيها الصناعة التقليدية في المنطقة، من أجل هذا، يحاولون قدر الإمكان استمالة الزوار لبيع ما أمكن من سلعهم.
وإذا كان التجار والحرفيون يحاولون شد الزوار والسياح بما يعرضونه من سلع في محلاتهم، فإن الأطفال من أبناء المنطقة أيضا لديهم نصيبهم من العملية التجارية، ولعل هذه ميزة أخرى تنفرد بها المنطقة، إذ يبدو أن أغلبهم يمارسون مختلف الأنشطة التجارية خلال الصيف، حيث نجد بعضهم، أقل من عشر سنوات، يبيعون الأعشاب العطرية والطبية التي يتم جمعها من غابات ومرتفعات مقطع الأزرق، والملفت للانتباه، أنهم يعرفون أسماءها واستخدامات كل واحدة منها، وآخرون يبيعون "المطلوع"، حيث نجدهم يتجولون بين المارة تحت أشعة الشمس الحارة، محاولين استعطافهم، حتى يشتروا منهم ويصرفوا ما لديهم من "المطلوع"، لجلب أخرى، ومنه تحصيل أكبر قدر من المال.
ورغم أن المبلغ رمزي، حيث لا يتجاوز 50 دينارا لـ"المطلوعة" الواحدة، إلا أنه يعتبر، حسبهم، كافيا، بينما يبيع آخرون معدات البحر الموجهة للأطفال، بينما يبيع البعض الآخر الأجبان التي تحضرها أمهاتهم في المنزل بالطريقة التقليدية، حيث يتم بيعها على أوراق التين، لجلب انتباه الزوار، وحثهم على الشراء، وعلى الرغم من بساطتها، إلا أن ذوقها يظل مميزا ولذيذا.

حرص على نظافة المكان وراحة الزائر

إذا كنت تريد التواجد على ضفاف الوادي، ما عليك إلا ركن السيارة بالمواقف المخصصة لها، والوقوف بالوادي، ليأتيك العمال الموسميون الذين يستأجرون الوادي كل سنة، ويقسمونه بينهم، من أجل الاسترزاق، حيث تجدهم يسارعون إليك، كل يجذبك إليه ليختار لك مكانا مناسبا بالجهة التي استأجرها، ويحاول إظهار نوعية الخدمات الراقية التي يقدمها لك في خيمته، كأن تكون، مثلا، قريبة من الوادي ومهيأة بالطاولات أو الكراسي، أو حتى بالزرابي لمن لا يرغب في استعمال الكراسي، وعلى العموم، فإن كراء الخيمة يتباين بين 700 و800 دينار، حسب ما تتوفر عليه الخيمة من معدات، ولعل أكثر ما يشد الانتباه، حرص العمال على نظافة المكان وراحة الزائر.
وحسب ما وقفت عليه "المساء"، فإن فئة كبيرة من زوار حمام ملوان، من العائلات التي لديها أبناء صغار، حيث يقصدون المنطقة ليتمكن أبناؤهم من السباحة فيها بكل حرية، ودون الخوف عليهم من الغرق، فلا حاجة إلى حراستهم، بينما تجلس النسوة على ضفاف الوادي في تجمعات للدردشة، وبعضهن يقمن بدهن وجوههن بالطين الموجود على ضفافه، تبعا للاعتقاد الرائج بأنه يساعد على تنظيف البشرة ويعطيها نظارة وجمالا، خاصة وأنه من المواد الطبيعية التي لا تؤذي البشرة، بينما تختار المسنات الجلوس في مياه الوادي، والاستمتاع بجريان وبرودة مياهه الصافية.
الملاحظ أن الفترة الصباحية، تعرف حركية وحيوية كبيرة، حيث تتعالى أصوات الأطفال للعب والقفز في الوادي، أما في الفترة المسائية، فيميل الأغلبية إلى التواجد داخل الخيم، وأخذ قيلولة وسط الطبيعة الساحرة، أما بالنسبة لبعض العائلات التي لا تحب التواجد في الخيمة، فإنها تختار الجلوس في الغابات المقابلة للوادي، لتناول وجبة الغذاء والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة للمنطقة.

الأسعار تنافسية والمتعة مضمونة

لعل أهم ما يميز منطقة حمام ملوان، أنها ـ كما يقال ـ"منطقة اجتماعية"، حيث توفر للمقتدر، نوعية خدمات تلبي احتياجاته، وتمنح للمتوسط، وحتى الفقير، نوعية خدمات تتناسب أيضا مع إمكانياته، ما يعني بأن المتعة مضمونة للجميع، والأكيد في نهاية المطاف، أن كل الزوار يغادرون المنطقة وهم يشعرون بالرضا، فإن كان الزائر للمنطقة يريد كراء غرفة في فندق، فإن الأسعار متباينة بين 4 آاف و9 آلاف دينار، فإن كانت لشخص واحد 4 آلف دينار، ولشخصين 7 آلاف، أما 3 أشخاص فتبلغ حدود 10 آلاف دينار، أما إن كان الزائر يريد التواجد في الخيمة، فإن سعر الكراء ليوم كامل لا يتجاوز 800 دينار، وهو مبلغ يبدو في متناول كل الراغبين في الراحة والاستجمام والتمتع بالهدوء وجمال الطبيعة.
من جهة أخرى، يضمن فندق "الزعيم" الذي ذاع صيته في كل ولايات الوطن، مقومات السياحة الحموية ومتعة الجمع بين السباحة والعلاج، حيث تقصده العائلات من كل الولايات على مدار السنة، ورغم أن السياحة الحموية يكثر عليها الطلب في فصلي الشتاء والربيع، إلا أننا وقفنا عند الإقبال الكبير للزوار على هذا الفندق، للتمتع بما يقدمه من خدمات علاجية، وحسب بعض الوافدين، فإن زائر حمام ملوان لا بد له، على حد قول مواطنة من سكان العاصمة، من "تحميمة" فيه، ويتمتع بما يقدمه من خدمات راقية، يكفي فقط التواجد في مياهه الصافية المعدنية التي تعيد للجسم انتعاشه.

..نقائص تحتاج للتدارك

يحاول الحرفيون والتجار المختصون في بيع الصناعات التقليدية، قدر الإمكان، الترويج لسلعها، قصد بيعها، غير أنهم في المقابل يبالغون في الأسعار، وهو ما جعل بعض الزوار يشتكون، فالكثيرون يرغبون في الشراء، إلا أن عامل السعر يلعب دورا كبيرا في ذلك، وهو الأمر الذي أرجعه البعض من الحرفيين والباعة، إلى وجوب اغتنام الفرصة للتسويق في هذا الوقت من السنة، بسبب الركود الذي تعرفه المنطقة في باقي أيام السنة، وكذا إلى صعوبة تسويق منتجات الصناعات التقليدية بسبب غياب سوق خاص بها.
من بين التحديات التي تواجد منطقة حمام ملوان، وتهدد البيئة المائية، ضخ مياه الوادي بطريقة غير عقلانية من قبل وحدة "الجزائرية للمياه"، خلال فترة الصيف، حسب ما كشف عنه لـ"المساء"، رئيس جمعية "الأزرق الكبير"، مراد سالي، ما جعل مجرى الوادي مهددا بالجفاف، مع نفوق كل أشكال الحياة المائية، من أسماك وكائنات مائية ونباتات تعد حلقة أساسية في نظام السلسلة الغذائية لكثير من الكائنات الحية، على غرار الطيور وبعض الحيوانات البرية بالمنطقة، مع العلم، يقول رئيس الجمعية في معرض حديثه مع "المساء"، إن وجود الأسماك في مجرى الوادي، عامل مهم في معرفة سلامة مياه الوادي أو تلوثها، ويوضح أن مياه الوادي يستعملها الكثير من الفلاحين في سقي بساتينهم، وتعد ضفتا الوادي كذلك مصدر رزق لكثير من الشباب البطال بالمنطقة، وحتى للعائلات المعوزة التي ينشط أبناؤها في بيع المأكولات التقليدية والمنتجات الفلاحية الطبيعية.

مشروع لتصنيف مقطع الأزرق منطقة رطبة

من جهة أخرى، أكد رئيس الجمعية، الأستاذ مراد سالي، وجود مشروع لتصنيف منطقة مقطع الأزرق بحمام ملوان ضمن المناطق الرطبة، التي تعد مصدرا حيويا للتنوع البيولوجي، الأمر الذي يعزز كونها منطقة جذب سياحية ويزيد في شهرتها، لذلك يشدد على أن العقلانية في ضخ مياه الوادي، يعني الحفاظ على السلسلة الإيكولوجية ككل، في ظل وجود قوانين وتشريعات ومراسيم تنفيذية تحمي الثروة المائية والإيكولوجية من كل ما يؤثر عليها، مثل المرسوم رقم 399/07 المؤرخ في 23 ديسمبر 2007، والقانون الجديد رقم 23/21 المؤرخ في 23 ديسمبر 2023، المتعلق بحماية المناطق الرطبة والثروة الغابية، مشيرا في السياق، إلى أن الجمعية وأبناء المنطقة، يرفضون كل ما يمس بأحد مقومات البيئة الطبيعية، نظرا لما تخلفه مثل هذه التجاوزات من آثار وخيمة على الطبيعة، وعلى التوازن الايكولوجي والتنوع البيولوجي، الذي تزخر به المنطقة والإنسان على حد سواء، مطالبا  بالمناسبة، من الجهات المعنية، التدخل واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية هذه المنطقة السياحية، التي لفتت انتباه المؤثرين عبر منصات التواصل الاجتماعي، وروجوا لها عبر صفحاتهم، وهو ما ساهم في إنعاشها سياحيا.