"تزدام الآغا في يد الخزناجي".. "سكران طايح في الدروج" و"البرانية"

أطباق تقليدية غابت عن موائد العائلات البليدية

أطباق تقليدية غابت عن موائد العائلات البليدية
  • 237
رشيـدة بـلال رشيـدة بـلال

تحنّ العائلات البليدية خلال شهر رمضان، إلى تحضير بعض الأطباق التقليدية التي  توارثتها جيلا عن جيل، والتي يعود تاريخ بعضها إلى الحقبة الأندلسية، وأخرى إلى فترة التواجد العثماني، والتي يجري إحياؤها، وتزيّن موائد رمضان بها. وهي فرصة، أيضا، حسب المختصين في التراث البليدي، لإحياء الموروث التقليدي الذي يسير في طريق الاندثار؛ لعدم تداوله، خاصة ما تعلق منه ببعض الأطباق التقليدية القديمة.

إذا رغبت في التعرف على بعض الأطباق التقليدية القديمة بولاية البليدة، فما عليك إلا البحث  عنها في الأحياء العريقة مثل حي الدويرات وسط  الولاية، الذي لايزال كبار السن فيه يحرصون على طلب تجهيز بعض هذه الأطباق التقليدية، سواء بحلول موسم الخضروات التي يعد بها الطبق، أو عند حلول بعض المناسبات مثل رمضان.

ومن بين أقدم الأطباق التقليدية التي قلما يتم تحضيرها على موائد العائلات البليدية، التي أصبحت تبحث في تنويع مائدتها الرمضانية من خلال تجريب بعض الوصفات العصرية، نذكر "بطاطا فليو"، وهي من أشهى الأطباق البليدية، لمكونات الطبق الغنية؛ على غرار التوابل، وخضروات مثل: الثوم، والفلفل، و"الفليو"، والبيض، إلى جانب طبق "الكرنب" الذي يشمل خليطا من الحبوب اليابسة كالفول والفاصولياء  والحمص.

ويحضَّر من اللفت، والبطاطا، والكرنب، والخرشف. ويتم إضافة الأرز إليه ليكون طبقا مشبعا. ويُعد من أغنى الأطباق التقليدية بالنظر إلى الفوائد الصحية الموجودة فيه من مزيج من الخضروات والحبوب. ومن جملة الأطباق التي لم تعد تحضَّر في شهر رمضان إلا من بعض العائلات القليلة جدا بالولاية، لكون هذا الطبق أصبح منسيا حسب المختص في تاريخ البليدة أو كما يصطلح على تسميته بذاكرة البليدة، الباحث يوسف أوراغي، "طبق تزدام الأغا في يد الخزناجي"، والذي يحضَّر بأفخاذ الدجاج وبمرق أبيض، بعدها يرمَّد في مسحوق الخبز اليابس والبيض، ويُقلى في الزيت.

وعندما يتم تشريبه في المرق الأبيض ينتفخ الدجاج فيشبه الدزدام أو "حقيبة النقود"، الى جانب طبق "سكران طايح في الدروج" الذي يتم تحضيره من أوراق الديول، حيث يتم تجهيزها باللحم المفروم على شكل رزمة. كما يتم ربطها على شكل وردة. بعدها يتم قليها، وتحضير المرق الأبيض المنكّه بالتوابل.

وعن سر تسميته بهذا الاسم، فهو راجع، حسب الباحث، إلى شكله بعد الانتهاء من تحضيره، حيث يكون متماسكا، وبمجرد أن يتم قليه وتشريبه بالمرق الأبيض، تميل كل رزمة على الأخرى، لذلك تم تشبيهه بالسكران.

أما بالنسبة لـ طبق "البرانية" فهو عبارة عن خبزة تشبه خبزة السفيرية، يتم تحضيرها في المقلاة وتشرَّب بمرق طبق "المدربل" المعروف في عدد من الولايات خاصة بالعاصمة.

أما بالنسبة لسر تسميته، فتعود إلى أنه في ما مضى وتحديدا في العهد الأندلسي، قُدم لشخص مرموق. وعندما سأل عن اسمه قيل له إن هذا الطبق تم تحضيره خصيصا "للبراني"؛ أي الأجنبي"، لافتا إلى أن الأطباق البليدية القديمة، في مجملها اتخذت تسمياتها من قصص أو أحداث وقعت في الماضي؛ ما يزيد من عراقتها، وأصالتها.

وعلى الرغم من أن مدينة الورود استمدت أطباقها التقليدية، حسب المختص في التاريخ، من  المطابخ التركية والأندلسية قديما، إلا أنها، أيضا، اشتهرت ببعض الأطباق التقليدية المنسوبة إلى البليدة، والتي تحضَّر أيضا في شهر رمضان، ومنها، مثلا، طبق "بطاطا فليو"، وطبق "البصل بالطماطم" الذي يتم تحضيره بطريقة خاصة، حيث يُقلى كل من البصل والطماطم، ويتبَّل دون إضافة الماء، ويزيّن مائدة رمضان، إلى جانب طبق "فول براطل" الذي يحضَّر على شكل "شطيطحة".

ويُعد من قشور الفول الصغير جدا، والذي يسمى في الثقافة الشعبية بالولاية "فول براطل". وهذا الأخير يأتي به الفلاحون من جبال الأطلس البليدي. ويباع في سوق "بلاصة العرب"، الذي اكتسب شهرة كبيرة في البليدة من حيث أنواع الخضر والأعشاب التي يتم جلبها من الجبال، وبيعها  طازجة.


نتيجة تغيّر نمط الحياة وتأثير التكنولوجيا

مساعٍ لاستعادة "بنّة رمضان زمان"

إذا كنت ترغب في استشعار عادات الصيام بولاية البليدة، فما عليك إلا الذهاب إلى حي الدويرات أو كما يسمى بحي القصبة الواقع في جنوب غرب المدينة، أو في حي "الجون" الواقع في الجنوب الشرقي للمدينة، الذي لايزال شاهدا على تراث وأصالة المدينة من خلال النمط المعماري بين الطراز الأندلسي والعثماني. ولايزال سكانه متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم المتوارَثة في إحياء بعض المناسبات الدينية مثل شهر رمضان، والتي تحميها من الاندثار محاولات مديرية الثقافة وكذا الجمعيات الثقافية، إعادة إحيائها؛ بتنظيم نشاطات جوارية، وقعدات تقليدية. بشهادة سكان مدينة الورود، ولايةُ البليدة في السنوات الأخيرة، ضيعت الكثير من عاداتها المرتبطة بشهر رمضان، وأفقدته "بنّتو". 

ولعل أهم هذه العادات كل ما يتعلق بكيفية استقبال هذا الضيف، والطقوس المرافقة لتصويم الأطفال الصغار، حسبما جاء على لسان سيدة التراث بولاية البليدة السيدة سعاد خروبي، التي أكدت في معرض حديثها، أن العائلات البليدية اليوم مثلا، لا تولي أهمية كبيرة للعادات المرافقة لتصويم الطفل لأول مرة؛ فما يتعلق بصيام الفتاة أول مرة وكذا ختان الطفل في ليلة السابع والعشرين والطقوس المرافقة لهذين الحدثين الهامين، لم يعد حاضرا، بل البعض لا يعرفها أصلا. وتوضح بالنسبة لصيام الفتاة: "في ما مضى، كان لا يتم تصويمها ليوم كامل وإنما نصف يوم فقط، ويسمى "صيام العقل".

وتشتري والدتها بعض الأواني الفخارية. وتحضّر لها مئزر الطبخ، وقفة مصنوعة من الدوم. وبعدما تتعود على الصيام نصف يوم. ويتحول عندها الفضول لإتمام اليوم بكامله؛ حيث يجهَّز لها اللباس التقليدي مرفقا بمحرمة "الفتول"، وخيط الروح، والخلخال، وتكون بمثابة عروس. ويتم دعوة الجيران والأحباب للاحتفال بصيامها ليوم كامل. وتستقبل بعد الإفطار من الجيران أطباقا صغيرة، تتكون من لقيمات من بعض الأطباق التقليدية مثل اللحم الحلو. وبعد الأذان يتم الصعود بها إلى سطح المنزل لتفطر على الشاربات التي توضع فيها قطعة من "الويز" الذهبية، لتكون صافية ونقية مثل الذهب.

وبعد الإفطار يتم التجهيز للسهرة التي  تكون بحضور الأهل والأحباب والجيران. ويتم استخدام "الدربوكة"، وترديد بعض الأغاني التقليدية، وعقد البوقالات التي تكون بمثابة الفأل الذي يوزَّع على كل الحضور. كل هذه الطقوس، تشير المتحدثة، "لم نعد نشهدها اليوم؛ حيث أصبح تصويم الفتاة يتم بشكل عادي، ولا يتم أصلا الاحتفال بها؛ الأمر الذي ضيّع الكثير من الطقوس، التي أصبحت غير معروفة عند بعض العائلات البليدية اليوم".

ومن بين العادات التي تم تضييعها ما يتعلق بالعادات التي ترافق الطفل في ختانه ليلة السابع والعشرين من رمضان، حيث كان يتم إطالة شعره. ويوم ختانه يؤخذ للحلاق؛ حيث توضع قطعة نقدية فوق رأسه. بعدها يتم التصدق بذلك المال الذي كان موضوعا على رأسه. ثم يأخذه والده وباقي عائلته إلى الحمّام الشعبي، ومن ثمة يتم ختانه، وإلباسه اللباس التقليدي. وقال: "لكن اليوم ـ للأسف ـ ضيعنا هذه العادات! حيث أصبح يتم ختان الأطفال في العيادات دون أخذ بعين الاعتبار مثل هذه العادات". 

وحسبها، فإن العائلات البليدية كانت بالأحياء العريقة مثل حي الدويرات، تتبادل الأطباق التقليدية فيما بينها، وتقيم القعدات بعد الإفطار، حيث يتم السهر عند كل واحدة من الجيران إلى غاية نهاية الشهر، مرجعة السبب في التخلي عن هذه العادات المتوارثة، إلى تغير نمط الحياة، وتسارعه، وتأثير التكنولوجيا الذي جعل ربات البيوت ينغلقن على أنفسهن، وخروج المرأة للعمل وما يصيبها من تعب وإرهاق؛ الأمر الذي يجعلها تستغني عن هذه العادات، ولا توليها أهمية. 

وأوضحت المتحدثة أنها تسعى من خلال جمعيتها وباقي الجمعيات الثقافية على مستوى الولاية، لإعادة إحياء عادات وتقاليد البليدة من خلال تنظيم قعدات، يتم فيها التذكير بجملة العادات التي كانت متوارَثة، خاصة ما يتعلق منها بالطقوس المرتبة بالختان، وتصويم الأطفال، والحفاظ على الروابط العائلية، مشيرة إلى أن مديرية الثقافة وقطاع السياحة تسعى في السنوات الأخيرة من خلال نشاطاتها في إحياء ليالي رمضان، إلى إعادة بعث جملة من الموروث الثقافي الذي يرافق حفلات المديح التي يتم تنظيمها عبر مختلف بلديات الولاية.