أسرار القرآن في شهر رمضان

أسرار القرآن في شهر رمضان
  • 725

1ـ  كتاب ربكم بين أيديكم

نعيش مع كتاب الله - عزَّ وجلَّ - نعيش مع هذا القرآن، عطاءِ الله للأمَّة في شهر رمضان، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة: 185]، كتاب مبارك: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ[الأنعام: 92]، أُنزل في ليلة مباركة: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ [الدخان: 3] ليلة السلام، ليلة الأمن، ليلة القدر، إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ  وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ  لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ  تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ  سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر: 1- 5].

نعيش مع كتاب الله الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 42].

لو أن أمَّة من الأمم أُعْطِيت آية واحدة صحيحة من هذا الكتاب لاتَّخذَتْ ذلك اليوم عِيدًا، ولعَضَّتْ عليها بالنواجذ.

إنَّ الله - تعالى - اختارها لِهَذا الكتاب، واختار هذا الكتاب لها، رُزِقت القيادة، ورُزقت الرِّيادة، وجعَلها الله - عزَّ وجلَّ - الأمة الوارثة، وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105]، وجعَلَها أمَّة الخيريَّة: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران:110]، وجعَلَها الله الأُمَّة الشاهدة على الأمم يوم القيامة، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: 143].

لِتَكونوا شهداء على الناس بهذا الكتاب، ويكون الرسول عليكم شهيدًا أيضًا في هذا الكتاب، بلْ ذِكْر الأمَّة مرتبط بالقرآن، لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء: 10]، فيه مجْدُكم، وفيه عِزُّكم، وفيه علُوُّكم، وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران: 139].

حياة أفضل بالقرآن، وطريقة أفْضَل بالقرآن، وشريعة أفْضل بالقرآن، وإنَّ هذا الكتاب ليَشْكو إلى الله - عزَّ وجلَّ - هذه الأمَّة، لماذا اخْتارت الجهل وأمَامَها العلم؟! وهي أمَّة اقرأ، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: 1]، اختارت الذِّلَّة وأمَامها العزَّة، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء: 139] اختارت الضَّلاَلة وقد هداهَا الله ربُّ العالَمين، وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الأنعام: 39] مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف: 178].

الأمم السابقة آثروا العمَى على الهدى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [فصلت: 17].

إذًا، كتاب ربِّكم بين أيديكم، أيْن أنْتَ من حَلاله وحرامه؟ أين أنت من ذِكْره وشُكْره؟ أين أنت من تلاوته وترتيله؟ أين أنت من حروفه وحدُوده؟ أين أنت من أمْرِه ونَهْيه؟! هل تعلَّمْتَ تلاوته وترتيله؟ هل تدبَّرْت آياتِه ومعانِيَه؟ هل علَّمْتَه أولادك؟ إنَّه حبْل الله المتين، ونورُه المبين، وصراطه المستقيم، فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الزخرف: 43] نعَم، سوف تُسألون عن آياته، وعن حرُوفه وعن حدوده، وعن أمره ونَهْيه، كتاب الله - عزَّ وجلَّ - مَن ترَكَه مِن جبَّار قصَمه الله، ومَن جعلَه خلْفَ ظهْرِه أضلَّه الله، ومن صَدَّ الناس عنه أذَلَّه الله!

كتاب يستقيم مع الفطرة: هل يَحْيا السمك بلا ماء؟! هل يَعيش البشر بلا هواء؟! كلاَّ! كذلك الكون يَحتاج إلى منهج لِيَنتظم مع فطرة الله - عزَّ وجلَّ -: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم: 30] منهج الإصلاح ومنهج التصحيح، منهج الذِّكْر: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الأنبياء: 10] ومنهج العلو وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139] دستور القوامة والبشر في الأرض، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء: 9] المنهج الحاجز من التدَنِّي، والمانع من الجهالة والعاصم من الضلالة، (ترَكْتُ فيكم شيئين لَن تضلُّوا بعدَهما: كتاب الله وسنَّتِي، ولن يتفرَّقا حتَّى يَرِدا عليَّ الحوض)، تخريج السيوطي، عن أبي هريرة، تحقيق الألباني: ”صحيحانظر حديث رقم: 2937 فيصحيح الجامع”.

ويقول الله - تعالى -: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65].

إن الإسلام منهج حياة بالقائد القرآني، وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم المنهج الربَّاني وهو الكتاب والسُّنَّة، ثم بالجِيل الذي يَقتدي بالرسول القرآني، ويطبِّق المنهج الرباني.

الله تعالى يقول: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر: 23] أحسن الحديث تلين له الجلود وتخشع له القلوب، والله - عزَّ وجلَّ - قد وصَف عباده عندما يقرؤون كتاب الله: لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُما وَعُمْيَانًا [الفرقان: 73] كيف؟ لا يَسمعونه سَماع الصُّم، لا يقرؤونه قراءة المنافقين، كيف؟ (رُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه)، يقْرَأ آيات الصدق ويكْذِب، ويقرأ آيات الإخلاص ويُشْرِك، ويقرأ آيات العدل ويظلم، رُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه.

أمَّا عباد الرحمن عندما يَجلسون مع القرآن فلَهُم آذان مصْغِية، ولهم قلوب واعية، ولهم أعْين راعية، ترعَى حدود الله - عزَّ وجلَّ - فلا تتعدَّاها.

كتاب الله عزَّ وجلَّ  أنزله على قلب رسوله، ليقرأه على الناس على مكث لتخشع قلوبهم، وتتطهَّر صدورهم، وتتزكَّى نفوسهم، وتتألَّق عقولهم، ليتعرَّفوا على ربهم وخالقهم ورازقهم - سبحانه وتعالى