الناشر والكاتب إبراهيم تازغارت لـ "المساء":

مخابر الفوضى الخلاقة تنشر الفتنة وتتربص بالدول الوطنية

مخابر الفوضى الخلاقة تنشر الفتنة وتتربص بالدول الوطنية
الناشر والكاتب والشاعر والمترجم إبراهيم تازغارت
  • القراءات: 1719
حاورته:  لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

"ثيرا" أول دار نشر تخصصت في الكتاب الأمازيغي

أراد أن يخدم الأمازيغية لغة وثقافة، فأنشأ دار النشر "ثيرا" التي تخصصت في الكتب المدوّنة باللغة الأمازيغية بالدرجة الأولى. هو الناشر والكاتب والشاعر والمترجم إبراهيم تازغارت، الذي تواصلت معه "المساء"، وأجرت هذا الحوار.

❊❊ حدثنا عن جديد دار "ثيرا" للنشر.

دار "ثيرا" للنشر تواصل مثابرتها رغم ما تعرفه مهنة النشر وتوزيع الكتاب من متاعب جمة؛ فالكتاب أمام لحظة حرجة جدا، دفعت بالكثير من الناشرين إلى التفكير في ترك مهنة المتاعب والولوج إلى فضاءات أكثر أمَانا لحياتهم الاجتماعية، إضافة إلى غياب استراتيجية مؤسساتية لدعم الكتاب والمقروئية في مخططات الحكومات المتعاقبة. كما جاءت جائحة كورونا لتعقّد الأمور أكثر، مع إغلاق المكتبات، وكسر آليات التوزيع الضعيفة والمحدودة. التقشف وغلاء المعيشة هما أيضا عاملان يعيقان النهوض بمهنة الكتاب والرقي الثقافي اللازمين للخروج من دائرة الأزمة والدخول في مرحلة الاطمئنان بكل أبعاده، هذا في ما يخص جل الناشرين، وما أدراك بحالة النشر باللغة الأمازيغية، وما يقتضيه العمل في هذا المجال من صبر ومثابرة وصدق نية!

كان علينا، أولا، قبل كل شيء، خلق سوق للكتاب، كان منعدمًا من قبل، من دون أي دعم صريح ومواكبة ذكية من طرف وزارة الثقافة. وبعد أعوام من العمل المستمر والمضني، تمكنا من جعل الكتاب الأمازيغي حقيقة ملموسة؛ كتابةً ونشرا وقراءة. وهنا أشيد بمجهودات المحافظة السامية للأمازيغية، ودورها في نشر الكتاب، وخلق فضاءات للتعريف به رغم إمكانياتها المحدودة.

صدّقيني سيدتي الكريمة، المواصلة في نشر الكتاب الأمازيغي هي ضرب من النضال؛ البحت من أجل الثقافة، وهذا ما كنا مهيَّئين له منذ البداية؛ خلق سوق للكتاب الأمازيغي هو تحدّ كبير.

أعود إلى السؤال، مؤخرا نشرنا رواية "ثيمقراض يساولن" لتليا سو (سعاد بوشريط)؛ كتاب حول تاريخ "ديهيا" للأستاذ سليم سوهالي، و"دراسة حول تاريخ الجزائر" للدكتور ستار عثماني، ومجموعة قصصية "أكين إثيرقا" (أي ما وراء الأحلام) لعز الدين عبدوس، وكتبا أخرى نتمنى أن تكون عند حسن ظن القراء.

❊❊ ما هي أهم إصدارات "ثيرا" منذ نشأتها؟

أول كتاب نشرته دار "ثيرا" هي مجموعة شعرية بالعربية مترجمة إلى الأمازيغية، وطُبعت باللغتين. وانطلاقا من هذا الإصدار، حازت الترجمة على مكانة متميزة في مشروعنا؛ فهي جسر بين اللغات، بين الثقافات، بين الشعوب لتتواصل وتتعايش في أمان. عندما بعث الرسول محمد (ص) رسائل إلى ملوك الدنيا اختار لذلك رجالا يعرفون لغات الشعوب التي ساروا إليها. الترجمة هي انفتاح على العالم انطلاقا من أرض صلبة وجذور لا تقتلع. نشرنا كثيرا من الأعمال المترجمة؛ كرواية "العجوز والبحر" لهمنغواي التي حازت على جائزة نوبل، والمجموعة الشعرية "متسول القصبة"، و"يسمينة الصغيرة التي قتلها أبوها" لإسماعيل آيت جعفر، و"أشعار موسيقي إمزاد" من الأمازيغية إلى الفرنسية من طرف الأستاذ بادي ديدا، وأعمال أخرى.

وإضافة إلى الترجمة، نشرنا العديد من الأعمال الأكاديمية والبحوث؛ كالعمل الجماعي حول بلعيد أث علي، الذي كتب روايته "ولي الجبل" سنة 1946، ونسقه الدكتور عمار أمزيان، الذي نشرنا له أطروحته حول تطور الأدب القبائلي. كما نشرنا كثيرا من الروايات التي حازت صدى كبيرا؛ كرواية "تفرارا" لسالم زينية.

ولم يقتصر عملنا على المتغير القبائلي، لكن نشرنا في كل المتغيرات؛ من شاوي، وشنوي وترقي؛ فـ "المعجم الأمازيغي (الشاوية) العربي" للسيدة خديجة سعد، كان له وقع كبير، واستُقبل بشغف لا يوصف، خاصة في ولايات الأوراس. وفي إطار الاشتغال وتشجيع المتغيرات، أصدرنا مجموعة قصصية مغاربية بالأمازيغية، جمعت 5 أقلام من الجزائر، و5 من المغرب، وواحدا من تونس، وواحدا من ليبيا.

❊❊ هل استطاعت "ثيرا" أن تلعب دورها في تثمين الأمازيغية؟

"ثيرا" كانت أول دار نشر تخصصت في الكتاب الأمازيغي منذ 2007. أظن أنها حركت عجلة الكتاب بالأمازيغية، ليصير حقيقة وواقعا ملموسا في الفضاء الوطني والمغاربي. زيادة إلى النشر، نظمت "ثيرا" لقاءين علميين؛ الأول حول تجربة الكتابة عند عمار مزداد، الذي يُعد من الأوائل في كتابة الرواية بعد بلعيد أث أعلي ورشيد عليش في بجاية. واللقاء الثاني في تيزي وزو حول كتابة بلعيد أث علي، الذي يُعد الأب الحقيقي للكتابة بالأمازيغية؛ حيث كتب روايته "ولي الجبل" سنة 1946. كما كتب قصصا قصيرة مثل "جدي" ومسرحيات، قبل أن يتوفى سنة 1950 بمعسكر. كما نسقت مع دار الثقافة ومديرية الثقافة لولاية بجاية، لتنظيم يوم دراسي حول أعمال الكاتب والمسرحي الكبير محند أيث يغيل، الذي يعاني في الآونة الأخيرة، من مرض مزمن. وبالمناسبة أتمنى له كل الشفاء والعافية.

❊❊  هل تستهدف "ثيرا" القارئ المهتم فقط بالثقافة الأمازيغية؟

صحيح أن اهتمامنا الأول هو الكتاب بالأمازيغية؛ لأنه المغيَّب عن أغلب دور النشر الوطنية. ورغم هذا نشرنا الكثير من الكتب باللغة العربية، والفرنسية و حتى الكتالانية. "ثيرا" هي التي أطرت، مثلا، الفقيدة ديهية الويز رحمها الله، ونشرت روايتها الأولى "جسد يسكنني" الذي ترجمته رشيدة سعدوني من العربية إلى الفرنسية، وتم نشره. ونشرنا، أيضا، رواية لرشيد أولبصير، وأخرى لمخلوف بوعيش، وآخرين باللغة الفرنسية، فتفتّحنا على اللغات، وهي قناعة وليست اختيارا ظرفيا. مشروعنا المستقبلي وضع ورشة دائمة للترجمة بين اللغات الوطنية (الأمازيغية والعربية)، لتقوية الثقافة الوطنية، وتحصين وحدة الشعب وتكامله.

❊❊ ماذا عن القارئ الأجنبي؟

كان لنا إنتاج مشترك مع دار نشر "ريما12" الإسبانية، وهي مجموعة شعرية التقى فيها 8 شعراء؛ 4 من الجزائر و4 من إسبانيا. العمل جاء بعد لقاءين في برشلونة وبجاية بعنوان "الأصوات المتوازية"، اشتركتُ فيه رفقة سالم زينيا، وبوعلام رابيا وهجيرة أوبشير. تم ترجمة الأشعار بالأمازيغية إلى الكتالانية، والعكس صحيح. كما تُرجمت روايتي "سلاس ونوجة" إلى العربية من طرف الدكتور فرحات بهلولي. وتم تقديمها وطنيا من طرف "ثيرا" للنشر في الطبعة الأولى، ثم من طرف دار النشر "الجزائر تقرأ" في الطبعة الثانية، ثم إلى القارئ العربي في المشرق من طرف "دار "ببلومانيا" للنشر والتوزيع المصرية. وشاركت هذه الرواية في صالون بغداد للكتاب، وفي صالون القاهرة هذه السنة. وكشاعر، تُرجمت قصائدي، وظهرت في أنطولوجيا الشعر العالمي بالسلوفانية والبلغارية. كما كنت ضيف شرف في مجلة شعرية فرنسية باللغة الأكستانية Occitan التي تنتشر بمنطقة مرسيليا. كما تُرجم البعض الآخر إلى اللغة العربية من طرف عاشور فني، وإلى اللغة الفرنسية من طرف مراد سليماني، ولغات أخرى. 

❊❊ أ تعتقد أن النضال من أجل الأمازيغية يجب أن يمر، أولا، عبر الثقافة؟

النضال من أجل الأمازيغية هو نضال من أجل الهوية، واللغة، والثقافة والتاريخ المشترك لأبناء الوطن الواحد؛ إنه نضال من أجل الكرامة الإنسانية وأحقية الشعب في الوجود السوي والحر من دون المساس بمكوناته ومنابعه الحضارية. كلنا نتفق على أن الثقافة هي التي تجعل الإنسان إنسانا ذا قيمة نوعية في الوجود. لا اختلاف في ذلك؛ الثقافة هي التي تمكن الإنسان من أن يكون خليفة الله في الأرض؛ لما تقتضيه من تشغيل للعقل والحس الجمالي. نعم، النضال من أجل الأمازيغية هو نضال من أجل الثقافة أولا وقبل كل شيء؛ فلا يمكن أن نطالب بالاعتراف بلغة ميتة، ولا بدعم ثقافة جوفاء لا تساعد الإنسان في أن يرتقي بنفسه، وبعائلته وبدولته إلى الأفضل. النضال من أجل الأمازيغية هو نضال من أجل تصوّر إنساني، ومنفتح على العالم الذي أجحف حقنا كثيرا. غيابنا الثقافي لقرون جعل الآخرين يدوّنون حضورنا في التاريخ حسب أهوائهم ومصالحهم، متنكرين لمساهماتنا التي لا تُحصى.

الشعر حافظ على معالم المجتمع الجزائري، وقيمه العريقة والمتجذرة. والترجمة فتحت الآفاق من أجل تواصل ذكي مع المحيط، وفقا لاستراتيجية بناء التكامل والتوافق المجدي. عندما ترجمتُ المجموعة الشعرية لمرام المصري من العربية إلى الأمازيغية، كنت أعي حتمية العمل من أجل خلق جسور بين اللغتين، وتفاعل إيجابي وإنساني بينهما في عالم طغت عليه المركزية الغربية بمشروعها المتجدد للهيمنة الثقافية بعد تجاوز مرحلة الهيمنة العسكرية، والاسترقاق الذي طال قارتنا السمراء. أهمية الثقافة في الوقت الحالي أكبر مما كانت عليه في الحقب الماضية. العولمة وما ترمي إليه من فرض قيم المركز كقيم تلغي كل القيم الوطنية الدينية منها والاجتماعية، تريد جر الإنسانية إلى ديكتاتورية كونية هدامة؛ إنها تتستر وراء دعم الحريات الفردية التي تنكرها في العمق، عبر فرض تصور أحادي لمستقبل البشرية.

ومن كتابة القصة القصيرة والرواية من جهة، إلى المرور إلى النشر من جهة أخرى، كانت الطريق طبيعية وسلسة للغاية. لم أبذل مجهودا إضافيا يُذكر؛ لأن الاشتغال على إعطاء الفرصة للكتاب الأمازيغي، كان حتمية تاريخية. كان على أحدنا أن يقوم بهذه المهمة، وكنت ممن ثابروا في هذا الاتجاه بعد أعوام من النضال الميداني كناشط في الحركة الثقافية الأمازيغية. جنيت الكثير من المصاعب التي لاتزال قائمة، ولكن الكتابة متعة في عالم يفتقر إلى أسباب السعادة.

❊❊ ذكرت أن الكاتب خلاصة تجارب كثيرة؛ فما هي التجارب التي تركت بصمة في حياتك، ومن ثم في أدبك؟

  عندما انكسر حلمي صغيرا كملاكم بعد عملية جراحية أبعدتني عن الحلبة، عشت أياما صعبة من دون أن يكترث أحد لحالتي النفسية. نحن شعب لا يكترث للمرافقة الروحية، ويصب كل اهتمامه على الماديات من دون أن يتحكم فيها. ذلك الانكسار جابهتُه وحيدا، وخرجتُ بجروح عميقة، استطعت ترميمها مع الوقت. إن ترميم الإنسان وترميم الوطن شيء واحد. الصدمة الاستعمارية هزت كياننا وجرحت قيمنا، أرغمتنا على اتخاذ المقاومة منهجا في الحياة. علينا اليوم بالاتجاه نحو استعادة ، والخروج من الانبهار الكلونيالي، الذي يأتي كنتيجة حتمية لعدم استكمال الديناميكية الثورية بتحرير التاريخ والثقافة والقيم من الهيمنة. هذه التجربة الأليمة التي عشتها أفادتني كثيرا؛ إذ ذلّلت في عيني كل الصعاب. هذه الحادثة نسجتُ حولها رواية "سلاس ونوجة"؛ إذ تمكنت الشخصية الرئيسة من تجاوز أزمتها بعد أن تجرعت لذة الحب والعشق.

❊❊ انطلقت من كتابة الشعر إلى الترجمة، ومن ثم كتابة الرواية، فالنشر؛ أين وجدت نفسك تخدم الأمازيغية أكثر؟

أخدم الأمازيغية في كل هذه المجالات طبعا؛ إنها تتكامل، لتعطي إنسانا يحمل مشروعا ثقافيا، يعمل على تجسيده رغم قلة الإمكانيات، والاهتمام المؤسساتي والاجتماعي. الإيمان بأن الإنسان لم يُخلق هباء جعلني أواصل مسيرتي بدون أي تردد. الكتابة بكل أنواعها تساعدني على التحمل، واستشراف غد أفضل.

❊❊ هل تعتقد أن ترسيم الأمازيغية خدمها ميدانيّا؟

ترسيم الأمازيغية أمّنها قانونيا، ومكّنها من مرجعية دستورية، يستمد منها المشرع الجزائري كل القوانين التفعيلية. هذا الاعتراف أعطى الأمازيغية شرعية لا يمكن أيّا كان تجاهله كما كانت الحال من قبل. دستور 2020 جعلها من الثوابت الوطنية التي لا يمكن المساس بها.

❊❊ أيَّ حَرف تختار لكتابة الأمازيغية؛ العربي، أم اللاتيني أم التيفيناغ؟

لا نختار حروف الكتابة من فراغ أو حسب النزوات. عاطفيا، التفيناغ هي الأولى باهتمامنا؛ لأنها "ابتكارنا" منذ فجر التاريخ. الحروف العربية استُخدمت قديما، ورغم ذلك لم تعط للأمازيغية صيرورة في التدوين والكتابة

وفي الوقت الحالي، الحروف اللاتينية هي الأنفع؛ لأن المجتمع العلمي اشتغل بها منذ وقت ليس بالقصير، وتمكن منها الكُتاب والقراء بكل سهولة. هناك قواعد للكتابة، وأدوات تربوية يستعملها التلاميذ في كل الأطوار التعليمية بالمدرسة الجزائرية. وأطالب بتفعيل قرار إنشاء أكاديمية اللغة الأمازيغية؛ لأنها المؤسسة الوحيدة المخول لها الفصل في هذه المسألة. وميدانيا، الإنتاج متواصل على وتيرة ، ولن يتوقف بمجرد فتح ملف الحروف. اللغة ليست حروفا كما تعلمين؛ فالعربية كانت متداوَلة، ومنتجة للشعر والبلاغة قبل اتخاذ الحروف السريانية لتدوينها. المضمون موجود، والشكل الذي سوف تأخذه الكتابة ثانوي. يمكننا كتابة اللغة بكل هذه الحروف من دون أي مشكلة. عبقرية اللغة ليست في الحروف، ولكن في إمكانيات الشعب الذي يستخدمها للاشتغال بها وعليها، والابتكار انطلاقا مما تتيحه من فرص تحرير الفكر من العوائق.

❊❊ هل يخدم النقاش الدائر حول الأمازيغية في وسائط التواصل الاجتماعي، هذه القضية؟

ليس هناك نقاشات بالمعنى المعرفي، هناك تراشقات، وزرع للفتنة من طرف أطراف لا تمتّ للشعب الجزائري بأي صلة، مستغلة في ذلك بعض ضعاف النفوس وقليلي الحس الوطني. هناك مخابر للفوضى الخلاقة تعمل ليلا ونهارا لتفتيت المفتت، وتفريق الشعب، وتكسير الدول الوطنية، خاصة منها المنبثقة عن الحركات التحررية. التعدد اللغوي والثقافي والديني تشتغل عليه هذه المخابر المزوّدة بإمكانيات كبيرة؛ لإضعاف دول الضفة الجنوبية للمتوسط. هذه النقاشات العمياء لا تخدم لا الأمازيغية، ولا العربية ولا الإسلام. هذه مشتركات يراد استغلالها لزرع الفتنة والتفرقة أمام أعين النخب الثقافية والسياسية التي تتفرج من دون اتخاذ مواقف صارمة، وانتهاج سياسة التلاحم الوطني كمشروع فكري.

❊❊كيف يمكن استغلال تنوعنا الثقافي لمجابهة هذه الجهات؟

يجب أَنسنة الثقافة والتعليم، وغرس روح المواطنة والمحبة بين الجزائريين. التنوع نعمة وليس نقمة، التنوع ثراء وليس ضُعفا. حان الوقت لوضع سياسة ثقافية ترتكز على هذه الأسس التقدمية المجردة من كل فكر رجعي. وحدهم النفعيون المجردون من كل نزاهة فكرية وروحية، يحاربون التعددية باسم التصور القبلي. وفي هذا المعنى، يجب العمل جديا على غرس ثقافة الدولة لإخراج الناس من مخلفات الانحطاط والضعف اللذين عاشتهما مجتمعاتنا؛ ليس فقط في الجزائر، ولكن في كل الضفة الجنوبية للمتوسط، التي كانت عرضة لتهديم ثقافي ممنهج منذ انتهاء الحروب الصليبية، لتتحول إلى حروب فكرية مع المستشرقين. إن تنوع مظاهر الثقافة مع وحدة روحها، هو ما سيقوّي وحدة الشعب والوطن. الجهات التي تحارب التنوع الثقافي واللغوي هي في الحقيقة، جاهلة بقيمة الإنسان ودوره في الحياة؛ إنها تعيش بالتراشقات عوض استثمار قدرتها في الإنتاج والابتكار. تتطفل هذه الشاكلة من الناس على الثقافة والسياسة؛ لأن قوى الفوضى الخلاقة العالمية تحتاج إلى محتالين ومرتزقة لتحضير الأجواء لفوضى مفتعلة، تمكنها من الاستمرار في استغلال بلداننا. والوعي بهذه التحديات يجعلنا نؤسس لاستغلال ديمقراطي ووطني لتنوعنا الثقافي.

❊❊ هل ترى أن من الضروري تدريس الأمازيغية في المدارس بشكل أوسع للمحافظة عليها، أم التعامل معها على أساس أنها لغة تراثية مثل اللاتينية في الدول الأوروبية؟

أنا أكتب للأجيال القادمة؛ لأنني أؤمن بإمكانيات هذا الوطن ودوره الريادي مستقبلا. أنا أكتب بلغة الأمل والحياة، لا بلغة جامدة ميتة. الأمازيغية سيكون لها مستقبل كبير مع السواحيلية ولغات أخرى برهنت على قوّتها. عندما يبكي الأطفال بعد قراءة نص بالأمازيغية، تأكدي أنهم سوف يضحكون بها، ويحققون من خلالها النجاح؛ يجب تدريس الأمازيغية ليس للمحافظة عليها فقط، ولكن لتطويرها، والتقدم بها.

❊❊ ما هي الإجراءات الواجب اتخاذها للحفاظ على الأمازيغية؟

يجب العمل على أسس صحيحة، تتمثل في تجسيد مشاريع، وتطبيق سياسيات محددة؛ مشروع الوقوف بالأمازيغية في المدرسة الجزائرية الذي يمتد من 2022 إلى 2039 الذي قدمته المحافظة السامية للأمازيغية لرئاسة الجمهورية، مثال للمنهجية التي يجب العمل بها. والمشروع العشاري 2022- 2032 للنهوض بالثقافة الأمازيغية، يجب الاشتغال عليه مع إقرار 2032 كعاصمة للثقافة الأمازيغية كسنة ختامية، والخروج من البريكولاج وغياب الطموح، حتمية تاريخية، والتشاؤم والخذلان لا يبنيان الأمم.

❊❊  هل من مؤلَّف جديد لإبراهيم تازغارت؟

نعم، نشرت، هذه الأيام، كتابا حول السيرة العطرة للرسول محمد (ص) بالأمازيغية، وهو كتاب من الحجم الكبير في 350 صفحة.