الأستاذ دوراري مدير المركز الوطني البيداغوجي واللغوي لتعليم تمازيغت ضيف ”منتدى المساء”:

الأكاديمية حاجة وإعادة صياغة الأسطورة الوطنية ضرورة

الأكاديمية حاجة وإعادة صياغة الأسطورة الوطنية ضرورة
  • 5017

لماذا ليس كل الجزائريين يتكلمون الأمازيغية؟ وهل حقيقة أن الإسلام عرب الأمازيغ؟ ولماذا أتعلم الأمازيغية الآن إن كانت لا تنفعني؟ وما العمل لاستمرار هذه اللغة؟ هي أسئلة وأخرى كانت بمثابة محطات للأستاذ عبد الرزاق دوراري، مدير المركز الوطني البيداغوجي واللغوي لتعليم تمازيغت، للشرح والإجابة عن أسئلة ”المساء” لدى نزوله ضيفا على منتدى الجريدة. وأكّد السيد عبد الرزاق دوراري، مدير المركز الوطني البيداغوجي واللغوي لثمازيغث أنّ صيرورة إدخال الأمازيغية للمدرسة كانت عرجاء بسبب الضغط الاجتماعي، الأمر الذي أسفر عن فوضى في التهيئة اللغوية للغة الأمازيغية، حتى أصبحت ثقيلة على الأساتذة قبل التلاميذ، مما أدى إلى عزوفهم النسبي، ويرى أنّه لابدّ من إعادة صياغة الأسطورة الوطنية الجزائرية بشكل أعمق والافتخار بالأمازيغية، وتاريخ هذا البلد المتجذّر في قرون ما قبل التاريخ ثم إعطاء التفوّق للقوى الجامعة وتحجيم القوى الطاردة، لبناء دولة الجزائر الحديثة دولة المواطنة المدنية، مبرزا أهمية وجود هيئة تعنى بالأمازيغية، تتمثّل في أكاديمية والتي دونها لن تستمر أو تتطوّر. "أزمة المحفظة” عجلت بإدخال الأمازيغية للمدرسة ولكن..

يوضّح عبد الرزاق دوراري أنّه بعد ”أزمة المحفظة” بمنطقة القبائل في 1995، تمّ إدخال ثمازيغث للمدرسة بعد جهد جهيد وبعد وقوع ضحايا، وهذا أمر وصفه المتحدّث بالغريب جدا بالنسبة للدولة الوطنية، وقد دخلت دون تهيئة لغوية، وضرب مثال اللغة العربية التي بدأت تهيئتها منذ القرن الثامن الميلادي واستمرت حتى القرن الرابع عشر، والقرآن قبل القرن الثامن لم يكن مكتوبا إلاّ بالرسم النبطي فلم تكن فيه النقاط فوق أوتحت الحروف، يعني أخذت ستة قرون للتهيئة اللغوية، ومازالت لحدّ الآن في التنميط تتابعها أربع أكاديميات وأربعة مجامع لغوية في المشرق، أمّا اللغة الأمازيغية فانطلقت من مجال المشافهة لتدخل مباشرة في المدرسة وإلى يومنا هذا، أي بعد عشرين سنة، لا تملك الجزائر هيئة تقوم بالتهيئة اللغوية للأمازيغية، يمكن مساءلتها في هذا الشأن.

التجارب السابقة لن تزيح أهمية النحو المدرسي

وقال دوراري إنّ الأمازيغية عرفت تجارب في إصدار كتب بثمازيغث، إذ كتبت بالحرف العبري عند الشلوح بالمغرب، وهناك كتب كثيرة، وبالحرف العربي في الجزائر من القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر، مثال مدونة وسياني وابن غانم المكتوبة بالميزابية وهو كتاب فقهي يشرح عموما المذهب الإباضي وهناك كتاب ”العقيدة السنوسية” الموجود بمكتبة ”الموهوب أو لحبيب” في بجاية، وكتابات أخرى على غرار قاموس الشيخ أحداد لمنطقة صدوق من العربية الجزائرية إلى القبائلية لأنّ زاويته في صدوق يأتيها الطلبة من بوسعادة وسيدي عيسى وهم لا يعرفون القبائلية فيعطيهم القاموس لتسهيل الاتصال فيما بينهم وبين السكان المحليين الناطقين بالقبائلية، لكن هذه المحاولات لا ترقى لتعقيد كبير، فالتعقيد في اللغة والتهيئة اللغوية يتم على مستويين، الأوّل يتعلّق بالتهيئة العلمية، التي تفيد اللسانيين وهو ما يسمى بالنحو العلمي، والثاني مرتبط بالمدرسة وهو ما يسمى بالنحو المدرسي، وهو ما تفتقده الجزائر.

وأضاف أنّ الدراسات العلمية المنصبة على تمازيغت بدأت من قبل الفرنسيين في القرن الـ19 حيث كان بلقاسم بن سديرة يلقي ”دروسا باللغة القبائلية”، وبن سديرة ليس قبائليا فهو من بسكرة وناطق بالعربية الجزائرية، وأوّل درس بالقبائلية قدّمه بن سديرة الذي كان يشتغل أستاذا في جامعة الجزائر، وأعدّ ترجمة باللغة الفرنسية وواصل تلاميذه بعده في تدريسها، ودامت هذه التجربة حتى انتهى الاحتلال، وكانت هناك دراسات كبيرة في اللغة الترقية. وبعد الاستقلال، كان مولود معمري يقدّم هذه الدروس بجامعة الجزائر، حتى 1973 ثم تمّ منعها، ونبّه المتحدث إلى أنّ هذه التجارب غير كافية ولابدّ من تحيينها، لأنّ قبائلية سنوات الـ1900 ليست كالتي نستعملها اليوم.

الجدوى في ظلّ غياب وظيفة اجتماعية واقتصادية

ووضع ضيف ”المساء” يده على المشكل المرتبط بتعليم تمازيغت، مؤكّدا أنّ كلّ الوسائل التربوية غائبة، على غرار الكتاب المدرسي وكتاب القراءة وكتاب النحو والصرف والقواميس المدرسية إلى يومنا هذا، وهذا غريب. وكشف أنّ الأمازيغية كانت تدرس في بعض الجمعيات الثقافية على غرار ”إذلس” التي كانت تنشط في ولاية تيزي وزو، والتي كانت تنهل من دروس مولود معمري، وبقيت في مستوى ارتجالي له أسبابه، حيث جاء كضرورة، لأنّ الدولة لم تستجب لمطلب تعليم الأمازيغية لمدة طويلة إلى حين وقع عليها ضغط كبير، وإضراب المحفظة الذي دام موسما دراسيا كاملا حتى أفريل 1995، تبعها إنشاء المحافظة السامية للأمازيغية. ويتساءل الأستاذ دوراري ”على ضوء كلّ ما ذكر كيف للتعليم ألا يتراجع؟”، وأردف قائلا ”التعليم لابد أن يكون جذابا وأن تكون له وظيفة اجتماعية، لا نتعلّم لغة هكذا فقط، التعليم يتطلّب المشقة، والجهد وإذا لم يؤد إلى أرباح ملموسة لن نذهب إليه، هذه قاعدة في مجال الاقتصاد التربوي.. والمدرسة الجزائرية عموما في فشل كبير”.

وأضاف أنّ ثمازيغث إذا كانت تفيد في شيء ما، ستبذل الجهود لتعلّمها أمّا إن لم تفدني في شيء فلماذا أتعلّمها، المشكل ليس مطروحا فقط للجزائريين، هو مطروح مثلا للغة الكورسيكية في كورسيكا حيث الكثير من العائلات تطلب من أولادها ألاّ يتعلّموا هذه اللغة، وهي تدرّس، لأنّها لا تفيد في شيء فيفضّلون اقتصاد الجهد وتعلّم اللغة الفرنسية لأنّها ذات وظيفة اجتماعية واقتصادية.وتابع المتحدث شرحه بالقول أنّ الأمر بالنسبة للغة ليس فقط قضية عاطفة، اللغات في المجتمعات على حدّ قول بيار بورديو ”تخضع لسوق لغوية”، ولما يكون التنوّع اللغوي متوفّرا ”أختار اللغة التي تناسبني”..الجانب العاطفي مهم جدا، ولكنه غير كاف. تراجع الإقبال على تعلّم تمازيغت وكشف الأستاذ عبد الرزاق دوراري أنّ الإقبال على تعلّم تمازيغت يعرف تراجعا ملفتا، في البداية كانت 16 ولاية تدرسها، والآن 11 ولاية فقط، 80 بالمائة منها في ولايات تيزي وزو وبجاية والبويرة، ليسترسل في قوله ”ما هي أسباب هذا التراجع؟”، ثم أجاب ”لو كان فيه تهيئة لغوية تحاول تسهيل الأمور وتبيّن مزايا وفوائد تعلّم اللغة، وإن لم تكن فلن يفيد الأمر في شيء”. من جهة ثانية، سارت التهيئة اللغوية للأمازيغية بشكل شبه عفوي، صنعت على إثره لغة اصطناعية تسمى تمازيغت، وهل يجد المتعلّم فائدة في تعلّم اللغة الاصطناعية؟،

وضرب مثال ”لو أني قبائلي وأتعلم الشاوية أو شاوي وأتعلم القبائلية فهذا يفيدني لأن هذه لغات أم طبيعية ففيه اعتراف وافتخار بالذات هي نوع من النرجسية الإنسانية الضرورية بالنسبة للإنسان”. وتابع حديثه ”اللغة هي مرآة الذات والهوية، وكان لزاما أن تدرّس في الأطوار الأولى للمدرسة، التحضيري والابتدائي لأنّه المكان المرموق للتعلّم، فعوضا أن نضعها في الابتدائي وضعناها في المتوسط”.وعاد دوراري ليؤكّد أنّ الصيرورة التي تمّ بها إدخال الأمازيغية للمدرسة عرجاء، من جميع النواحي، صحيح أنّها كانت نتيجة الضغط الاجتماعي، والحالة الإستعجالية، لكن بعد عشرين سنة الحال ما زال يراوح مكانه، وأصبح كلّ واحد يضع التهيئة التي يريدها وكلّ أستاذ وكلّ تلميذ يبتدع كما يريد وبالتالي وصلت تمازيغت لنوع من الفوضى في مجال التهيئة المعجمية، ولهذا سيتم تنظيم ملتقى أيام 5-7 أكتوبر المقبل في باتنة، حول التهيئة المعجمية وهو جزء من المشكل وليس كله.

إعادة صياغة الأسطورة الجزائرية والاعتزاز بالأمازيغية

وعن فكرة توحيد اللغة، قال ضيف ”المساء” إنّ التصوّر الأحادي تجاوزه الزمن لأنّ التوحيد والأحادية فكر قديم والأحادية هي أكبر مرض تعاني منها الإنسانية، والنموذج الذي أصبح المعمول به الآن في جميع البلدان هو التعدّد الثقافي واللغوي والتنوّع الثقافي والتعدّد المبني على المواطنة. وتعترف الدولة بالتعدّد الثقافي اللغوي والديني لكن هناك مراعاة لرموز الاندماج الوطني وهي مشتركة مهما تعدّدت الثقافات أواللغات أوالمناطق، وفي الأنتروبولوجيا نتكلّم عن القوى الجامعة تلك التي تجعل الناس تقترب من بعضها البعض وكأنّ لهم حرية الابتعاد عن المنظومات الثقافية أواللغوية التي ولدوا فيها ليجتمعوا مع غيرهم في منظومات أوسع كالدولة والمجتمع العصري. وأشار إلى أنّ البعد التاريخي للجزائر يصل إلى مليوني سنة منذ العصر الحجري الأوّل، والولايات المتحدة الأمريكية التي نشأت في القرن الـ 17 تملك رموزا تجمع كل الأمريكيين Américan National Myth.

وقال ”إلى حدّ الآن في الجزائر هناك نفس التركيبة الإنسانية كما أوضحته الباحثة مليكة حاشيد في كتابها ”البربر الأوائل، خمسة آلاف سنة قبل الأهرامات”، لذلك نلحّ على ضرورة صياغة جديدة لهذه الأسطورة الوطنية كما فعلوا في أمريكا مع ما يسمونه الآباء المؤسّسون ويبرزونهم كأبطال كبار وهم في الأصل أخرجوا من بريطانيا وقاموا بإبادة السكان الأصليين وهم الهنود الحمر ونهبوا أراضيهم”.وأضاف دوراري ”نحن نمتلك التاريخ الحقيقي; لم نحتل أرضا ولم نقتل شعبا بل كنا هنا وكلّ من جاءنا وجدنا هنا وقاومناه فعاد من حيث أتى، ما عدا بنو هلال وبنو سليم الذين أصبحوا جزائريين بأتم معنى الكلمة وهم معنا منذ أكثر من ألف سنة خلت واختلطت أنسابنا وأصبحنا شعبا واحدا، لابد من إعادة صياغة الأسطورة الوطنية والذهاب إلى الأعمق في التاريخ، والدولة الجزائرية في حاجة إلى الأسطورة الوطنية ومن فائدتها أن تكون مبنية على البعد الأمازيغي لأنّها الأقدم كوازع تاريخي وإنساني وثقافي، لما نقول نحن أمازيغ لابد أن تكون مفخرة لنا”.

مضيفا أنّ الأسطورة تبنى على التاريخ واللغة والهوية الأمازيغية وهذا الذي يجمع الجزائريين ولا يفرّقهم على الإطلاق لذلك لابدّ من معرفة القوى الجامعة والقوى الطاردة على غرار ما يريد فعله تيار استقلالي انفصالي أو الفئة التي تدعي مجيء الأمازيغ من المشرق وتنكر الأصول الأمازيغية أو ما تفعله السلفية الدينية، أمّا القوى الجامعة فهي التي تريد أن تبني الجزائر لجميع الجزائريين وتقبل التنوع الديني والثقافي واللغوي، وهذه الجزائر تكون متفتحة على الأبعاد الجيو - استراتيجية والجيو - سياسية، وقال ”لابد من إعادة الاعتبار للأمـــازيغية لغة وثقافة وهوية”.