الدعاء مخ العبادة
- 4680
الدعاء في اللغة أن تميل الشيء إليك بصوتٍ وكلامٍ يكون منك. ويقال دعوت فلاناً؛ أي ناديته وطلبت إقباله. ودعاء العبد ربه جل جلاله هو طلب العناية منه، واستمداد المعونة منه.
والدعاء، بعبارة بسيطة، هو التحدث إلى الله تعالى، ويعني أن ينادي الإنسان ربه ويناجيه ويكلمه، فهو وسيلةٌ لارتباط الإنسان بالله عزوجل.
إن الإحساس بالقرب من الله وبث هموم القلب بحضرته وتمجيده وتحميده والتودد إليه، وطلب الحاجات منه، كلها من مصاديق الدعاء.
موقع الدعاء من العبادة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء مخ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد". ويكشف لنا هذا الحديث عن جوهر العبادة وحقيقتها، التي تتجلى في إقبال العبد المحتاج على المعبود الغني، وهو إقبال يجسد الصلة بين الخالق والمخلوق، وشعوره بحاجته الدائمة إلى ربه تعالى في جميع أموره، واعترافه بالعبودية له تعالى. والدعاء أوسع أبواب ذلك الارتباط، فهو مخ العبادة وحقيقتها وأجلى صورها.
وقد عد الله تعالى الإعراض عن الدعاء استكباراً عن العبادة: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين"، (غافر: 60).
وعن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "أفضل العبادة الدعاء. وإذا أذن الله لعبدٍ في الدعاء فتح له أبواب الرحمة؛ إنه لن يهلك مع الدعاء أحد".
فالدعاء إذاً في نفسه عبادة، فهما يشتركان في حقيقة واحدة، وهي إظهار الخشوع والافتقار إلى الله تعالى، وهو غاية الخلق وعلّته؛ قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، (الذاريات: 56).
وطالما أن هدف العبادة هو تحقيق الرابطة الحقيقية التي ينبغي أن تكون بين العبد وربه، على أساس اعتراف العبد باحتياجه المطلق إلى الغني المطلق وإقراره بفقره وفاقته وعجزه ولا شيئيته أمام المالك الذي لا ينفد ملكه وسلطانه، فإن الدعاء هو من أبرز العبادات التي تحقق هذا الهدف؛ لأن الدعاء مظهر فقر الإنسان إلى الله تعالى واحتياجه إليه.
الدعاء بوابة مفتوحة
إن علاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى تتضمن معاني الحاجة والفقر المطلق لله تعالى، ورحمته وعونه. ولا يمكن أن يتصور، ولو للحظة، كون الإنسان مستقلاً عن الله سبحانه في تدبير شؤونه وتيسير أموره، ودفع الشرور عنه، وجلب المصالح إليه، شاء الإنسان ذلك أم أبى. وقد فتح الله سبحانه بالدعاء باباً لعباده لقضاء الحوائج، صغيرها وكبيرها، وفي كل مكان وزمان.
يقول علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، في نهج البلاغة: "فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب رحمته"؛ فالدعاء مطلوب في كل حال، ومتى شاء الإنسان، وفي هذا من الرحمة له ما يعجز دونه العقل.
هذه القواعد الإلهية في رسم علاقةٍ مفتوحةٍ بين البشر وخالقهم بدون حدود الزمان والمكان، أمر أكدت عليه آيات الكتاب ونصوصٌ إسلامية كثيرة، فقد قال عز وجل: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" (غافر:60)، فالأمر بالدعاء في الآية الكريمة جاء مطلقاً بدون قيود.
وفي الحث على الطلب من الله تعالى واللجوء إليه ودعائه يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "فاستفتحوه واستنجحوه واطلبوا إليه واستمنحوه؛ فما قطعكم عنه حجابٌ ولا أغلق عنكم دونه بابٌ، وإنه لبكل مكانٍ وفي كل حينٍ وأوانٍ ومع كل إنسٍ وجانٍّ، لا يثلمه العطاء ولا ينقصه الحباء ولا يستنفده سائلٌ ولا يستقصيه نائلٌ، ولا يلويه شخصٌ عن شخصٍ ولا يلهيه صوتٌ عن صوتٍ ولا تحجزه هبةٌ عن سلب".