بلدية منجمية بامتياز

بوخضرة.. عندما تنام العزلة على ثروة هائلة

بوخضرة.. عندما تنام العزلة على ثروة هائلة
  • 990
نجية بلغيث نجية بلغيث

تنمية غائبة وشح في المياه وتلوث كبير بالبيئة

تعتبر ببلدية بوخضرة المنجمية، التابعة لإقليم دائرة العوينات بولاية تبسة، من أهم المناطق الاقتصادية على مستوى الوطن، حيث تنام على ثروة طبيعية هامة لمناجم الحديد ومشتقاته، فيما يعيش أكثر من 14 ألف نسمة من سكانها تحت حصار أزمة ثلاثية الأبعاد، شملت التهيئة الحضرية وندرة مياه الشرب، والأمراض الصدرية والحساسية، الناتجة عن الانتشار الرهيب للغبار المنبعث من مناجم الحديد.

عبر سكان العديد من الأحياء ببلدية بوخضرة لـ«المساء"، عن استيائهم الشديد لانعدام الكثير من متطلبات العيش الكريم بإقليم جماعتهم المحلية، مؤكدين أنهم يعيشون معاناة مريرة مع جملة من النقائص، موضحين أن عمليات التهيئة تكاد تكون منعدمة، ومن شأنها الدفع بعجلة التنمية في هذه المنطقة إلى الأمام، فرغم أنها منطقة تنام على ثروة طبيعية هائلة، إلا أن زائرها اليوم يجد هذه البلدية العريقة بتاريخها، في وضعية متأزمة، بسبب انتشار البنايات الفوضوية، واهتراء الطرقات والأرصفة، وغياب الإنارة العمومية، ناهيك عن تفشي البطالة، وانتشار النفايات التي تكاد تغرق أحياء المدينة في الأوساخ.

كما تشكل تسربات مياه شبكات الصرف الصحي هي الأخرى، عائقا كبيرا بالنسبة لسكان بوخضرة، الأمر الذي جعل الروائح الكريهة تنبعث منها في كل الاتجاهات، وهو ما سيؤدي حتما إلى انتشار الأوبئة الفتاكة والأمراض بين المواطنين، خاصة مع قرب حلول فصل الصيف، حيث تكثر الحشرات ومختلف الأمراض المتنقلة عن طريق المياه. أوضح القاطنون بكل من أحياء "لاشلام" و"1 نوفمبر" و"40 مسكن" وحي الشهيد "نويري الصيفي"، وغيرها من الأحياء، أنهم يعيشون حياة صعبة للغاية، في ظل غياب أهم أساسيات العيش الكريم، حيث تنعدم كل مظاهر التهيئة، انطلاقا من الطرقات، إلى الإنارة العمومية وشبكات الصرف الصحي المهترئة، التي تحتاج إلى تجديد كلي.

أزمة حادة في التزود بمياه الشرب

من جهة أخرى، يشتكي سكان عدة أحياء  ببلدية بوخضرة، من أزمة غياب مياه الشرب، وهو ما انعكس سلبا على حياتهم وأجبرتهم على التنقل إلى مسافات بعيدة لجلب هذه المادة الحيوية، فيما لجأ البعض الآخر إلى اقتناء المياه بواسطة الصهاريج، دون معرفة مصدرها، وبأسعار مرتفعة لا تقوى عليها العائلات المحتاجة، أو أصحاب القدرة الشرائية المحدودة. 

وحسب ما صرح به سكان كل من أحياء؛ "6 ماي والفجر والعامرية والزهور وهوام محـمد الطاهر"، فإن التموين بهذه المادة الحيوية، يكون بين 10 إلى 15 يوما، وهناك أحياء تصلها المياه مرة واحدة في الشهر، ويكون ذلك في منتصف الليل، حيث يحرم السكان حتى من نومهم، الأمر لذي جعلهم وأطفالهم على مدار اليوم، في رحلة شقاء، حاملين الدلاء يبحثون عن قطرات من الماء. وكحل من شأنه أن ينهي أزمة العطش ببلدية بوخضرة، التي كانت تعرفها البلدية منذ سنوات، تم مؤخرا، الانتهاء من إنجاز بئر بأعالي البلدية سنة 2012، إلى جانب خزان مائي بجانب البئر الذي كان يفترض أن يرفع الغبن عن سكان المدينة ككل، غير أن هذا الأمل لم يدم طويلا، لتتغلب عليه أزمة العطش مجددا.

فحسب تصريحات العديد من السكان، كل المضخات الخاصة بهذه البئر التي أنجزت بصفة استعجالية آنذاك، نظرا لحدة الأزمة، لم تستغل إلا لأشهر قليلة، بالرغم من ضخها لحوالي 50 لترا في الثانية، وهي الكمية التي اعتبرها السكان غير كافية، لكنها تفي بالغرض تزامنا مع تواصل الأزمة إلى غاية اليوم، وهو ما أكده السكان، موضحين في نفس الوقت، أن هذه البئر انخفضت فيها نسبة التدفق بعد حفر بئر أخرى بجانبها، مطالبين السلطات المحلية، بضرورة إعادة النظر في هاذين المشروعين (البئر والخزان)، إما بإعادة تجديد البئر، لما يوفره من كميات ضئيلة جدا من المياه، أو حذفه نهائيا من قائمة المشاريع المستفيدة منها بلدية بوخضرة، من أجل البحث عن حلول جذرية أخرى.

مطالبة بالحد من أخطار منجم الحديد

تشتكي عشرات العائلات التي تقطن بمقربة من المنطقة المنجمية في بلدية بوخضرة، من كثافة غبار منجم الحديد المنبعث أثناء عملية تخزين المادة الأولية، دون مراعاة شروط السلامة والوقاية، حسب المشتكين، الذين كشفوا عن الضرر الكبير الذي لحقهم من انتشار الغبار والأتربة التي تدخل بيوتهم يوميا، تزامنا مع تواصل أزمة المياه، الأمر الذي حول حياتهم إلى جحيم لا يطاق، خاصة بعد تعرض الكثير منهم لمختلف الأمراض، بسبب التلوث البيئي، منها الحساسية والربو وأمراض العيون، مناشدين بذلك، المسؤول الأول بالولاية، التدخل السريع واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن هذه الوضعية التي تهدد حياة الجميع، وأضاف هؤلاء، أنهم قدموا العديد من الشكاوى في وقت مضى، لكن دون جدوى.

كما تعيش حوالي 8 عائلات على حافة المنجم، حيث أضحت بذلك عرضة لمختلف الأخطار والحوادث، بالنظر إلى العديد من الانفجارات اليومية بموقع أشغال المنجم، ناهيك عن الإصابة بالأمراض المذكورة سابقا، مطالبين السلطات المحلية بإيجاد حلول لترحيلهم من هذه السكنات، خاصة بعد الزيارة الأخيرة لوزير الطاقة والمناجم للبلدية، الذي أوصى بضرورة ترحيلهم إلى سكنات لائقة تقيهم من مختلف الأخطار. كما أوصى بالسعي إلى استعمال تقنيات حديثة، للتقليل من أثر التلوث البيئي، مفيدا بأنه يولي أهمية بالغة للحفاظ على صحة العمال والسكان المحاذين للحوض المنجمي.

برمجة إنجاز مقر للأمن أكثر من ضرورة

تحولت بلدية بوخضرة مؤخرا، إلى نقطة سوداء، بعد أن انتشرت فيها العديد من الظواهر السلبية، على غرار السرقة والاعتداءات وحتى بيع المخدرات والمؤثرات العقلية والمشروبات الكحولية أمام الملأ، وهو ما أصبح يشكل خطرا كبيرا على شباب المنطقة، تزامنا مع غياب مقر للأمن. حسب ما كشف عنه السكان، فإن معظم أحياء هذه البلدية، تحولت خلال السنوات الأخيرة، إلى منطقة يسودها الخوف والقلق بسبب تفشي حالات الاعتداءات والسطو والسرقة، ناهيك عن انتشار مختلف أشكال الانحراف والجريمة، تزامنا مع غياب تام لمراكز الأمن في بلدية يتجاوز سكانها 14 ألف نسمة، بالرغم من الشكاوى العديدة والنداءات المرفوعة إلى الجهات الوصية، دون جدوى.

غياب المرافق الرياضية والمساحات الخضراء

لا يزال نقص مرافق الترفيه والتسلية والمرافق الثقافية، على مستوى بلدية بوخضرة، من أهم الانشغالات المطروحة من قبل السكان، وحتى الأطفال والشباب الذين لا يجدون مكانا مريحا وآمنا يقضون فيه أوقات فراغهم، خاصة خلال العطلة الصيفية، حيث أكد بعض الشباب لـ«المساء"، أن الملعب المتواجد بالمنطقة، ورغم الملايير التي التهمها في مختلف عمليات التهيئة، إلا أنه لا يزال يشهد حالة كارثية بأتم معنى الكلمة، فبعدما كان في سنوات الستينيات ملعبا أولمبيا يضم جميع أنواع الرياضات، أضحى اليوم يفتقر لكل شيء، لذلك يطالب شباب بوخضرة، من الجهات المعنية، بالتعجيل في فتح تحقيق معمق في عمليات التهيئة التي التهمت مبالغ مالية ضخمة، ولم تر النور إلى حد الساعة.

أما عن المشاريع التنموية، فقد خصصت بلدية بوخضرة، مبلغا بقيمة 4 ملايير سنتيم لتهيئة حي 138 مسكن، الذي يعتبر من أقدم الأحياء بالمنطقة، وله أولوية خاصة بعمليات التهيئة، وهو ما أكدته مصادر تابعة لبلدية بوخضرة، مضيفة أن أغلبية الأحياء استفادت من المشروع القطاعي المتعلق بتجديد وإعادة الاعتبار لشبكات المياه، ومن بين هذه الأحياء؛ "حي 6 ماي، الفجر، الزهور، حي 80 و50 مسكن".

كما أشارت هذه الجماعة المحلية، بخصوص انتشار النفايات على مستوى الأحياء والأودية، إلى أنه تم تسجيل نقص حاد في اليد العاملة والعتاد، حيث تضم البلدية، شاحنتين وجرار لجمع ورفع النفايات، من أجل تغطية 12 حيا بتعداد سكاني إجمالي يقدر بـ 14 ألف نسمة.