..والمخرج؟
مع الوقفة الثامنة، بلغ الحراك الشعبي المنادي بالتغيير الجذري للنظام ذروته وأسمع صوته وأعلاه فوق كل الأصوات، وفرض مطالبه أو جلها وتمت الاستجابة لها باستثناء ما يحتاج منطقيا إلى وقت أو إلى ترتيبات دستورية أو سياسية لانتخاب رئيس يختاره الشعب بروح الدستور المتمثلة في المادة ٧ منه التي تخص الشعب بالسيادة، وبترتيبات المادة ١٠٢ مشفوعة بالمادة ٨.
ولا يختلف اثنان في أن الحراك أطلق الألسن من ”عقالها” فراحت تخوض فيما لم تخض فيه من قبل وإن فعلت فباحتشام، كما وضع الحراك جدارا فاصلا بين مرحلتين ما قبل ٢٢ فبراير ٢٠١٩ وما بعدها وأطلق ثورة قوتها في سلميتها، ونجاحها لا يمكن أن يكون خارج ديمومتها، ونظافتها في تمييزها بين الغث والسمين فيما يطرح من أفكار متناقضة ومتضاربة.
وإذا كان الحراك قد أعلن القطيعة مع ممارسات ما قبل ٢٢ فبراير، سواء كان سلطة أو أحزابا مجاهرا بخذلانها لطموحاته في بناء جزائر الحرية والعدالة الاجتماعية والرقي والإزدهار، فهو مطالب بعد هذا الإنجاز الذي بلغ به نصف الطريق أن يبقى متيقظا لإكمال نصف الطريق الأهم لبلوغ تحقيق النتائج المنشودة، وعليه من أجل ذلك أن يعتمد المخرج الأكثر أمانا، والأقل عرضة للقيل والقال وكثرة السؤال.
وإذا كان مخرج الأزمة الحالية يجب أن يكون دستوريا، فإن المادة ١٠٢ وإن كانت لا تلبي كل مطالب الحراك، فهي الأسلم، وهي أقرب الطرق زمنا ووسيلة لإحداث التغيير المطلوب، ولكن التغيير يتطلب في المقابل اقتراح البديل، الأمر الذي لم يفعله الحراك إلى اليوم لأنه لم يفرز قيادة تتحدث باسمه، فاسحا المجال واسعا لغير ممثليه للخوض في سيناريوهات التغيير التي لا تخلو من حسابات سياسوية وحزبية وأنانية في أحيان أخرى.
ولأن الحراك مهدد بمحاولات تحريفه عن مساره السلمي، فهو مطالب بتحصين مطالبه بالعقلانية والمبادرة لعدم ترك المجال لأعداء الحراك وتفادي أي انزلاق قد يمس بأمن واستقرار البلاد، خاصة وأنه يحظى بمساندة المؤسسة العسكرية لمطالبه وحرصها على الاستجابة لها ومرافقتها للعملية الانتقالية التي تريدها سلمية وسلسة في إطار أحكام الدستور، تفاديا لأية انزلاقات قد تقود إلى ما لا تحمد عقباه.