آداب وشروط الدعاء المستجاب
- 1851
للدعاء آدابً عظيمة ينبغي مراعاتها، وشروطً مهمة يجب توفرها حتى يكون مقبولًا عند الله تعالى، وقد ذكر بعضُ أهل العلم آدابًا كثيرة في الدعاء، ومنها:
1- ترصد أوقات الدعاء
كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من أوقات الليل قال تعالى: وبالأسحار هم يستغفرون. وقال صلى الله عليه وسلم: ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول عز وجل: من يدعوني فأستجب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له. وقيل أن يعقوب صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم إنما قال "سوف أستغفر لكم ربى" ليدعو في وقت السحر، فقيل أنه قام في وقت السحر يدعو وأولاده يؤمنون خلفه فأوحى الله عز وجل إني قد غفرت لهم وجعلتهم أنبياء
2- اغتنام الأحوال الشريفة
قال أبو هريرة رضي الله عنه: "إن أبواب السماء تفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلوات المكتوبة فاغتنموا الدعاء فيها". وقال مجاهد: "إن الصلاة جعلت في خير الساعات فعليكم بالدعاء خلف الصلوات، وقال صلى الله عليه وسلم: الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، وقال صلى الله عليه وسلم: "الصائم لا ترد دعوته".
ويرجع شرف الأوقات إلى شرف الحالات أيضاً إذ وقت السحر وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوشات، ويوم عرفة ويوم الجمعة يوم اجتماع الهمم وتعاون القلوب على استدرار رحمة الله عز وجل، فهذا أحد أسباب شرف الأوقات سوى ما فيها من أسرار لا يطلع البشر عليها، وحالة السجود أيضاً أجدر بالإجابة. قال أبو هريرة رضي الله عنه: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء".
3- استقبل القبلة ورفع اليدين
وروى عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الموقف بعرفة واستقبل القبلة يدعو حتى غربت الشمس، وقال سلمان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم حيي كريم يستحي من عبيده إذا رفعوا أيديهم إليه أن يردها صِفراً". وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ارفعوا هذه الأيدي قبل أن تغل بالأغلال". ثم ينبغي أن يمسح بها الوجه في آخر الدعاء، قال عمر رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مد يديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه".
وقال ابن عباس: "كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا ضم كفيه وجعل بطونهما مما يلي وجهه"، فهذه هيئات اليد ولا يرفع بصره إلى السماء. قال صلى الله عليه وسلم: "لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء أو لتخطفن أبصارهم".
4- خفض الصوت
روى أن أبا موسى الأشعري قال: "قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنونا من المدينة كبّر وكبّر الناس ورفعوا أصواتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إن الذي تدعون ليس بأصم ولا غائب، إن الذي تدعون بينكم وبين أعناق ركابكم". وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله عز وجل (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) أي بدعائك وقد أثنى الله عز وجل على نبيه زكريا عليه السلام حيث قال: (إذ نادى ربه نداءً خفياً)، وقال عز وجل: (أدعوا ربكم تضرعاً وخفية).
5- عدم تكلف السجع
فإن حال الداعي ينبغي أن يكون حال متضرع والتكلف لا يناسبه، قال صلى الله عليه وسلم: "سيكون قوماً يعتدون في الدعاء". وقد قال عز وجل: (أدعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين)، قيل أن معناه التكلف للأسجاع، وقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والسجع في الدعاء حسب أحدكم أن يقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل"، ومر أحد السلف بقاضٍ يدعو بسجع فقال له: أعلى الله تبالغ؟
والمراد بالسجع هو المتكلف من الكلام فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة، وإلا ففي الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات متوازنة ولكنها غير متكلفة كقوله صلى الله عليه وسلم: "أسألك الأمن يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود والركع السجود الموفين بالعهود إنك رحيم ودود وإنك تفعل ما تريد.."، وأمثال ذلك من المأثور من الدعوات أو ليلتمس بلسان التضرع والخشوع من غير سجع وتكلف فالتضرع هو المحبوب عند الله عز وجل.
6- التضرع والخشوع
قال الله تعالى: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهبا)،ً وقال عز وجل: (أدعوا ربكم تضرعاً وخفية)، وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الله عبداً ابتلاه حتى يسمع تضرعه".
7- جزم الدعاء واليقين بالإجابة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له"، وقال أيضا: "إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شئ"، وقال صلى الله عليه وسلم: "أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله عز وجل لا يستجيب دعاء من قلب غافل".
8- الإلحاح في الدعاء وتكراره ثلاثاً
قال ابن مسعود: "كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً"، وينبغي أن لا يستبطئ الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي، فإذا دعوت فاسأل الله كثيراً فإنك تدعو كريماً". وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا سأل أحدكم ربه مسألة وتعرف الإجابة فليقل الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ومن أبطأ عنه من ذلك فليقل الحمد لله على كل حال".
9- افتتاح الدعاء بذكر الله
قال سلمة بن الأكوع: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الدعاء إلا استفتحه بقول: "سبحان ربى العلى الأعلى الوهاب".
وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: "من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما". وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا سألتم الله عز وجل حاجة فابتدئوا بالصلاة علىّ فإن الله تعالى أكرم من أن يُسأل حاجتين فيقضى إحداهما ويرد الأخرى".
10- الأدب الباطن أصل الإجابة
والمقصود به التوبة وِرد المظالم والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة، فذلك هو السبب القريب في الإجابة، فيروى عن كعب الأحبار أنه قال: "أصاب الناس قحط شديد على عهد موسى صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم فخرج موسى ببني إسرائيل يستسقى بهم فلم يسقوا حتى خرج ثلاث مرات ولم يسقوا، فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام: أني لا أستجيب لك ولا لمن معك وفيكم نمام، فقال موسى: يا رب ومن هو حتى نخرجه من بيننا، فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نماماً، فقال موسى لبنى إسرائيل: توبوا إلى ربكم بأجمعكم عن النميمة فتابوا فأرسل الله عليهم الغيث".
وقال أبو الصديق الناجي: خرج سليمان عليه السلام يستسقى فمر بنملة ملقاة على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهى تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب غيرنا، فقال سليمان عليه السلام: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم".