أعظم أنواع الإحسان إلى الفقراء والمُحتاجين
- 3279
إن الصدقة والإنفاق لوجه الله ذي الجلال والإكرام مِن الأعمال الصالحة التي لها قَدر كبير في الإسلام، لا سيما في شهر رمضان المبارك، فهو شهر التقوى، وشهر القرآن، وشهر الإفطار والإطعام، وشهر الصدقات، وشهر إجابة الدعوات، ومُضاعفة الحسنات، ورفع الدرجات، وفي القرآن الكريم والسنَّة النبوية أدلة وافرة تحث المسلمين على الصدقة وملازمتها، وتُعلي من شأن عاقبتها، قال الله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [البقرة: 270]، وقال الله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 274]، وقال الله سبحانه: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) [يوسف: 88]، وقال الله جل جلاله: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة: 245].
وفي السنَّة النبوية أحاديث كثيرة تدل على عظم ثواب الصدقة، فعن عُقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ امرِئٍ في ظِلِّ صدقتِه حتى يُقْضَى بين الناسِ"، صحَّحه الألباني، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصدَّق أحدٌ بصدَقةٍ من طيِّبٍ - ولا يقبلُ الله إلا الطيب - إلا أخذَها الرحمنُ بيمينِه، وإن كانَت تَمرةً في كفِّ الرحمن، حتَّى تَكونَ أعظمَ من الجبل، كما يربِّي أحدُكم فَلُوَّه أو فصيلَه"، الترمذي وصححه الألباني.
وعن أبي مسعودٍ الأنصاري عقبةَ بنِ عمرو بن ثعلبةَ رضي الله تعالى عنه أنَّ رجلا تصدَّق بناقةٍ مخطومة في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليأتينَّ يومَ القيامةِ بسبعِمائةِ ناقةٍ مخطومة"، النسائي وصححه الألباني.
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قال: لا إله إلا الله، خُتِم له بها، دخل الجنة، ومن صام يومًا ابتغاءَ وجه الله خُتِم له به، دخلَ الجنة، ومَن تصدَّق بصدقةٍ ابتغاءَ وجه الله خُتِم له بها، دخل الجنة"، صححه الألباني.
ففي شهر رمضان تَكثر الأعمال الصالحات، ويَكثر معها جزاء الإحسان، فقد قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60]. والصدقة في هذا الشهر المبارك مِن أعظم أنواع الإحسان إلى الفقراء والمُحتاجين، والأقربون منهم أولى بالمعروف من ذوي الأرحام والجيران والمعارف.
حسن تأدية الصدقة:
لا بدَّ للمسلم أن يؤدِّي الصدقة على أكمل وجه، فلا يؤذي مشاعر غيره، سواءٌ بالتلميح أو التصريح، أو بالإشارة أو التذكرة، والمسلم المحسِن لا يبطل صدقاته، بل يتذكر فضل الله سبحانه عليه، ويُحسِن إلى الناس كما أحسن الله تعالى إلينا جميعًا، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنّ والأذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 264].
الحرص على إخفاء الصدقة:
والمسلم الذي يحبُّ أن يَلزم الإخلاص في كل أعماله، يجب عليه ألا يخبر بها أحدًا، ويتجنب كل سبيل يؤدي إلى الرياء، وقد تقتضي الضرورةُ إعلان الصدقة عندما يستوجب الأمر ذلك، تحقيقًا لمصلحة شرعية، قال الله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [البقرة: 271]، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضلُ من إظهارها، لأنه أبعدُ عن الرياء، إلا أن يترتبَ على الإظهار مصلحة راجِحة، من اقتداء الناس به، فيكون أفضلَ من هذه الحيثية".
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعةٌ يُظِلُّهمُ الله عز وجل يومَ القيامة، يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عادلٌ، وشابٌّ نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجلٌ ذكَر اللهَ في خلاءٍ ففاضَتْ عيناه، ورجلٌ كان قلبُه معلَّقًا في المسجدِ، ورجلان تحابَّا في الله عز وجل، ورجل دعَتْه امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ إلى نفسِها، فقال: إني أخافُ اللهَ عز وجل، ورجل تصدقَ بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما صنعَت يمينُه". النسائي وصححه الألباني.
وفي هذا حثٌّ عظيم على الإخلاص في العمل، لكي تكونَ صدقتُك بليغة الأثر - بإذن الله تعالى - فحاولْ جاهدًا أن تتحرَّى لصدقتِك محتاجًا صالحًا تقيًّا، كما جاء في الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تُصَاحِب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقي"، رواه الترمذي وأبو داود، وهو حديث حسن، وكلما كان الفقير أشد فقرًا وحاجة للصدقة، كان أثرُ الصدقة أكبر وأعظم، مع العلم أن "في كل كَبِدٍ رَطبةٍ أجر"، متفق عليه مرفوعًا، فلا يلزم أن تحصر صدقتَك على الإنسان فقط، وأن تظنَّ أن الصدقة لن تنفع حتى تنفقَها على إنسان، بل إن أطعمت حيوانًا محتاجًا بنيَّة الصدقة في رمضان فستُكتب لك بأجر عظيم.