الصوم دافع لعلاج الفقر في المجتمع

الصوم دافع لعلاج الفقر في المجتمع
الصوم دافع لعلاج الفقر في المجتمع
  • 1447

تأتي عبادة الصوم كتدخل رباني مباشر لإصلاح النفوس وتهذيب الأخلاق وإصلاح المعاملات، فالصوم ليس رهبانية خالية من المقاصد الإنسانية، ولا طقوسًا خاوية من المفاهيم الأخلاقية، بل هو من صميم الإنسانية، فإن من أهم أركانه ترك الأكل والشرب يومًا كاملاً من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولو تفكرنا بمنظور اقتصادي وسلكنا المسلك الذي أريد من الصيام، لوجدنا أن الصوم في جزئيته هذه يعالج قضية إنسانية كبرى مرتبطة بأغلبية الناس، ألا وهي الفقر.

فالمسلمون بتضامنهم مع الفقراء بدافع هذه العبادة الربانية من خلال التوفير الاقتصادي الذي يترتب عنها، وترك ما يخالف المقصود من هذه العبادة العظيمة، إذ إن التوفير المترتب على الصيام يعد شيئًا كبيرًا في منظور الاقتصاديين، وبذلك يكون قد حصل من الصوم المقصود الكبير من مشاركة الفقراء فقرهم.

ويمكن أيضًا إيجاد حل دائم لمشكلة الفقر هذه بتنظيم الأمر وتقنينه في بذل ما ادخرناه في نهار رمضان وإعطائه مستحقيه بطرق حضارية خالية من المن والأذى، وهذا يفسره فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بذله وعطائه، فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان، وهذا هو الموافق تمامًا لمعنى الصوم.

غير أن الواقع الذي أحدثه الناس هو الصوم نهارًا ثم تعويض ذلك بالأكل والشرب أضعافًا مضاعفة من أنواع المأكولات والمشروبات ليلاً، وإن كان ذلك مباحًا فإنها تبقى عادة غير مستحبة وبعيدة كل البعد عن قوله تعالى "لعلكم تتقون" فحصول التقوى ليس بمجرد الصيام بعيدًا عن معانيه ومضمونه.

وقد يقول قائل أن مشاركة الفقراء والإحساس بمعاناتهم شيء مطلوب ولكن ليس هو المقصود من الصيام، جاهلا أو متجاهلا أن مقاصد الصوم متعددة ومنها ما تعلق بمعاني الرحمة والإخاء والشفقة بالفقراء، ومن أجل ذلك وجب تطهير الصوم من الرفث واللغو وما يعلق به بإطعام الفقراء بزكاة الفطر، وهذا الربط بين الصوم والإطعام يجلي لنا هذا المقصد.

وإذا ما نظرنا لأسلوب الخطاب الرباني في فرض الصوم وجدنا أن فرض الصوم جاء بعد نداء الإيمان "يا أيها اللذين آمنوا" فهنا قد أثبت لهم الإيمان وبالإيمان تكون التقوى من آثار ما يناقضه، فمجيء "لعلكم تتقون" بعد ذلك ينبئ أن فيها معنىً زائدًا على المعنى المتبادر، وهذا هو الواقع، لعلكم تتقون أيضًا آثار الأخلاق السيئة المسببة لتفكك المجتمعات وتباعد القلوب، وتتقون الحياة العشوائية التي لا تتقيد بنظام اقتصادي يكفل الحياة الكريمة لفقراء الأمة، ولعلكم تتقون أيضًا نسيان الجوع، فصيام شهرٍ كاملٍ كفيل برسم صورة سلبية عن الجوع تبقى في ذاكرة الغني تحثه على استدامة العطاء في غير شهر الصوم، فالمجتمع الذي يصوم ويستغل صيامه كما أمر، كرمًا وتسامحًا وحذرًا من الأخلاق السيئة، وتراحمًا وتعاطفًا، لاشك أنه مجتمع قريب من الله، وحري أيضًا بماهيته الإنسانية.

ولا ريب أن التقوى التي تجعل المسلم يشعر بمعاناة أخيه الجائع حرية بأن ترتقي به إلى أعلى من ذلك فيشعر بمعاناته وهو مشرد ومهجر ومظلوم ومضطهد، تتقاذفه أمواج البحار، وغير ذلك مما يعانيه كثير من المسلمين اليوم مما يجعل الجوع أهون المعاناة، وهو في ذات الوقت نتيجة من نتائجها، فالتقوى الحقة تقود المسلم ليعيش في ظل قوله صلى الله عليه وسلم "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يسلمه".